أثارت زيارة مفاجئة لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، الإثنين، إلى العاصمة القطرية الدوحة، العديد من التساؤلات حول أهداف هذه الرحلة.
وتساءل مراقبون إقليميون عما إذا كانت الزيارة تهدف إلى استكمال عملية المصالحة القطرية السعودية، التي بدأت في قمة الخليج في العلا التي استضافتها المملكة في يناير الماضي، أم أنها في الواقع تهدف إلى تمهيد الطريق لوساطة محتملة بين الرياض وطهران.
وتأتي زيارة الوزير السعودي بعد زيارة مماثلة قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى قطر، التي حافظت على علاقات جيدة مع إيران وابتعدت عن التوترات التي هيمنت على العلاقة بين طهران ومعظم عواصم الخليج العربي خلال السنوات القليلة الماضية.
واعتبر مراقبون إقليميون أن قطر مرشحة إلى جانب العراق لوساطة إذا قبلت الرياض الحوار مع طهران.
وصل بن فرحان والوفد المرافق له إلى مطار الدوحة الدولي يوم الاثنين وكان في استقباله نظيره القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن والقائم بأعمال سفارة المملكة العربية السعودية في قطر علي بن سعد القحطاني.
وناقش وزيرا الخارجية، بحسب وزارة الخارجية القطرية، “وحدة الخليج”.
كما تحدث الجانبان عن تفعيل “آليات مجلس التنسيق السعودي القطري وكل ما من شأنه تعزيز العلاقات الثنائية وتطوير العمل المشترك في مختلف مجالات التنسيق والتعاون بين البلدين”، بحسب وزارة الخارجية السعودية.
ومنذ المصالحة، كانت هناك خطوات حذرة نحو عودة الأمور إلى طبيعتها، بما في ذلك استئناف السفر الجوي بين الخصوم السابقين وإعادة فتح الحدود البرية الوحيدة لقطر مع السعودية.
وقال مكتب أمير قطر، الإثنين، إن الملك سلمان دعا الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لزيارة المملكة، في أحدث مؤشر على تحسن العلاقات بين الخصمين السابقين.
وقطعت الرياض وحلفاؤها العلاقات مع قطر في يونيو 2017 بسبب مزاعم بأنها قريبة جدًا من إيران وتدعم الجماعات الإسلامية المتطرفة، وهي مزاعم نفتها قطر دائمًا.
لكن في يناير / كانون الثاني، وافقت الدول المقاطعة على إعادة العلاقات القطرية بعد موجة من النشاط الدبلوماسي من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وقال مكتب الأمير في بيان إنه تلقى رسالة من الملك سلمان “تتضمن دعوة لزيارة” السعودية، ولم تذكر ما إذا كان الشيخ تميم وافق أو متى ستتم الزيارة.
وسافر آخر مرة إلى المملكة في كانون الثاني (يناير) لحضور القمة الخليجية التي استضافها نجل الملك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مما أدى إلى عودة الدوحة إلى الحظيرة الإقليمية.
ولم يقابل الملك في ذلك الوقت، وتم تسليم الدعوة من وزير الخارجية السعودي.
وظهرت في الأيام الأخيرة أنباء عن عدد من التحركات لإعادة العلاقات المقطوعة بين السعودية وقطر، كما سجل مراقبون وجود فورة غير عادية من النشاط الدبلوماسي في المنطقة، مشيرين إلى أن ذلك قد يشير إلى دفع إقليمي لإطلاق حوار بين طهران والرياض.
جولة إقليمية
وبدأ وزير الخارجية الإيراني، الأحد، جولة في المنطقة، بدأت بزيارة الدوحة، قبل أن تصل، الاثنين، إلى العاصمة العراقية بغداد.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، في بيان إن الجولة تندرج في إطار تطوير العلاقات الثنائية والتحدث عن المحادثات الإقليمية والدولية.
وتأتي زيارات ظريف بعد أيام قليلة من تقرير نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز أكد أن الاجتماع الأول عقد بالفعل في 9 أبريل / نيسان بين السعوديين والإيرانيين.
ونفت الرياض رسميًا المحادثات في وسائل إعلامها الحكومية بينما ظلت طهران صامتة، مؤكدة فقط أنها “رحبت دائمًا” بالحوار مع السعودية.
وكانت محادثات بغداد التي يسّرها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تسير بشكل سري، حتى كشف عنها تقرير الفايننشال تايمز.
وأكد مسؤول حكومي عراقي ودبلوماسي غربي في وقت لاحق أن السعودية وإيران أجريا محادثات في بغداد في الأسابيع الأخيرة.
وقطعت طهران والرياض العلاقات في عام 2016 بعد أن هاجم محتجون إيرانيون البعثات الدبلوماسية السعودية في أعقاب إعدام المملكة لرجل الدين الشيعي نمر النمر.
وفي السنوات الأخيرة، دعمت السعودية وإيران طرفي نقيض في العديد من الصراعات الإقليمية، من سوريا إلى اليمن، حيث يقاتل تحالف تقوده السعودية ميليشيات الحوثي.
وتدعم إيران الحوثيين الذين شنوا عدة هجمات صاروخية وطائرات مسيرة ضد أهداف سعودية.
ولقلقها من نفوذ إيران الإقليمي، اتهمت الرياض طهران مرارًا بالتدخل في شؤون دول عربية مثل سوريا والعراق ولبنان، كما لا تزال الرياض قلقة بشأن برنامج إيران النووي وقدراتها الصاروخية.
وتأتي محادثات بغداد خلال مفاوضات في فيينا التي تهدف إلى إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 وإقناع إيران بتنفيذ الالتزامات النووية التي علقتها ردا على العقوبات الأمريكية.
ووفي الوقت نفسه، يحاول العراق، المحاصر بين إيران من الشرق والسعودية من الجنوب، أن يكون وسيطًا لتجنب أن يصبح ساحة معركة للقوى الإقليمية.
وسبق أن رفضت إيران دعوات سعودية لإشراك الرياض وحلفائها الإقليميين في محادثات دولية بشأن الملف النووي، لكنها أكدت مرارًا استعدادها لإجراء حوار إقليمي.
ولم تكن التصريحات الدبلوماسية التي رافقت زيارة ظريف للدوحة بدون تلميحات إلى أن تركيز المحادثات كان على الوضع الإقليمي.
وذكرت وكالة الأنباء القطرية أن وزير الخارجية القطري ونظيره الإيراني استعرضا “سبل تخفيف التوتر في المنطقة وتعزيز أمنها واستقرارها من خلال الحوار”.