كتب: إبراهيم نوار
لا يستقيم ادعاء الديمقراطية، مع ترويج تكنولوجيا لانتهاك خصوصية الأفراد عمدا، وإدارة عمليات التجسس لصالح أنظمة فاسدة ودول فاشلة وحكام مستبدين. ولا يستقيم تمثيل دور الضحية مع استباحة حرية الأفراد، إلى درجة وقف هذه الحرية تماما بتسهيل القتل، وهو إن كان لا يرقى إلى ارتكاب الجريمة، فإنه لا يعفي من تهمة الاشتراك فيها. كذلك لا يستقيم الدفاع عن برنامج بيغاسوس للتجسس الإلكتروني مع مسؤولية الحكومة الإسرائيلية المباشرة، عن منح رخص التصدير إلى حكومات دول بعينها، وهي رخص وصلت أحيانا إلى منحها بقرارات مباشرة من رئيس الوزراء شخصيا.
شركة «إن إس أو» ( وهي الأحرف الأولى من أسماء مؤسسيها الثلاثة) المنتجة للبرنامج تقول، إنها تصدره إلى الحكومات فقط بعد موافقة وزارة الدفاع، وإنها صدرته إلى 40 دولة، لكنها رفضت تصديره إلى 90 دولة حول العالم. لكننا نعرف أن قائمة الدول التي حصلت على البرنامج تضم أسماء مثل بنما والمكسيك وبولندا والمجر ودول عربية خليجية، حيث تشيع انتهاكات حقوق الإنسان وخنق الحريات. كما نعرف أن القرارات النهائية بخصوص التصدير هي قرارات ذات طابع سياسي/استراتيجي، تصدر من وزارة الدفاع أو مكتب رئيس الوزراء، ولذلك فإننا ندرك أن تراخيص استخدام برنامج بيغاسوس هي في جوهرها ذات طابع سياسي، تهدف إلى تحقيق مكاسب استراتيجية للحكومة الإسرائيلية، حتى لو كان ذلك على حساب الديمقراطية وحقوق الإنسان والحوكمة الرشيدة، وهي المبادئ التي تحاول أن تتزين بها إسرائيل، باعتبارها «واحة الديمقراطية وسط صحراء من الدول المستبدة».
ترامب والتجسس على الأمريكيين
وقد ساعدت الشركة بشكل غير مباشر في تعزيز المصالح الدبلوماسية الإسرائيلية، حيث تحولت دول مثل بنما والمكسيك والهند، التي كانت سابقا ذات مواقف سياسية تاريخية مؤيدة للقضية الفلسطينية في الأمم المتحدة، إلى التصويت لصالح إسرائيل. وكذلك نجحت في إغراء دول خليجية مثل الإمارات بالوقوف في صف إسرائيل ضد مصالح الفلسطينيين وضد إيران.
كما استخدمها نتنياهو في تعزيز علاقات إسرائيل بأنظمة قومية شعبوية، كما هو الحال مع الهند والمجر وبولندا، وانطلقت العلاقة بين الشركة والولايات المتحدة إلى آفاق جديدة، خلال فترة ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي كان يمهد لاستخدام نسخة خاصة من البرنامج للتجسس على المواطنين الأمريكيين. فضيحة برنامج بيغاسوس، وضعت علامة حمراء على الشركة المنتجة بعدما كشفت الصحافة الأمريكية، خصوصا «نيويورك تايمز» (يناير من العام الحالي) و»واشنطن بوست» (يوليو من العام الماضي) تفاصيل استخدام البرنامج، ثم انضمت إليها صحف إسرائيلية في الأسابيع الأخيرة، بعد انتشار أنباء عن استخدام البرنامج للتجسس على مواطنين إسرائيليين.
التحقيقات بشأن استخدام البرنامج، جعلت الإدارة الأمريكية الحالية تسرع قبل نهاية العام الماضي إلى إصدار قرار بوضع الشركة الإسرائيلية المنتجة لبرنامج بيغاسوس على القائمة السوداء، وحظر التعامل معها. هذا القرار يهدد قدرة الشركة على الاستمرار في الإنتاج، لأنها تعتمد على مكونات تكنولوجية حساسة من إنتاج شركات أمريكية، كما أرفق اسم الشركة بسمعة قذرة، بما يهدد قدرتها على الاستمرار في تصدير البرنامج. كذلك فقد أصبحت الشركات الإسرائيلية العاملة في مجالات الأمن السيبراني بشكل عام موضع تدقيق في كل أنحاء العالم، بعد أن وضعت الولايات المتحدة شركتين منها على القائمة السوداء.
من مكافحة الجريمة إلى انتهاك حقوق الإنسان
ارتبط التوسع في تصدير برنامج بيغاسوس منذ نحو عشر سنوات بالحكومات التي شكّلها بنيامين نتنياهو، وهو يستخدم حاليا على نطاق واسع من جانب حكومات الدول المشتركة فيه، لأغراض الحرب على خصومها السياسيين، وانتهاك خصوصية الأفراد وحقوق الإنسان. وفي مقابل ذلك حققت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي ألفها بنيامين نتنياهو مكاسب سياسية، حيث تاجر محليا بهذه المكاسب، لغرض تعزيز شعبيته وزيادة فرصه في الفوز في الانتخابات والاستمرار في الحكم. وضمت قائمة الدول التي استخدمت البرنامج التجسسي دولة الإمارات الخليجية، والمملكة السعودية، وجيبوتي، وبنما والمجر وبولندا والهند، وهي دول لا تحوز على الأقل سجلا جيدا في مجال حماية الحريات وحقوق الإنسان.
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”