شدوى الصلاح
سميت بقناة التزييف والتضليل وطمس الحقائق، خرجت الحملات المطالبة بإلغاء متابعتها وحذفها من قائمة المشاهدات وتقليل تقييمها.. صنفت ضمن أدوات الإعلام البغيض والكاذب.. روجت لشخصيات غير وازنة وقدمتهم كمحللين سياسيين ومفكرين وباحثين.. إنها قناة العربية السعودية المحسوبة على النظام والمعروفة بأنها بوقٌ ممثلٌ لسياسات السلطة.
“العربية أن تكذب أكثر.. العربية العبرية.. العربية قناة المليشيات”.. توصيفات نعتت بها القناة طوال 18 عاما من عملها، خاصة بعدما استبدلت مصطلحاتها في توصيف الاحتلال الصهيوني ورفعت عنه صفاته، واكتفت بقول “إسرائيل”، ووصفت أعضاء حركة المقاومة الفلسطينية بالعناصر، في استناد واضح على الروايات الصهيونية في تغطيتها لبعض الأحداث.
وبرز في تناولها للأخبار كراهيتها الشديدة لكل ما هو إسلامي وسني، وتأييدها للتطبيع مع الاحتلال الصهيوني، والحشد ضد حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين ومحاربتهما بصفتهما عدو يشكلان خطراً على المجتمع، وشنت الحملات الشديدة الضراوة ضدهما، سيراً في خط إعلامي ينتهج مشروع شيطنتهما.
صنفت قناة العربية التي تعد إحدى قنوات مجموعة “MBC”، كل من يعارض التصهين والتطبيع أو يطالب بالحقوق والحريات، أو يدعو لأي مظهر من مظاهر الإسلام أو يؤيد ثورات الربيع العربي بأنه “إخوان” حتى وإن كان يسارياً أو علمانياً أو على غير الإسلام، وسواء كانوا أشخاصاً أو حركات أو أحزاب، حتى إن أكدوا مراراً استقلاليتهم وعدم انتماءهم لأي تيارات.
مقتل إمام
حدثان وقعا مؤخرا، عرضا قناة العربية لانتقادات واسعة، الأول كان قتل إمام مسجد شهير في مدينة كولومبوس بولاية أوهايو الأميركية يدعى الدكتور محمد حسن آدم، وهو أميركي صومالي، تمكنت السلطات الأميركية من إيجاد جثته الجمعة الماضية 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، بعد يومين من اختفائه.
ونقلت وسائل إعلام أميركية عن مقربين منه أنه كان معروفاً بالحرص على إطعام المشردين وتوعية الشباب بالابتعاد عن المخدرات والعنف، إلا أن قناة العربية كان لها رأي مختلف في نقلها للخبر، إذ أشارت إلى أن الإمام المقتول والذي عثر على جثته في سيارة مصابا بعدة طلقات نارية “محسوب على جماعة الإخوان المسلمين”.
وكان مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية “كير” الذي يديره نهاد عوض، قد أعلن عن مكافأة قدرها 10 آلاف دولار لمن يدلي بمعلومات تقود لضبط قاتل الإمام، إلا أن العربية كان رأيها مختلف بشأن موقف المؤسسة، إذ اتهمتها أيضا بالتبعية للإخوان، وزعمت أن موقف المجلس مثير للشكوك وربطت بين ذلك وإقالة مدير فرع المجلس في أوهايو بعد اتهامه بالخيانة.
تفنيد الأكاذيب
وبدوره، فند مدير المجلس، أقاويل العربية مؤكدا أنها تمارس الفجور في الخصومة وتسقط أبسط المعايير الصحفية في تغطيتها لأخبار كير، واتهمها بالكذب والاستخفاف بالحقائق وبعقول متابعيها، قائلا إن “الكذبة الأولى اتهام القناة للمؤسسة بأنها إخوانية بدون دليل.. لو كنا مؤسسة إخوانية لأعلنا ذلك وبفخر. لكن ذلك فخر لا ندعيه”.
وأشار عوض، إلى أن القناة كبقية الذباب الإلكتروني، يصفون كل مسلم لا يصفق للطغاة بأنه إخواني على قاعدة من ليس معي فهو ضدي، وينسبون بذلك للإخوان إنجازات وعلاقات ليس لهم بها صلة، ويخلطوا الحابل بالنابل من أجل تضخيم حجم وتأثير الإخوان لكي يبرروا شيطنتهم وقهرهم واضطهادهم”.
واستطرد: “الكذبة الثانية، أن العربية ادعت أننا واجهنا فضيحة بسبب كشف جاسوس في كير كان يعمل لصالح مؤسسة معروفة بتطرفها وعدائها للإسلام والمسلمين، في حين كان هذا انتصاراً لنا على جماعات الكراهية في الولايات المتحدة التي تساندها للأسف بعض الدول العربية”.
وأوضح عوض، أن الكذبة الثالثة للعربية ادعائها أن الإمام الذي قتل في ولاية أوهايو الأسبوع الماضي إخواني، كعادتها، بدون دليل، وقالت، “لهذا كير عرضت ١٠ ألاف دولار لمعلومات تقود للقبض على الجاني”، قائلا: “لا تستحي القناة من زيادة ألم أهل الضحية”.
وأضاف: “تناست القناة أن كير تدافع عن حقوق المسلمين بدون تمييز ولها تاريخ عريق ومعروف في متابعة الجرائم ضد المسلمين برصد مكافأة لمعلومات تقود للقبض على الجناة”، مبينا أن الكذبة الرابعة الافتراء المحض على صحيفة الواشنطن بوست العريقة ونسبها لها قولها إن حادثة إقالة جاسوس سيكشف علاقة كير بجماعة الإخوان.
وأشار عوض، إلى أن الكذبة الخامسة، افتراءها أيضا على صحيفة الواشنطن بوست، بأنها قالت إن هذه الحادثة ستكشف علاقة كير بحماس ويعرضها للمساءلة القانونية، متسائلا: “لماذا تكذب قناة العربية؟ وما علاقة القناة بالحكومات القمعية في المنطقة؟”.
وأكد أن هذه ليست المرة الأولى، التي تكذب فيها العربية، مشيرا إلى أنها انقلبت في تغطيتها لأخبار كير واستضافتها للمتحدثين الرسميين بعد الربيع العربي وخصوصا بعد اعتقال الداعية سلمان العودة ومقتل الصحفي جمال خاشقجي على أيدي عملاء الحكومة السعودية.
مجزرة جبلة
الحدث الثاني المثير للجدل الذي تعاملت معه قناة العربية، كان قتل 20 شخصا بينهم 7 أطفال من عائلة واحدة في محافظة بابل وسط العراق، أثناء تبادل لإطلاق النار بين عائلة عراقية -بدعوى أن رب الأسرة تاجر مخدرات- وعناصر من قوات الأمن العراقية، الخميس 30 ديسمبر/كانون الأول 2021، واستعملت قوات الأمن القوة المفرطة.
قناة العربية روت أن “الاستخبارات تحركت لمنزل مطلوب يدعى رحيم كاظم لاعتقاله، إلا أنه أطلق النار على الاستخبارات عند وصولها، مما دفعها لتوجيه نداء إلى قوات سوات التي طوقت منزل المطلوب القاتل واشتبكت معه فوجه نيران أسلحته العشوائية إلى القوات فأصاب عنصري أمن، وحين دخلت القوات للمنزل اكتشفت مقتل جميع أفراد العائلة”.
وهي الرواية التي كذبتها منظمات حقوقية اعتمدت في معلوماتها على تأكيدات رسمية وشهود عيان وتقارير الطب الشرعي، أبرزهم المرصد الإعلامي والحقوقي أفاد، الذي قال إن مستشفى مدينة المسيب بمحافظة بابل تحتفظ منذ فجر الجمعة 31 ديسمبر/كانون الأول 2021، بعشرين جثة لمدنيين بينهم 12 طفلاً ومنهم رضيعان أحدهم بعمر 16 يوماً.
وأوضح في بيان له أمس السبت 1 يناير/كانون الثاني 2022، أن جميع الموجودين في المستشفى قتلوا بإطلاق نار من أسلحة متوسطة وخفيفة وقذائف صاروخية موجهة وقنابل هجومية، خلال هجوم لوحدات الأمن العراقي على منزل ريفي ببلدة جبلة، رغم تحذيرات الأهالي لهم بأن المنزل به عائلة كبيرة ويمكنهم الدخول دون إطلاق نار.
ونقل المرصد عن مسؤول رفيع في وحدات قوات سوات، قوله إن التحقيقات الحالية في وزارة الداخلية تتجه إلى تأكيد وقوع جريمة تتحمل مسؤوليتها القوات الأمنية بالدرجة الأولى، مقرا بأن القوة قادمة بناءً على علاقات شخصية بين أحد الضباط بوزارة الداخلية ينتمي إلى وكالة الاستخبارات على خلفية مشكلة عائلية بين صاحب المنزل “كاظم” وصهره.
وأوضح أن الضحية يمتلك سجلًا أمنياً سليماً وخالياً من أي مشاكل، وأن ما حدث هو جزء من الفساد الذي ينخر المنظومة الأمنية العراقية، مطالبا بمحاسبة كل المتورطين ومعالجة مشكلة التضليل المزمن التي يعتمدها المتحدثين باسم الوزارات والتشكيلات الأمنية؛ وليس كما اتهمته قناة العربية تارة بأنه ينتمي إلى تنظيم القاعدة وداعش، وتارة أخرى بأنه تاجر مخدرات.
التقارير الحقوقية خلصت جميعها إلى النتيجة ذاتها التي برأت كاظم وأدانت القوات الأمنية، ما عده مراقبون سقطة كبيرة تضاف إلى سقطات قناة العربية، واتهموها بالتورط في طمس الحقائق حول جرائم إبادة بحق المواطنين في العراق، ونعتوها بالكاذبة والمزورة والداعمة للمليشيات، وطالبوها بالاعتذار وحذف التقارير التي شوهت فيها سمعة المواطن العراقي.
مناهضون معتقلون
تلك الاتهامات وجهها خبراء إعلاميين ودعاة ومثقفين منذ سنوات، إلا أن مصيرهم كان الاعتقال والزج بهم في سجون النظام السعودي، أبرزهم الإعلامي مالك الأحمد المعتقل منذ 19 سبتمبر/أيلول 2017، والذي عُرف بـ”تويتر” بتقديمه نقداً وتقييماً لوسائل إعلام وأفلام ومسلسلات، من عدة جوانب، أبرزها “المهني والأخلاقي”.
وعد الصحفي جمال خاشقجي الذي تم اغتياله داخل قنصلية بلاده في إسطنبول أكتوبر/تشرين الأول 2018، اعتقال الأحمد الذي كان من أوائل من دعوا لتأسيس إعلام هادف يخدم المجتمع ولا يسعى إلى التربح، حينها دليلاً على أنه لا أحد آمن.
وسبق أن شن الأحمد، قبل أكثر من عام ونصف من اعتقاله، هجومًا حادًا على قناة “العربية”، واستعرض في سلسلة تغريدات توجهّات القناة، وأبرز أخبارها التي أثارت جدلا منذ إنشائها عام 2003، مشيرا إلى إعطاء مدير القناة السابق عبد الرحمن الراشد، تعليمات للمذيعات بقطع حديث الضيوف الذين يختلفون بغضب مع أميركا.
وأوضح أيضا أن تركي الدخيل الذي كان يعمل مديراً للقناة حين دون الأحمد تغريداته، من نفس توجه الراشد – الليبرالية -، رغم أنه خريج أصول الدين قسم السنة، وتتلمذ على يد المحدث عبدالله السعد، وكان إمام مسجد، موضحا أنه تفنّن في برنامجه (إضاءات) بمضايقة الإسلاميين بخلاف الموافقين له فكريا، مع تلميعه لبعض الشخصيات السيئة، الشاذة فكريا.
وعرّج الأحمد في حديثه إلى الرسائل التي توجهها القناة، قائلا: “برنامج (صرخة نساء كابول فرخوندة)، يتهم القيم الإسلامية بأنها هي مصدر الظلم والجهل والعنف الذي تتعرض له المرأة الأفغانية، ويثني على نموذج المغنية”، فيما يحاول مذيع “برنامج (منارات)، إلصاق كل أسباب التدهور في العالم العربي بالدين والفكر الديني والمتدينين، وأن الفكر القومي هو الأصل.
وأكد أن القناة لها منهج واضح في تشويه الدعاة، وتستضيف الليبراليين المعادين للإسلام ليقيّموا الدعاة، ولا تلتزم بأخلاقيات الإعلام (سب وشتم)، مشيرا إلى أنها حاولت مسايرة التوجه العام حتى تخفف من الهجوم عليها، (المسار العام لنشرات الأخبار وبعض البرامج، مثل مأساة مضايا، والانتخابات الإيرانية)”.
وحول تغطية القضية الفلسطينية، قال الأحمد إن “العربية” تطلق على الشهداء مصطلح “قتلى”، لتمرير أجندة المصطلح الخادع المشوه، وتبث أخبار “منافية للأخلاق”، مؤكدا أنها تحمل فكرا وأيدلوجيا معادية للإسلام والتوجهات الدينية في المنطقة، وتتبنى الشخصيات العلمانية والمتحولين، وتبرزهم إعلاميا.
نفاق العربية
ومن أبرز الدعاة المعروفين بموقفهم من قناة العربية كان الشيخ عبدالعزيز الطريفي، المعتقل تعسفيا أيضا منذ 2016، والذي مازال الناشطون على تويتر يتداولون حتى اليوم مع كل حديث عن سقطات القناة، تغريدته التي قال فيها “لو كانت العربيّة في عهد الرّسول ما اجتمع المنافقون إلاّ فيها ولا أنفقت أموال بني قريظة إلا عليها”.
وأوضح الطريفي حينها أن موقفه من القناة بسبب مناكفتها للإسلام، وعدائها لرسالة محمد عليه الصلاة والسلام، وتهويلها لزلات المسلمين وإظهار الغرب بمظهر العادل المنصف، مشيرا إلى أن آيات النفاق الواردة في القرآن الكريم تنطبق بشكل تام على قناة العربية التي تبنت منذ تأسيسها العداء للإسلام بشكل واضح وجلي.