كان من اللافت عدم إصدار السعودية أي موقف رسمي إزاء التطورات الأخيرة في مدينة القدس المحتلة، والتي استمرت 13 يومًا.
وتعرّض الفلسطينيون خلال الأسبوعين الماضيين إلى هجمات عنيفة من المستوطنين الإسرائيليين في مدينة القدس، فيما وضعت شرطة الاحتلال حواجز حديدية على باب العامود، لتقييد حركة الفلسطينيين في العبور إلى مدينة القدس القديمة.
وأصيب خلال قمع قوات الاحتلال أكثر من 130 فلسطينيًا، بالإضافة إلى تضرر بعض الممتلكات الخاصة كالمنازل والمركبات، فضلًا عن اعتقال العشرات.
ولم تكن المملكة تُفوّت فيما سبق أحداثًا كهذه دون إصدار موقف يُدين الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، ويدعو لتوفير الحماية الدولية لهم.
وفي غياب تفسيرات رسمية لإحجام السعودية عن إصدار موقف- حتى الآن على الأقل- يبدو أن الحديث الغربي والإسرائيلي غير الرسمي عن علاقات متزايدة بين السعودية والكيان الإسرائيلي يمكن أن يُخفف قليلًا من غرابة الموقف.
وكان آخر موقف سعودي من التطبيع مع الكيان الإسرائيلي هو ما أفصح عنه وزير خارجيتها فيصل بن فرحان آل سعود، الذي قال فيه إن اتفاق التطبيع بين بلاده والاحتلال “سيفيد المنطقة”.
وذكر بن فرحان أن “تطبيع وضع إسرائيل في المنطقة سيحقق فوائد هائلة للمنطقة ككل من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية”.
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قال وزير الخارجية السعودي إن: “تطبيع العلاقات مع إسرائيل كان منذ فترة طويلة جزءًا من رؤية المملكة”، لكنه ربطه بتقدم عملية السلام مع الفلسطينيين.
ولم تكن السعودية وحدها صاحبة الموقف الغائب عما يجري في القدس، إذ شاركتها نفس الموقف دول التطبيع الجديدة، الإمارات، والبحرين، والسودان، والمغرب.
لكن المفارقة أن الدول التي طبّعت علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي قبل سنوات، مثل مصر والأردن وتركيا، أصدرت مواقف قوية ضد الاعتداءات الإسرائيلية في القدس.
وأدانت مصر “أعمال العنف والتحريض التي قامت بها مجموعات يهودية متطرفة مستهدفة الأشقاء الفلسطينيين من سُكان البلدة القديمة في القدس الشرقية، مما أسفر عن إصابة العشرات من المدنيين الفلسطينيين”.
وحمّلت القاهرة سلطات الاحتلال مسؤوليتها وفق قواعد القانون الدولي لتوفير الحماية اللازمة للمدنيين الفلسطينيين، وطالبتها بالكف عن كل ما من شأنه المساس بحق المصلين في الوصول بحرية إلى المسجد الأقصى المبارك، وقف أية انتهاكات تستهدف الهوية العربية الإسلامية والمسيحية لمدينة القدس ومقدساتها وتغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم.
أما الأردن فحذّرت من تبعات الخطوات الإسرائيلية بحق المقدسيين، مؤكدة أن اعتداءات شرطة الاحتلال واستخدام العنف “تصرف مرفوض ومدان”.
ودعت الخارجية الأردنية إلى تحرك دولي فاعل لحماية المقدسيين، مطالبة سلطات الاحتلال بالتقيد بالتزاماتها كقوة قائمة بالاحتلال في القدس الشرقية المحتلة وفق القانون الدولي.
وحذّرت الأردن من المساس بالقدس والمقدسيين ومن تبعات ما تقوم به الشرطة الإسرائيلية بحقهم.
أما تركيا، فأكدت أن “الأعمال الاستفزازية التي نفذتها مجموعات عنصرية تعيش في مستوطنات غير شرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة أمام باب العامود في القدس القديمة، خطيرة ومقلقة”.
وعبّرت الخارجية التركية عن “قلقها إزاء إصابة أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين خلال الاشتباكات واعتقال بعضهم من قبل قوات الأمن الإسرائيلية”.
ودعت تركيا سلطات الاحتلال إلى اتخاذ تدابير لحماية المدنيين الفلسطينيين من اعتداءات المستوطنين العنصريين، وتهيئة مناخ ملائم لتحقيق السلام والتسامح بدلاً من الاستفزاز والكراهية خلال شهر رمضان.
وفي مساعٍ متواصلة، بحث وزيرا خارجية مصر سامح شكري والأردن أيمن الصفدي التطورات في القدس.
وأكد المسؤولان ضرورة وقف الاحتلال جميع الاعتداءات والإجراءات الاستفزازية من أجل إنهاء التوتر واستعادة الهدوء، مُحذّرين من تصاعُد الاعتداءات والأعمال الاستفزازية ضد المقدسيين وإعاقة وصولهم إلى المسجد الأقصى المبارك.
والشهر الماضي، قالت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان “صعد إلى السلطة وهو مستعد للتغلب على العديد من قضايا الوضع الراهن في المملكة وتغييرها بشكل جذري”.
وأشارت إلى أن دعم بن سلمان لاتفاقيات التطبيع كان عاملاً رئيسياً، لكن انتقادات واشنطن المتزايدة ضده جعلت المملكة أكثر عزلة في الغرب.
ورأت الصحيفة الإسرائيلية أن ذلك “يؤدي إلى تقربها من إسرائيل بسبب المخاوف المشتركة”.
وتحدثت مصادر غربية عن عقد لقاء سري بين بن سلمان ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في نوفمبر/ تشرين ثاني 2020 لبحث اتفاق لتطبيع العلاقات بين الجانبين، لكن الرياض نفت ذلك.
وسحمت الرياض مؤخرًا للطائرات الإسرائيلية بالتحليق فوق أجواء المملكة للوصول إلى البحرين والإمارات اللتين وقّعتا اتفاق تطبيع مع الكيان الإسرائيلي في سبتمبر/ أيلول 2020.
ويرى مراقبون أن عدم إدانة السعودية الاعتداءات الإسرائيلية في القدس يُمكن أن يكون مُقدمة للتغاضي عن انتهاكات الاحتلال الأوسع بحق الفلسطينيين، وصولًا إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي.