شدوى الصلاح
بينما يرى البعض أن أفق المحادثات السورية الصهيونية مازال بعيداً، تؤشر بعض الأحداث إلى وجود تطبيع غير معلن بين الاحتلال الصهيوني والنظام السوري الذي يرأسه بشار الأسد، قد يتحول إلى تطبيع معلن في ظل جهود خليجية حثيثة للدفع نحو ذلك، بعدما طبعت دول خليجية علاقاتها رسميا مع تل أبيب أواخر 2020 برعاية أميركية، وتبعتها بتطبيع مع الأسد.
أبرز تلك المؤشرات بدأت تطفو على السطح في أعقاب زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد إلى دمشق ولقاءه الأسد في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، في أول زيارة لمسؤول رفيع منذ قطع دول خليجية عدة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق إثر اندلاع النزاع، وقرأها مراقبون بأنها جهود لسحب سوريا إلى مسلسل التطبيع الذي بدأته الإمارات بعد مصر والأردن.
فقد طبعت أبو ظبي علاقاتها رسمياً مع تل أبيب في أغسطس/آب 2020، وتبعتها البحرين والمغرب والسودان، وباتت تصنف بأنها قائدة العربة الأولى في قطار التطبيع، وعرفت بممارسة الابتزاز والضغط على حكومات البلدان الأخرى مستغلة أوضاعهم الداخلية لسحبهم للتطبيع مع الكيان المحتل.
النظام السوري المحسوب على إيران التي تتخذ من معادة الاحتلال الصهيوني شعارا لها، لم يصدر عنه أي موقف مناهض للتطبيع الخليجي مع الاحتلال، بل انتشر مقطع فيديو سابق للقيادي البعثي السوري مهدي دخل الله، وهو يدعو لتوقيع سوريا معاهدة سلام مع تل أبيب، طالما أنها منوطة بتفاهمات روسية أميركية، متوقعا أن تتم “قريباً جداً”.
ونسف النظام السوري بذلك الموقف كل أكاذيبه وادعاءاته عن العداء والصراع مع الاحتلال الصهيوني، وبالتالي نسف أيضا نظرية العداء بين تل أبيب والأسد ومحاولة إسقاطه لكونه تابعاً للمحور الإيراني، بالإضافة إلى أن بشار الأسد لا يرفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، وإنما يسعى لإجراء محادثات معه.
في ديسمبر/كانون الأول 2020، كشف قائد في هيئة الأركان الصهيونية لموقع “إيلاف”، عن رسائل سرية وصلت إلى تل أبيب من الأسد عبر روسيا وأطراف أخرى، تتحدث عن شروط مقابل السلام مع الكيان الصهيوني، منها أنه يريد العودة للجامعة العربية، ومساعدات اقتصادية مثل الوقود وغيرها، وأموالًا كي يدفع للإيرانيين ليخرجوا من سوريا، وتثبيت نظامه.
وما يحدث اليوم أن المنطقة تشهد تحول دبلوماسي وإحياء عدد متزايد من الدول الخليجية علاقاتها مع نظام الأسد، في محاولة لإعادة تأهيله مرة أخرى للعودة إلى الجامعة العربية، من خلال تطبيع العلاقات رسميا معه، فبعد النهج الإماراتي السابق الإشارة إليه، انتهجت البحرين تقارب مماثل.
وعينت في 30 ديسمبر/كانون الأول 2021، أول سفير لها في دمشق منذ أن خفضت مستوى العلاقات مع اندلاع الصراع بسوريا في 2011، وتدعو الإمارات التي كانت أولى الدول التي أعادت فتح بعثتها في دمشق أواخر 2018، دون تعيين سفيرا لها، إلى عودة سوريا لجامعة الدول العربية، وفي 2020 أعادت سلطنة عمان سفيرها إلى سوريا.
صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية نقلت عن مسؤول صهيوني وصفته بـ”الرفيع”، دون تسميته، إفادته بأن الاحتلال الصهيوني ينظر للتقارب الأخير بين النظام السوري ودول الخليج بإيجابية، زاعما أن هذا التقارب مع الدول الخليجية السنية قد يؤدي إلى إبعاد إيران وعناصر المحور الشيعي الأخرى من سوريا.
وكان المركز الخليجي للتفكير، قد أكد في ورقة تقدير موقف نشرت في فبراير/شباط 2021، أن التقارب الإماراتي السوري، ليس بعيداً عن اتفاقية التطبيع الإماراتية الصهيونية التي وقعت برعاية أميركية، مشيرا إلى أن النظام السوري لم يصدر عنه أي رد فعل بعد توقيع تلك الاتفاقية، رغم العداء التاريخي بين سوريا والكيان الصهيوني.
وأضاف أن في ظل قوة التحالف بين أبو ظبي وتل أبيب يبدو أن الإمارات تسعى من خلال توثيق علاقتها بدمشق “نظام الأسد” لإحياء محاولات سابقة لعقد اتفاقية سلام بين سوريا والإمارات مستغلة الدور الروسي وتأثيره على القرار السوري، كما يبدو أن الإمارات تريد إحياء الفكرة التي طرحت على الأسد بداية الثورة والمتمثلة برعاية سلام سوري – صهيوني.
بدوره، قال المحلل السياسي فهد صقر، إن مسارعة دول الخليج المطبعة مع الكيان الصهيوني إلى التقارب مع نظام الأسد، يعد دليل إضافي دامغ على أن الاحتلال ينظر إلى النظام في دمشق كمصلحة قومية ضرورية لأمنه القومي وخط دفاع متقدم عنه، وهذا ما قلناه منذ اليوم الأول للثورة.
وأضاف في حديثه مع الرأي الآخر، أن نظام بشار ومن قبله أبوه ما هو إلا جزء من نسيج شبكة الأمان لهذا الكيان يحفظ أمنه وسلامته منذ أكثر من ٦٠ عاماً بينما يأتي جيش الدفاع كخط دفاع ثانوي للاحتياط فقط في حال انهيار خط الدفاع الأول.
وأشار صقر، إلى أن التناقض الظاهر الذي يبدو للعيان بين التقارب مع الاحتلال الصهيوني مع نظام الأسد هو في حقيقته ليس تناقضا، بل يأتي إتساقا وانسجاما معه كجزء من حزمة التطبيع مع هذا الكيان، ولا يمكن النظر للأمران بشكل منفصل ومستقل أحدهما عن الآخر.
وتابع: “ليس فقط دول الخليج التي تنادي بالتطبيع مع الأسد وإنما كل الأنظمة العربية الوظيفية الدائرة في فلك الكيان الصهيوني وأميركا تنادي بالتقارب وإعادة العلاقات مع نظام دمشق؛ الأردن ومصر والجزائر والسلطة الفلسطينية وتونس قيس سعيد وسودان الانقلاب كلهم يسارعون إلى دمشق”.
وأوضح صقر، أن تل أبيب سعت منذ اليوم الأول للثورة السورية إلى هدف مرسوم ومحدد، وهو تدمير سوريا مع عدم المساس بالنظام أو ببنيته الأمنية القمعية، ولذلك استمرت الحرب واستمر القتال إلى الحد الذي ضمن إحداث تدمير هائل للبلد، ولكن في كل مرة كان النظام يترنح ويوشك على السقوط كان يأتي التدخل من الخارج على شكل نجدة.
وأشار إلى أن حزب الله اللبناني تدخل أولاً ثم إيران ثم بعد أن فشل كل ذلك تدخلت روسيا بإيعاز ومباركة من أميركا (وضمنيا الاحتلال الصهيوني) لحماية النظام من السقوط، لافتا إلى أن أميركا والكيان الصهيوني تقودان حملة دولية لإعادة تأهيل النظام وشرعنته دولياً وعربياً بعد أن دمر البلد وجاع الشعب وأعادوه ولو إلى حين إلى بيت الطاعة.
وأكد المحلل السياسي، أن مقولة إن أمريكا غير راضية عن هذا التقارب الخليجي مع النظام هو محض تدليس وكذب وخداع، ومدعاة للضحك، متسائلا: “كيف تجرؤ أي من هذه الدول الخليجية على الإقدام على خطوات من شأنها (إغضاب) السيد الأميركي؟! بل كيف يجرؤ ملك الأردن أو رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على ذلك؟!”.
وجّزم بأن كل تصريحات الخارجية الأميركية بخصوص هذا التقارب ضحك على اللحى وذر رماد في العيون، ساخرا من تبرير البعض تقاربه مع نظام الأسد بأنه يهدف لإبعاد سوريا عن الحضن الإيراني، لأن دول الخليج العربي نفسها ليست بعيدة عن الحضن الإيراني لكي تقول نريد إبعاد سوريا عنه؛ بل هي تسعى للتقارب منه اليوم وبعضها يقيم علاقات رسمية معه.
وأشار صقر، إلى أن المملكة السعودية تصرح ليلا نهارا على لسان مسؤوليها وآخرهم وزير الخارجية فيصل بن فرحان، بأن إيران دولة جارة مهمة في المنطقة وأننا نرغب بعلاقات جيدة معها وقد عقدت المملكة ٤ جولات من المفاوضات مع إيران في بغداد بشأن إنهاء الحرب في اليمن وطلبت مساعدة إيران في ذلك، فيما يوصف بأنه “استجداء لإيران.
ولفت إلى أن دول الخليج العربي الأخرى مثل سلطنة عمان والإمارات وقطر والكويت، تربطهم جميعا علاقات سياسية واقتصادية وطيدة وتبادل تجاري ضخم مع الجار الإيراني، بل وعلاقات دبلوماسية حميمة، واصفا ذلك المبرر بأنه عذر أقبح من ذنب وذريعة للتقارب مع النظام في دمشق.
وأكد صقر، أن بقاء نظام الأسد يمثل مصلحة قومية عليا ومسألة أمن قومي للكيان الصهيوني في فلسطين، وانتصار للسياسة الصهيونية التي أرادت تدمير سوريا وإذلال شعبها وتهجير الغالبية السنية وإحداث تطهير عرقي على أسس طائفية وعرقية، وتوطين الشيعة في دير الزور وحلب وريف دمشق والزبداني والمزة في دمشق وكلها مناطق سنية خالصة.
وحذر من أن هذا الأمر من شأنه بث النعرات والكراهية والفتن وإثارة الأحقاد الطائفية وتغذيتها لكي تبقى البلد دائما على كف عفريت وزرع الطائفية في المجتمع كألغام وقنابل موقوتة لتفجيرها في أي وقت، وتمهيدا للوصول إلى تقسيم سياسي لسوريا وفق أسس طائفية وعرقية (دولة علوية في الساحل، ودولة كردية في شرق الفرات، ودولة أمر واقع سنية في إدلب وأجزاء من الشمال تضم لها لاحقا، ودولة علمانية مختلطة في دمشق.
وأوضح صقر، أن كل هذا المشروع والسيناريو الصهيوني يحمل عنوان عريض واحد ألا وهو المحافظة على النظام وإعادة تأهيل بشار الأسد، قائلا إن كل تقارب وكل سفارة وكل زيارة وكل تصريح يخرج من هنا وهناك على لسان هذا المسؤول العربي أو ذاك بضرورة عودة سوريا إلى الجامعة العربية ما هو إلا جزء من السيناريو الصهيوني.
وأضاف أنه يلبي أيضا الرغبات الأميركية التي تتم عن طريق الأدوات بالوكالة بواسطة الريموت كونترول الموجود في المكتب البيضاوي، وأي كلام آخر عن طبيعة هذا التقارب الخليجي وأسبابه خارج هذا السيناريو هو تغميس خارج الصحن ومدعاة للضحك.
ومن جانبه، قال مدير مركز الشرق العربي للدراسات زهير سالم، إن نظام حافظ وبشار الأسد حليف تاريخي استراتيجي ومجرب للكيان الصهيوني، وتاريخ العلاقة بكل أبعادها يشهد على ذلك، مؤكدا أن التحالف الإيراني الأسدي الصهيوني الاستراتيجي بعيد المدى، ولا يجوز أن نخدع عندما نراه يدخل في بعض المنعرجات التي تؤدي دورا إعلاميا يخدم مشروع التحالف.
وأوضح في حديثه مع الرأي الآخر، أن قوات زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله، ضبطت الحدود لمصلحة الاحتلال منذ تفاهمات ٢٠٠٦ أكثر مما كان يفعل الضابط اللبناني انطوان لحد الذي تولى قيادة ما كان يسمى بجيش لبنان الجنوبي الموالي للكيان الصهيوني بين 1984 وحتى انهياره وفرار قيادته، وبنفس الطريقة التي قدمها حافظ الأسد منذ ١٩٧٤.
وأكد سالم، أن هذه حقائق يومية، معربا عن أسفه من أن الدول العربية الأخرى لا تملك الاستراتيجيات البعيدة المدى، ويمارس القادة العرب السياسة الانفعالية لكل فعل آني رد فعل يرون أنه يناسبه.