كتب: محمد الخليفي
بينا في المقال السابق (الشرق 14/2/2022) أن العائد على الصحة لا يتكافأ مع الانفاق الضخم سواء في القطاع الصحي أو الرياضي. وبناء على ذلك فإن (الرياضة من أجل الصحة)، هي دون المستوى المطلوب.
وفي هذا المقال سوف ننظر في الوجه الآخر للرياضة، وهو (الرياضة كحرفة). والسؤال الذي يقود نظرتنا: هل أدى الاحتراف الرياضي في كرة القدم إلى تحقيق العائد منه؟
وكما هو معلوم أن الاحتراف الرياضي يعني ممارسة الرياضة نظير عائد مالي، وهو علاقة تقوم بين طرفين (لاعب) و(ناد)، فلاعب كرة القدم المحترف على سبيل المثال هو الذي يبيع مهارته مقابل أجر محدد، أما النادي فهو (شركة تجارية) تمارس نشاطا رياضيا (كرة القدم على سبيل المثال)، تشتري مهارة اللاعب، وينظم عملية البيع والشراء عقد.
والمعيار الذي يحكم العلاقة بين الرياضي المحترف والنادي هو معيار الربح والخسارة، فالرياضي يسعى إلى أعلى أجر، والنادي يسعى للحصول على أعلى مهارة، فما ينفقه النادي على الرياضي المحترف يتوقع أن يحصل نظير ذلك على عائد أعلى مما ينفقه، (انظر مثلاً في عائد الأرباح الذي كان يحققه اللاعب ميسي لنادي برشلونة).
ومن الأمثلة التي يمكن أن تضرب في هذا الصدد على هذه العلاقة التعاقدية، تعاقد (نادي باريس سان جيرمان) – المملوك لـ (شركة قطر للاستثمارات الرياضية) – مع اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي. فالعملية استثمار اقتصادي. وهي كأي عملية استثمارية قابلة للربح والخسارة. وعلى هذا الأساس فإن شركة قطر للاستثمارات الرياضية تهدف إلى تحقيق أرباح من استثمارها في النادي الباريسي، وبالتالي سوف تتخلص من النادي إذا تعرض لخسارة غير قابلة للتعويض، أو إذا وجدت أن بيعه سيعود عليها بأرباح أكثر؛ وتعاقد النادي مع اللاعب يهدف أيضاً إلى تحقيق الربح لكلا الطرفين (النادي واللاعب).
وعلى هذا الأساس الاقتصادي (التكلفة والعائد) انتقلت كرة القدم القطرية من مرحلة الهواية إلى مرحلة الاحتراف؛ وأصبحت الأندية شركات: (شركة نادي كرة القدم). لذلك فإننا ننظر إلى كرة القدم في قطر وإدارتها وفقاً لذلك المعيار (الربح – الخسارة).
وسوف نعتمد في بيان ذلك على مجموعة من الاقتباسات صادرة عن مجموعة من المنغمسين في الشأن الرياضي (في سنوات مختلفة) نسوقها على النحوالتالي:
- “الأندية ليس لديها مقومات لتبني الاستثمار، لهذا أرى أن القطاع الخاص هو الحل، ولا نغفل دور اللجنة الأولمبية التي يجب أن تشارك لأن عملية الاستثمار في الأندية ليست سهلة وتحتاج إلى عوامل مساعدة كثيرة”.
(2012) - “من وجهة نظري، فإن الرياضة لا تزال في حاجة إلى دعم الدولة، وأن الأندية الرياضية تتطلب استثمارات كبيرة جداً، حتى يتسنى تحقيق عوائد مجزية وهو ما لا يتوافر إلى حد الآن”.
- “إن القطاع الخاص لم يصل إلى المستوى المطلوب في اهتماماته بالرياضة، والقطاع الخاص يفكر في العوائد المجزية والأرباح، إن الحكومة لا تزال الراعي الوحيد للرياضة” (2013 )
- “إن تأخر وصول الدعم للأندية يقلل من سرعة النشاط الرياضي، نعم الدعم الحكومي أمر مهم لنا ولجميع الأندية”.
- “إن شح الموارد المالية هو أبرز معوق يحد من تطورنا، ويؤثر سلباً على مسيرة أي ناد”.
- “حالنا مثل حال كل الأندية الأخرى والدعم ضروري لمواصلة النشاط الرياضي”.
- “إن تأخر وصول الدعم لعدة أشهر يعتبر من أهم المعوقات، والتأخير أمر يشكل صعوبات كبيرة لنا ولا تقدر عليها الأندية التي لم تجد ما تصرف منه”.
- “نحن نعاني من تأخير شديد في صرف الدعم نواجه مشاكل بشكل يومي مع اللاعبين والعاملين وأيضاً الموظفين، نواجه عدم التزامات أمام اللاعبين قبل صرف مستحقاتهم، والتأخير يصل ما بين ثلاثة وأربعة أشهر.
- “نحن في الأندية ما زلنا نعتمد على الدعم الحكومي”.
- هناك استثمارات ومحاولات لإيجاد موارد مالية وهذا لا يغطي 20% من المصاريف ( 2018 ).
تكشف هذه الاقتباسات أن تحول الرياضة من كونها (هواية) إلى (احتراف) هو تحول شكلي. يبين ذلك أن شركات الأندية القطرية (كرة القدم) ما كان لها أن تستمر لولا الدعم الحكومي المستمر. وهو دعم يغطي الفرق بين الإنفاق والعائد. أي أن هذه الشركات تتكبد خسائر مستمرة.
وتأسيساً على ما تقدم، فإن السلوك الاقتصادي العقلاني هو البحث في الأسباب التي تقود إلى الخسارة. وهذا حديث آخر.
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”