سلّط تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” الضوء على الهدم الواسع الذي تنفذه السلطات السعودية في مدينة جدّة، وبروز المعارضة النادرة لسياسات الحكومة.
وقالت الإذاعة إن سكان الأحياء التي دمرت بالأرض مؤخرًا من أجل “تطوير” بمليارات الدولارات في مدينة جدة اشتكوا من عدم تلقيهم تحذيرًا أو تعويضًا مناسبًا عندما هُدمت منازلهم وأحيائهم.
وأشارت إلى أن المقيمين في تلك الأحياء نفوا مزاعم السلطات بأنها أوكار للجريمة والرذيلة، مؤكدين أنها أحياء قديمة توفر مساكن بأسعار معقولة للفقراء بين السعوديين والمغتربين.
وأوضحت أن غضب هؤلاء أدى إلى موجة نادرة من الاحتجاجات في السعودية على منصات التواصل الاجتماعي، مثل تويتر وتيك توك، مستنكرين ما يرون أنه ظلم وعدم إنصاف.
ولفتت إلى أن الجرافات تركت مساحة شاسعة من جدة في حالة خراب، ووصف البعض المشهد بأنه يشبه آثار الحرب.
وانتشرت على الإنترنت مقاطع فيديو تظهر مباني سكنية كبيرة تنهار وتتحول إلى غبار، ولعدة أسابيع كان وسم “هدد جدة” رائجًا على تويتر.
وأظهر أحد مقاطع الفيديو أشخاصًا يودعون العديد من المعالم العزيزة في منطقة جدة المركزية التي من المقرر تدميرها.
ونقلت بي بي سي عن سكان في تلك الأحياء قولهم إنه سيتم استبعادهم وأمثالهم من العقارات الفخمة والمكلفة التي ستبنيها السلطات مكان أبنيتهم.
وقال رجل أعمال لديه ممتلكات في الأحياء التي تعرضت للهدم- فضّل عدم الكشف عن اسمه- لبي بي سي إنه لم يصدق عينيه عندما عاد إلى المنطقة هذا الأسبوع بعد شهرين.
وأضاف “لن تصدق أبدًا أنه كانت هناك مبانٍ وتجمعات في المناطق التي تم تسويتها بالأرض”.
وأشار إلى أن العديد من الذين أصبحوا بلا مأوى انتقلوا الآن إلى المناطق الريفية حيث لا تزال الإيجارات رخيصة أو انتقلوا للعيش مع أسرهم حيثما أمكن ذلك.
بالنسبة لوضعه الخاص، قال رجل الأعمال إنه استثمر مؤخرًا مبلغًا كبيرًا من المال في الوحدات التجارية والمكاتب، ولكن على الرغم من حصوله على جميع التصاريح اللازمة، فقد تم هدم المبنيين ولم يكن لديه ما يشير إلى أنه سيحصل على تعويض مناسب.
وفي عدد من المنتديات عبر الإنترنت، يروي المتضررون من الموقف قصصًا مماثلة حول عدم تلقيهم تحذيرًا كافيًا، ويقول الكثيرون إن وعود الحكومة بالتعويض أو السكن البديل كانت محدودة حتى الآن.
ويقولون أيضًا إنهم يعتقدون أن المناطق قد استُهدفت جزئيًا لأنها موطن لجنسيات مختلفة، رغم أن طبيعة جدة المتنوعة ذات المظهر الخارجي إحدى الخصائص التي طالما افتخر بها السكان المحليون.
والغالبية في هذه المناطق هم من الأكثر فقراً في العالم، وفق بي بي سي، ويقومون بالأعمال اليدوية القاسية في كثير من الأحيان، ولكن دون حقوق إقامة دائمة.
ووصف أحد السكان ما يحدث في جدة بأنه شكل من أشكال التطهير العرقي.
وقالت “بي بي سي” إن السكان غاضبون من محاولات الحكومة شيطنتهم على أنهم تجار مخدرات ومجرمون ويعملون في الدعارة، عدا عن تصنيف المنطقة بأكملها كأحياء فقيرة.
وذكر رجل الأعمال أن اثنين أو ثلاثة من الأحياء يمكن اعتبارها فقيرة، لكنه يقول إن الأحياء الباقية عبارة عن أحياء عاملة تحتوي على جميع وسائل الراحة وتوفر منازل لائقة لأولئك الذين لا تتوفر لديهم إمكانية السكن في مناطق راقية أخرى في جدة.
وأشارت هيئة الإذاعة البريطانية إلى تراجع الصخب حول المشروع إلى حد ما في الأسبوعين الماضيين “ربما لأن تدمير جزء كبير من المنطقة أصبح أمرًا واقعًا”.
وقالت: “إن رفع صوتك في السعودية ضد أي تغيير من هذا القبيل هو مغامرة محفوفة بالمخاطر على أي حال”.
وأضافت “لكن الاستياء والشعور بالظلم لا يزال قائما بين أولئك الذين يشعرون أنهم حُرموا من منازلهم بإجراءات موجزة سعيا وراء رؤية جديدة للمملكة- كمنافس لدبي للمستثمرين والسياح- لا مكان لهم فيها”.
وأعلنت الحكومة السعودية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إقامة مشروع وسط جدة برعاية ولي العهد، بميزانية تقارب 500 مليار ريال.
والمشروع جزء من خطة تنفذها السلطات بزعم التخلص من “العشوائيات”.
ويتضرر بفعل الحملة نحو مليون شخص على الأقل في جدة، وفقًا لتقديرات محلية، إذ انقلبت حياتهم رأسًا على عقب في الأشهر الماضية وسط حملة هدم واسعة تنفذها الحكومة.
وتسببت حملة الهدم في جدة حتى الآن بتشريد عشرات آلاف السعوديين، مع بقاء الكثيرين منهم دون مأوى، ورغم ذلك اكتفت السلطات بالقول إنها ستنظر في طلبات المتضررين وتدرس أحقيتهم.