كتب: أحمد النجار
الطفل يعني البراءة والفطرة وجيل المستقبل الواعد، هذه النظرة الطبيعية للأطفال، أما التعريف المقبول دوليا فالطفل هو أي شخص دون سن الـ18، كما يُعرّفه الاحتلال. لكن المشهد في الأراضي الفلسطينية المحتلة مختلف، إذ ينظر الاحتلال للأطفال الفلسطينيين نظرة المجرمين الذي يجب قتلهم وملاحقتهم، والاعتداء عليهم وأسرهم وحرمانهم من طفولتهم.
فسياسة قتل الأطفال عند الاحتلال ليست وليدة اللحظة، ولم تبدأ عند إعدام الطفل محمد الدرة في قطاع غزة، وهو في حضن والده أمام مرأى ومسمع العالم أجمع، في 30 كانون الأول/ ديسمبر 2000م، وليس انتهاء بإعدام الطفل محمد رزق شحادة ذي الـ14 عاما، في بلدة الخضر جنوب بيت لحم، فسجلّ الاحتلال الإجرامي بحق أطفال فلسطين طويل ومرعب.
نظرة الاحتلال لأطفال فلسطين تختصرها عبارة غولدا مائير: “لن نغفر لكم البتة أنّكم جعلتمونا نقتل أولادكم”. فعقيدة الاحتلال تؤمن يقينا بأهمية استهداف أطفال فلسطين، سواء بالأسر أو بالقتل، فسجون الاحتلال لم تخل يوما من عشرات الأطفال دون سن 17 عاما.
بهذه العقلية قتل الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2000 حتى اليوم، نحو 2200 طفل فلسطيني، إذ وثقت منظمة أمريكية إعدام 78 طفلا فلسطينيا في عام 2021، منهم 61 طفلا أعدموا في قطاع غزة، و17 في الضفة المحتلة. هؤلاء الأطفال لم يشكّلوا أي تهديد على الاحتلال، إلا ضحكاتهم البريئة التي أغاظته وجعلته يخشى من مستقبل هذا الجيل الناشئ الواعي الذي يؤمن بالقضية وبزوال كيانه.
استخدم الاحتلال في إعدام هؤلاء الأطفال عدة أساليب، منها إطلاق الرصاص الحي عليهم بشكل مباشر وتركهم ينزفون دون إسعاف، إلى شن غارات جوية استهدفت البعض منهم بشكل مباشر.
كان أحد فصول هذه الجرائم إعدام الطفل محمد شحادة في بيت لحم، وهي جريمة صهيونية منظمة وممنهجة تكشف حجم وحشيته. ووفق روايات شهود العيان، فإن جنود الاحتلال أطلقوا الرصاص الحي بشكل مباشر على الطفل شحادة، ما أدى إلى إصابته، ثم تركوه ينزف ومنعوا طاقم الإسعاف من الوصول إليه، ثم اعتقلوه واقتادوه إلى جهة مجهولة قبل أن يعلن نبأ استشهاده. اللافت في هذه الجريمة، هو ما أظهره تسجيل مصور نُشر في وسائل الإعلام، وهو قيام ضابط إسرائيلي بتهديد الطفل شحادة بالقتل، إذ قال له حرفيا: “بدّي أصفيك”، مذكرا إياه باثنين من الفلسطينيين قتلهما ضابط آخر خلال الفترة الماضية، وبأن مصيره سيكون مماثلا.
هذه الجريمة متكاملة الأركان، وترتقي لتكون جريمة دولية وفقا لما بينته أحكام نظام روما الضابط لعمل المحكمة الجنائية الدولية، وتعكس صورة واضحة لعدم مبالاة إسرائيل بأحكام وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. فهذه الجريمة تكفي لمحاكمة الاحتلال، ولكن غياب “الإرادة السياسية الدولية” يشجع الاحتلال على ارتكاب مزيد من الجرائم.
لاقت جريمة قتل شحادة إدانات واسعة من كل الفصائل الفلسطينية والمؤسسات الحقوقية، ومطالبات بضرورة تشكيل لجنة دولية للتحقيق في جرائم الاحتلال بحق الأطفال الفلسطينيين، وضرورة مضاعفة السلطة الفلسطينية جهدها في ملاحقة قادة الاحتلال على جرائمهم بحق أطفال فلسطين.
هذا هو سلوك الاحتلال الإجرامي بحق الفلسطينيين وتحديدا الأطفال، يتنافى مع كل القيم والأخلاق والأعراف الإنسانية والدولية. يريد الاحتلال بهذه الصورة أن يزرع الرعب والخوف في قلوب ونفوس الجيل الواعد، يريد جيلا ضعيفا هشا لا يؤمن بقضيته ولا يضحي من أجلها، لكن ما لا يعلمه الاحتلال أن هذا الجيل سيكون أكثر شراسة وتمسكا بأرضه وحقوقه وحبا لفلسطين، وشاهدا على جرائمه، وستكون عنجهية الاحتلال ووحشيته وقودا داخل كل طفل ذاق الويلات على يد الاحتلال ومستوطنيه لحين التحرير.
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”