شدوى الصلاح
بعد 42 يوما من زيارة الشيخ طحنون بن زايد إلى طهران ولقائه بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والأمين العام لمجلس الأمن القومي علي شمخاني في زيارة هي الأولى من نوعها منذ 2016، وصفت بأنها مسعى لتصفير الأزمات والتركيز على الهيمنة من بوابة الاقتصاد، شنّت جماعة الحوثي أمس هجومًا بطائرات مُسيرة وصواريخ على العاصمة الإماراتية أبوظبي.
ونتج عنه انفجار 3 صهاريج نقل محروقات بترولية في منطقة مصفح آيكاد 3، بالقرب من خزنات أدنوك، إثر حريق وقع في منطقة الإنشاءات الجديدة قرب مطار أبوظبي الدولي، أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ستة آخرين؛ واتهمت الإمارات جماعة الحوثي، باستهداف مناطق ومنشآت مدنية على الأراضي الإماراتية، مؤكدة “احتفاظها بحق الرد”.
ووجه مراقبون أصابع الاتهام مباشرة لإيران بالضلوع في استهداف الإمارات بخلاف ما هو متفق عليه بشأن “فتح صفحة جديدة من العلاقات” رغم نقاط الخلاف السياسية بينهما بشأن الحرب في اليمن والخلاف على ملكية الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران، ومخاوف الإمارات الإقليمية حول السياسات والأنشطة الإيرانية في المنطقة.
إلا أن مسؤول أميركي نفى في تصريحات لصحيفة وول ستريت جورنال، أن يكون لإيران أي علاقة بالهجوم الذي استهدف مرافق داخل إمارة أبو ظبي، قائلا إن الحوثيين هم الذين شنوا الهجوم بمفردهم باعتبار أن الإماراتيين يقصفونهم بعدما زاد التنسيق مؤخرا بين الإمارات والسعودية مما يعطي التحالف الذي تقوده السعودية مزيدا من القوة.
لكن الشواهد لا تنسجم مع رواية مصدر الصحيفة الأميركية، فقد نأت طهران بنفسها عن إدانة القصف الحوثي للإمارات، فيما دانت دول غربية وعربية وكيانات دولية الاستهداف الحوثي، إذ هاتف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، ودان القصف، واتخذت فرنسا وبريطانيا وروسيا والهند الموقف ذاته.
وكان التضامن العربي واسعا، من السعودية متمثلة في ولي العهد محمد بن سلمان، ووزير الخارجية السعودي، والكويت والبحرين وسلطنة عمان، والأردن، والجزائر ولبنان، وتونس، والمغرب، بالإضافة إلى مجلس التعاون الخليجي والبرلمان العربي؛ والمستغرب أن كل تلك الجهات الغربية والعربية لم تدين أي من جرائم الإمارات والتحالف العربي على اليمن.
ومن أبرز الشواهد على ضلوع طهران في القصف إما بالإيعاز أو بالموافقة، تعليق صحيفة “كيهان” الإيرانية، المقربة للمرشد الإيراني علي خامنئي، عليه بالقول: “نفد صبر ثوار اليمن بعد التحذيرات المتكررة، وبعد أشهر من الصبر.. استهدفوا البنية التحتية لأبو ظبي، لدرجة أنه -وفقًا لبعض الخبراء الإقليميين- تفاجأ الإماراتيون، وبذلك أدب الحوثيون هذه الدولة”.
أما المتحدث باسم الحوثي محمد عبدالسلام، المتواجد حالياً في إيران، وعقد لقاءات قبل يوم واحد من القصف مع مسؤولين إيرانيين، بينهم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الأدميرال علي شمخاني، فقد حذر في تغريدة على حسابه بتويتر، الإمارات دون أن يسميها بأنها ستُستهدف إذا استمرت في “العبث” في اليمن.
وقال: “دويلة صغيرة في المنطقة تستميت في خدمة أمريكا وإسرائيل، كانت قد زعمت أنها نأت بنفسها عن اليمن لكنها انكشفت في الآونة الأخيرة خلاف ما زعمت، وعلى إثر ذلك فهي بين أن تسارع لكف يدها عن العبث في اليمن أو جاءها بقوة الله ما يقطع يدها ويد غيرها”.
وكانت الإمارات قد قالت في 2019، إنها خفضت قواتها في اليمن كجزء من إعادة انتشار استراتيجية، إلا أن تتابع الأحداث أثبت أنها لا تزال فاعلة هناك عبر أذرعها المتمثلة في المجلس الانتقالي الجنوبي بالإضافة إلى مسلحين ومرتزقة من جنسيات مختلفة وانفصاليين، كما تسيطر على عدد من الموانئ الاستراتيجية وترفض تشغيلها وتسليمها لليمنيين.
وروج إبان إعلانها خفض القوات إلى أنه يتأتى وفقا للمتغيرات التي تشهدها المنطقة خاصة أنها تبعت تلك الخطوة بخطوات تقارب نحو إيران كتهدئة خطاب التصعيد وتجنب توجيه أي إدانات مباشرة لها في أي حدث، وظلت المبررات التي تسوقها في كل تحركاتها الدبلوماسية تجاه إيران هي الخشية من أن تكون هدفا رئيسيا لضربات إيرانية انتقامية مدمرة.
كما روجت أيضا شخصيات محسوبة على السلطة الإماراتية، أن التطبيع مع الاحتلال الصهيوني يأتي في هذا السياق، خاصة أنه جاء في ظل تهديد حوثي متكرر باستهداف العمق الإماراتي، إلى أن وقع الاستهداف بعد أقل من شهر من زيارة رئيس وزراء الكيان الصهيوني نفتالي بينيت إلى الإمارات؛ والتي اعقبها تحذير إيران من أن تثبيت وجود الاحتلال في المنطقة يزعزع أمنها.
الباحث في الشأن الإسرائيلي وتقاطعاته العربية والإسلامية والعالمية الدكتور صالح النعامي، قال إن هجوم الحوثي على منشآت الإمارات النفطية يؤكد أن مغازلتها مؤخرا لإيران عكست ذعرا وتخبطا، مضيفا أن إيران ليس لديها مشكلة في استهداف الإمارات من أجل تعزيز موقفها في مفاوضات فيينا رغم أنها أكثر طرف يساعدها على تجاوز العقوبات الدولية.
وتساءل في تغريدة على حسابه بتويتر: “ماذا أفاد الإمارات تحالفها مع إسرائيل؟”، موضحا أن هجوم الحوثي على الإمارات بالمسيرات وإصابة أهدافها بدقة يؤكد تأثيرها الهائل على بيئات الحروب، وقدرتها على نقل المعركة إلى العمق المدني، في وقت لم تشهد المنطقة حروبا تعتمد على المزج بين القوة الصاروخية والمسيرات.
وقال الناشط الحقوقي الإماراتي المعارض عبدالله الطويل: “لا بالسياسة الناعمة ولا بالسياسة الخشنة فلحت حكومتنا الإماراتية، قلنا بأن الصهاينة لن ينفعوا الإمارات في شيء، لا بحماية ولا بوسائلهم العسكرية”.
المركز الخليجي للتفكير، وصف العلاقات الإماراتية الإيرانية بأنها “صداقة تحت التهديد”، مشيرا إلى أنهما رغم حجم الخلافات بينهما في محطات عدة إلا أن الإمارات تحافظ دائماً في علاقتها مع إيران بشعرة معاوية، وذلك لحرصها الشديد على ألا تكون مسرحاً للاستهداف الإيراني، خاصة وأن الجالية الإيرانية هناك مهيمنة على الاقتصاد والحجم السكاني.
وأوضح أن من دوافع التقارب بين الدولتين، مخاوف الإمارات من دعم إيران لبعض الجهات الفاعلة في العالم العربي مثل حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن، بالإضافة إلى نشاط الصواريخ الباليستية لطهران، فالطائرات الإيرانية بدون طيار هي أيضا مصدر قلق متزايد؛ وخشيتها من أن تتحول إلى ساحة معركة في حال نشوب نزاع عسكري بين واشنطن وطهران.
وأشار المركز، إلى أن اقتصادات الدول الخليجية، خاصة الإمارات، تعتمد على النشاطات الاقتصادية غير الإنتاجية ووجود يد عاملة أجنبية كثيفة، ولذلك فإن أي مواجهة سوف تؤدي إلى دمار اقتصادي شامل وحركة نزوح جماعي، هذا بالإضافة إلى رغبة الإمارات في تنسيق موقفها في اليمن حتى لا تتعرض إلى الاستهداف من قبل يد إيران هناك “الحوثيين”.