لم تلق تصريحات الرئيس الأمريكي، التي تنتقد بشدة الأوضاع في المملكة العربية السعودية، ردًا سعوديًا مُقنعًا، أو تفنيدًا للاتهامات، بعد 60 يومًا من تولي جو بايدن منصبه.
واعتاد رأس الإدارة الأمريكية الجديدة على انتقاد الأوضاع الحقوقية في السعودية، واغتيال الصحفي جمال خاشقجي، والحرب الدموية في اليمن، حتى أنه قلل من شأن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في أحد تصريحاته.
وبعد أقل من شهر على انتخابه، قال الرئيس الأمريكي إنه يعمل على إعادة تقييم العلاقات مع السعودية، ويخطط للاتصال بنظيره الملك سلمان، وليس بولي العهد.
وبعد 37 يومًا من توليه المنصب، هاتف الرئيس الأمريكي الملك سلمان ليتحدث عن حقوق الإنسان في المملكة.
وقال بايدن لشبكة “يونيفيجن” التلفزيونية بعد يوم من المكالمة إنه “أبلغ الملك سلمان صراحة أن القواعد تتغير، وأننا سنعلن تغييرات كبيرة، وسنحاسبهم على انتهاكات حقوق الإنسان”.
أما البيت الأبيض فقال حينها إن بايدن أكد، خلال الاتصال، “الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لحقوق الإنسان الدولية وحكم القانون”.
وبعد الاتصال بقليل، سمحت إدارة بايدن بنشر تقرير سري للاستخبارات الأمريكية أكدت فيه أن ولي العهد “أجاز عملية اعتقال أو قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي”.
وذكر التقرير أن “نمط العملية يتماشى مع تأييد ولي العهد محمد بن سلمان لاستخدام العنف وسيلةً لإسكات المعارضين في الخارج”.
وعلى إثر ذلك، اكتفت وزارة الخارجية السعودية بإصدار بيان يؤكد “رفض المملكة رفضًا قاطعًا ما ورد في التقرير”، ويصف جريمة قتل خاشقجي بـ”النكراء التي شكلت انتهاكًا صارخًا لقوانين المملكة وقيمها”.
وعادت السعودية لتؤكد، خلال البيان، أن “الشراكة بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية قوية ومتينة”.
وبموازاة الرد السعودي الذي وُصف بـ”الباهت” على التقرير الأمريكي، هاجم مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حزب العدالة والتنمية الحاكم ياسين أقطاي الإدارة الأمريكية بشدة.
ورغم أن تركيا دأبت على انتقاد السعودية في هذا الملف، ودعت لمحاسبة الآمر بالجريمة، وليس المنفذين فقط، إلا أن أقطاي قال إن إدارة بايدن تستخدم الملف كـ”ورقة رابحة ضد السعودية وأداة لتحقيق سياساتها في الشرق الأوسط”.
وذكر أن التقرير “لا يشير إلى أن الإدارة الأمريكية الجديدة تعمل لصالح العدالة أو تقف بجانبها، بل على العكس تستخدم ملف خاشقجي كورقة رابحة ضد السعودية”.
وأضاف أن “تحوّل قضية خاشقجي لورقة رابحة بيد واشنطن ضد الرياض أمر محزن”.
من جهتها، رأت الزميلة الباحثة في الدراسات العربية والإسلامية بجامعة أكسفورد إليزابيث كيندال أن تقرير اغتيال خاشقجي “محرج بدرجة شديدة للسعودية”.
ولفتت إلى أن التقرير “يضع زعماء عالميين موضع الحرج، إذ يتعين عليهم تقرير ما إذا كانوا سيواصلون التعامل مع محمد بن سلمان، ومتى وكيف”.
ورغم الاختلاف البيّن في التعامل بين الإدارة الأمريكية السابقة والحالية مع السعودية، إلا أن وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، قال أمس إن المملكة “لا ترى تغيرًا كبيرًا بين إدارتي بايدن وترامب فيما يتعلق بالعلاقات معها”.
وفي الملف اليمني، وجّهت واشنطن “طعنة” للسعودية بقرار رفع جماعة “أنصار الله” الحوثية من قائمة الجماعات الإرهابية الأجنبية، التي وضعها عليها الرئيس السابق دونالد ترامب.
وفي أعقاب الخطوة التي اعتُبرت “انتصارًا” للحوثيين، اكتفت السعودية أيضًا بقولها إنها “ما زلت تتعامل مع مليشيا الحوثي على أنها منظمة إرهابية”.
وفي وقت كثّفت الجماعة المتمردة اليمنية هجماتها على أهداف مدنية وعسكرية في السعودية، اكتفت الإدارة الأمريكية بإدانة ذلك، ودعوة الجانبين (السعودية والحوثي) إلى وقف إطلاق النار.
تباين في المواقف
ورغم أن بايدن يحمل موقفًا مشابهًا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته إلا أنه أحجم عن مهاجمته شخصيًا بنبرة حادة، بعد توليه الإدارة الأمريكية.
ودعا بايدن، قبل انتخابه رئيسًا، إلى الضغط على تركيا لوقف “الأعمال الاستفزازية” في المنطقة ضد اليونان، داعيًا لتشجيع خصوم “أردوغان المستبد” على هزيمته، لكن “ليس انقلاب”.
غير أن هذه اللهجة الحادة مع تركيا وأردوغان لم تُلاحظ بعد انتخاب بايدن، إذ لم يمض أسبوعان على انتخابه حتى جرى اتصال هاتفي بين المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين ومستشار الأمن القومي الأمريكي جايك سوليفان.
وأعربت الدولتان عن رغبتهما في إقامة علاقات “متينة ودائمة وبناءة خلال الفترة المقبلة”.
وأكد المسؤولان ضرورة تبني مقاربة جديدة لتسوية الخلافات، التي تتعلق بشراء أنقرة منظومة الدفاع الجوي الصاروخية S400 من روسيا، ودعم الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، المُصنّفة على لائحة الإرهاب التركية.
وعلاوة على ذلك، فإن أردوغان بادر إلى انتقاد تصريحات للرئيس الأمريكي وصف فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ”القاتل”.
وقال أردوغان، أمس، إن ذلك “غير مقبول ولا يليق برئيس دولة”.
ووفق متابعين، فإن الإحجام السعودي عن الرد على التصريحات الأمريكية قد يرجع إلى الخشية من تدخّل إدارة بايدن في شؤون الحكم بالمملكة، وتصنيف شخصيات رفيعة على قائمة العقوبات، ووقف الصفقات العسكرية، والتغاضي عن انتهاكات إيران في المنطقة.