شدوى الصلاح
لم تترك السلطات الإماراتية وسيلة لتملق الاحتلال الصهيوني والتقارب معه إلا واستخدمتها، مستعينة بالأطفال تارة والصفقات السيبرانية تارة أخرى، ووقعت الاتفاقات التجارية والصحية وغيرت المناهج التعليمية وتبادلت السفراء الدبلوماسيين، وغيرها من مظاهر التطبيع الأخرى التي انتهجتها منذ إعلانها التطبيع في 13 أغسطس/آب 2020.
إلا أن كل ذلك الانحدار المتسارع الذي تتبعه أبو ظبي يقابل بردة فعل صهيونية رسمية تبدو عليها الحفاوة، بينما تتسلط الأبواق الإعلامية والفنية على إهانة السلطات الإماراتية والانتقاص من شأنها، برز ذلك في أغنية قدمتها الفنانة الكوميدية الصهيونية نوعم شوستر، التي سبق وأعلنت رغبتها الزواج من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وعرفت الفنانة الصهيونية نفسها ببداية الأغنية التي وصفها ناشطون على تويتر بـ”الساقطة” والمذاعة على قناة مكان الصهيونية، بأنها “هيفا والنبي”، وتمزج الأغنية التي قدمتها بين تمجيد التطبيع الإماراتي الصهيوني، والتفاخر بأنّه أنسى الإماراتيين قضية الشعب الفلسطيني، وبين السخرية من حكام العرب وإظهارهم بأنهم لا يملكون إلا الملايين.
وتقول كلمات الأغنية “في أخر النفق ضي.. لو كل العرب زي دبي يحبوا إسرائيل ومارح يرمونا بالميّ ما فيش أحلى من عرب معهم ملايين ونسيوا شعب انتكب نسيوا فلسطين.. دبي تحب عم إسرائيل حي.. وقالوا تبقى إسرائيل من المي للمي.. دبي الأمل في كي وعي العرب، وأن ينسوا أن غزة حاصرنا.. لو كل العرب زي دبي بحبسكم محسومين وبأخذ سيلفي في المداليم”.
وسبق وسخرت الفنانة الصهيونية من حكام العرب المطبعين والمؤيدين للتطبيع مثل السعودية بالإضافة إلى راعي التطبيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ونشرت أغنية مركبة كلماتها على ألحان أغنية “شاطر شاطر” للفنانة اللبنانية نانسي عجرم، تسخر فيها من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وولي عهد السعودية محمد بن سلمان.
وتشير فيها إلى استنزاف الرئيس الأميركي السابق لأموال المملكة، وطاعة رئيس الانقلاب المصري عبدالفتاح السيسي وبن زايد والعاهل البحريني حمد بن عيسى لنتنياهو.
كما سبق وبثت القناة 12 الصهيونية في سبتمبر/أيلول 2020، فيديو لأغنية ساخرة في أحد البرامج السياسية الساخرة يسيء إلى رموز الإمارات سياسيا وأخلاقيا، وتداوله الناشطون بصورة كبيرة معربين عن استيائهم من أن ساسة الإمارات أوصلوا بلادهم إلى التعاطي معها بهذه الصورة المتدنية.
الأغنية ساخرة تحاكي فيلم الصور المتحركة “علاء الدين وياسمينا”، يظهر فيها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وهو يحتضن رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، يجلسان على طائرة F-35 بدلاً من البساط السحري، وهي الطائرة المتطورة التي رفض الصهاينة بيعها إلى الإمارات رغم تطبيع علاقاتهما معا.
ويظهر في الأغنية الشخص الذي يجسد شخصية نتنياهو، وهو يغني قائلا: “أخيراً سنجلب الهدوء لسكان غلاف دبي، لم أتنازل عن أي شيء إلا عن ضم الضفة الغربية..”، ويردد معه الشخص الذي يجسد شخصية بن زايد، قول: “سلام جديد يا لها من طائرة كبيرة”.
يأتي ذلك بعد كل ما قدمته السلطات الإماراتية من تطبيع سياسي واقتصادي وتكنولوجي وثقافي وفني منذ الأشهر الأولى للتطبيع، تجسد بداية بإهداء الفنان الإماراتي حسين الجسمي، لحنا لأغنية “أحبك” لفرقة النور الصهيونية، نشرته في 15 سبتمبر/أيلول 2020، عبر يوتيوب على شرف إعلان التطبيع كترويج له بالتزامن مع توقيعه رسمياً في البيت الأبيض الأميركي.
كما نشر في اليوم ذاته، الشاعر والإعلامي الإماراتي عبدالله المهري، فيديو لأغنية خذني لتل أبيب، وهي من كلماته، وأداء خالد العبدولي ويحيى المهري، وتقول كلماتها “خذني زيارة لتل أبيب.. أرجوك يالنشمي اللبيب.. أنا بدوي ونهجي رهيب عاشت إمارات السلام.. عز العرب عز الشعوب.. والقدس قدسي.. والدروب أدلها من كل صوب.. عاشت إمارات السلام”.
واحتفى حينها المتحدث باسم الجيش الصهيوني أفيخاي أدرعي، بالأغنية، وأعاد نشرها، وعلق قائلا: “ما أجمل هذه الكلمات التي تزينت بلحن ينضح سلام، وإلى الجميع نقول أهلا بكم في إسرائيل”، ليرد عليه “المهري”: “شكرًا أدرعي.. سلام”.
وفي 21 سبتمبر/أيلول 2020، وقعت لجنة أبوظبي للأفلام وصندوق الأفلام الصهيوني ومدرسة “سام شبيغل” للسينما والتلفزيون الصهيوني، اتفاقية للتدريب والإنتاج، تتضمن خططاً لمهرجان سينمائي إقليمي سنوي بالتناوب بين أبوظبي وتل أبيب، وتنص على إقامة برامج تدريبية متخصصة لصناع الأفلام وتطوير إنتاجات مشتركة بين الإمارات والاحتلال.
وفي 30 سبتمبر/أيلول 2020، أصدر المغني الإماراتي الذي يتمتع بشعبية كبيرة داخل الإمارات وليد الجاسم، والصهيوني إلكانا مارتزيانو الفائز بالموسم الثالث من النسخة الصهيونية من برنامج ذا فويس، أغنية حملت اسم “أهلا بيك” بالعربية، و”مرحبا صديقي” بالعبرية؛ وذلك في أول عمل فني صهيوني إماراتي مشترك تبعه أعمال فنية أخرى.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيونية، أن المغني الصهيوني الشهير عمر آدم، الذي يعدُّ من أبرز نجوم موسيقى البوب في الكيان الصهيوني، موجود في دبي، برفقة شقيقه روي ومجموعة من أصدقائه بدعوة من الشيخ حمد بن خليفة بن محمد آل نهيان أحد أفراد الأسرة الحاكمة الإماراتية، ويقيم حفلات فنية برعايته.
وللذباب الإلكتروني المحسوب على الإمارات دورا لا ينسى في الترويج لهذا التطبيع عبر الأغاني والأناشيد، فقد تداول ناشطون محسوبين على الإمارات مقاطع فيديو لإماراتيين يرددون النشيد الوطني الصهيوني ويعزفون ألحانه على العود مستخدمين الأطفال في أعمالهم، قابلها الإماراتيين بغضب ورفض واسع معربين عن استيائهم من كافة أشكال التطبيع وعدوه خيانة.
هذه الوقائع المذكورة التي تؤشر إلى أن سبحة تطبيع أبو ظبي مع تل أبيب تواصل الكّر، يجيد الجانب الصهيوني ترجمتها وقراءاتها، فهو يتعامل مع السلطات الإماراتية كخائنة ولا يلتزم بتقديم مثل التنازلات التي تقدمها له، ويعمل على إدارة مصالحه بالدرجة الأولى دون النظر إلى رغبات الإمارات؛ برز ذلك في رفضه لبعض الصفقات وفي سماحه بالترويج لأعمال فنية تنتقد التطبيع والمطبعين.
بعكس ما قد يحدث إذا حدث ذلك في الإمارات، إذ أكد الناشط الحقوقي الإماراتي عبدالله الطويل، أن لو أحد في الإمارات أطلق أغنية ساخرة من التطبيع ومن رموز الكيان الصهيوني فلن تمر ساعات حتى يكون في أحد السجون السريّة، معقبا على الأغنية بالقول: “عسى #الإماراتيين_الصهاينة مبسوطين من كلمات الأغنية الساقطة!”.
صحيفة “يسرائيل هيوم” الصهيونية، سبق وكشفت في ديسمبر/كانون الأول 2021، أن الاحتلال الصهيونية رفض طلباً إماراتياً بتزويدها بمنظومات القبة الحديدية الدفاعية الجوية التي تنتجها، والمخصصة لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى، بالإضافة إلى منظومة العصا السحرية، التي يطلق عليها “مقلاع داود”، والتي تستخدم في اعتراض الصواريخ المجنحة.
وفي الشهر ذاته، أفادت وزارة حماية البيئة الصهيونية، بأنها “لن تسمح لناقلات النفط بدخول منتجع إيلات على البحر الأحمر”، وفق ما كان مزمع بموجب اتفاق مع شركاء من الإمارات لنقل الخام من الخليج إلى أوروبا عبر الكيان الصهيوني؛ وبررت وزيرة حماية البيئة، تمار زاندبرغ، بأن “إسرائيل” لن تصبح جسرا للتلوث في عصر أزمة المناخ.