شدوى الصلاح
قال المحلل السياسي فهد صقر، إن موقف مصر والإمارات والأردن من قضية اللاجئين الأوكرانيين، ملفت ففي الوقت الذي أغلقت القاهرة وأبو ظبي أبوابهما في وجه اللاجئين السوريين إلا في حدود ضيقة جداً ولم تقبلان منهم إلا النذر اليسير، يفتحون الآن بلدانهم على مصاريعها للاجئين الأوكرانيين.
وأشار في حديثه مع الرأي الآخر، إلى أن مصر والإمارات رفعوا عن اللاجئين الأوكرانيين كل العقبات اللوجستية من تأشيرات ورسوم وفحوص طبية وما شابه في لفتة إنسانية محمودة، لكنها غير مسبوقة وغير معتادة، لافتا إلى أن الأردن الذي استقبل ما يقارب المليون لاجئ سوري فتح حدوده هو الآخر واستعد لاستقبال أعداد كبيرة منهم.
وتابع صقر: “كأن الأردن لم يكتف بأكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري وعراقي ويمني وليبي ولبناني وفلسطيني يعيشون على أرضه رغم معاناته من ارتفاع نسبة البطالة وشح المياه والموارد والخدمات الأساسية من طب وتعليم وبنية تحتية”، قائلا: “من حقنا أن نسأل ما هذه الإنسانية المُفرطة التي انهالت على هذه الدول بما يخص اللاجئين الأوكرانيين؟”.
واستطرد: “لفهم هذا السلوك وتفسيره لا بد أولاً من شرح الموقف الأمريكي الغربي من الحرب الروسية على أوكرانيا، فأمريكا وحلفاءها في الناتو كان بإمكانهم منع وقوع الغزو لو أرادوا، ولو أنهم استجابوا للمطالب الروسية وبددوا مخاوف موسكو من احتمال انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو الذي يشكل تهديد قومي وجودي لروسيا”.
وواصل صقر: “لكن على ما يبدو أن أمريكا وحلفاءها كانوا يحبذون سيناريو الحرب وقيام روسيا بغزو أوكرانيا لتنفيذ أجندات لا علاقة لها بمصلحة الشعب الأوكراني، بدليل أنه ما أن دخلت القوات الروسية أوكرانيا حتى تتابعت الإدانات الدولية وبدأ تدفق السلاح والعتاد لأوكرانيا وتطبيق عقوبات اقتصادية وثقافية وسياسية وحتى رياضية جاهزة ضد روسيا”.
ورأى أن ذلك يؤشر إلى أن الموضوع كان مبيتاً ومعد سلفاً، لافتا إلى أن الإعلام الغربي المسيس بدأ بحملة مناهضة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأصبحت “الدراما” هي كلمة السر، وأصبح كل شيء يخضع للتضخيم المبالغ فيه من قبل آلة الدعاية الغربية ومنها قضية اللاجئين.
وذّكر صقر بأنه في حين لعب الإعلام الغربي دوراً متواطئاً مع روسيا في حربها التدميرية على الشيشان عام 1999 وكانت التغطية الإعلامية الغربية عن التدمير الوحشي لجروزني ومقتل الآلاف، لم تنل هذه الأحداث من الأخبار إلا ما تناله النشرة الجوية من مجرد سرد أخبار للعلم ولم يأت بتاتاً ذكر مأساة اللاجئين الشيشان في الإعلام الغربي أو حتى بحث قضيتهم مطلقاً.
وتساءل: “هل سمع أحد بلاجئين شيشان؟”، مضيفا أنه حتى في سوريا لم تنال قضية اللاجئين السوريين من جراء وحشية النظام والقصف الروسي في حلب وغيرها ذاك الزخم الإخباري أو الاهتمام الذي تستحق.
وأكد المحلل السياسي، أنه بينما كان اللاجئون السوريون يموتون غرقاً في البحر المتوسط وبحر إيجة مع أطفالهم أو بردا من الصقيع على حدود إيطاليا وألمانيا والنمسا فإن اللاجئين الأوكرانيين يحظون الآن بمعاملة خمس نجوم في بولندا ورومانيا وألمانيا وكندا وكل دول الاتحاد الأوروبي.
وأشار إلى أن اللاجئين الأوكرانيين يحظون أيضا باهتمام وتغطية إعلامية درامية شاملة تسلط الأضواء على كل عائلة لاجئة وكل لاجئ شخصياً وأقاربه وقططهم وحيواناتهم الأليفة التي تركوها خلفهم، موضحا أن هذا الأمر لم تعهده أوروبا لا في أزمة البوسنة والهرسك ولا في أزمات الشرق الأوسط كلها من الصومال للعراق لسوريا للبنان لليمن.
ورأى صقر، أن هذه التغطية الإعلامية الغربية الهائلة والتضخيم الدرامي المقصود به هو شيطنة الجانب الروسي من جهة، وإطالة أمد الأزمة وتصعيدها من جهة أخرى لاستدراج روسيا لحرب استنزاف طويلة ومكلفة اقتصادياً وسياسياً.
وأوضح أنه في خضم هذا التهويل الإعلامي الضخم وقع الإعلام الغربي في خطأ كبير عندما كشف عن عنصريته وتحيزه للعرق الأوروبي الأبيض المسيحي ومقاييسه المزدوجة في طريقة تعامله مع اللاجئين الأوكرانيين التي لم ينلها السوريون أو العرب عموماً.
وقال صقر، إن من هنا أيضا جاءت المعاملة المميزة للاجئين الأوكرانيين من قبل مصر والإمارات والأردن فقد انجرت تلك البلدان وأنظمتها السياسية وراء الدعاية والتهويل الإعلامي الغربي وانجرت خلف التضخيم الإعلامي معلنة تعاطفاً مُبالغ فيه مع قضية اللاجئين الأوكرانيين بعكس مواقفها مع القضايا العربية.
وأوضح أن ذلك لكسب ود ورضا السيد الأمريكي والأوروبي لا أكثر ولا أقل عن طريق فتح أبوابها على مصاريعها للاجئين الأوكرانيين ومنحهم كل الامتيازات التي حرموا منها أبناء جلدتهم السوريين وذلك ليس بدوافع إنسانية كما أسلفت، بل بدوافع سياسية ميكافيلية انتهازية للظهور والحصول على الرضا والمباركة الغربية وانجرارا وراء ماكينة الدعاية الغربية.
يشار إلى أن دول عربية قررت في أعقاب العملية العسكرية التي تشنها روسيا على أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022، توفير بعض الامتيازات للاجئين الأوكرانيين الذي فروا من بلادهم هرباً من تبعات الحرب، والمتوقع أن يقفز عددهم إلى أربعة ملايين بحلول يوليو/تموز 2022، في حين تجاوزوا حتى الآن 1.5 مليون شخص -بحسب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين.
الأردن، قرر أمس الأول السبت 5 مارس/آذار 2022، السماح لأفراد أسر الجالية الأوكرانية وأقربائهم دخول المملكة دون تأشيرات مسبقة، ومنحهم إقامات مؤقتة لأسباب إنسانية.
فيما قررت السلطات المصرية تمديد إقامات السائحين الأوكرانيين، على أن تكون إقامتهم مجانية على نفقة المنشآت السياحية التي يقيمون فيها.
كما قالت الإمارات إن رعايا أوكرانيا مؤهلون للحصول على تأشيرات الدخول عند وصولهم إليها، في تراجع عن قرارها تعليق العمل بالإعفاء من التأشيرة في وقت يشهد فرار الآلاف من الأوكرانيين.