أثار غياب تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن الأحداث الأخيرة في فلسطين عديد التساؤلات عن أسباب ذلك، ولاسيما أن الأمير الشاب حرص على الإدلاء بدلوه في أحداث أقل من ذلك بكثير.
وفي الوقت الذي غاب صوت محمد بن سلمان وفعله عن الساحة، برز دور متزايد للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي- شريكه الإقليمي- وملك الأردن عبد الله الثاني، عدا عن عديد المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين ومن الأمم المتحدة.
ومما هو معلوم بالضرورة في علم السياسية، أن الأحداث الكبيرة تُعد “فرصة ذهبية” للسياسيين من أجل كسب التأييد الشعبي من جهة والتأثير الدولي من جهة أخرى، لكن الأمير الشاب لا يتّبع هذه القاعدة إذا ما تعلّق الأمر بالقضية الفلسطينية.
ويعتقد مراقبون أن الأمر يرجع إلى الرؤية التي يحملها ولي العهد السعودي تجاه القضية الفلسطينية، إذ لا يراها أولوية في المنطقة، ويعتقد أن التطبيع مع الكيان الإسرائيلي سيكون بمثابة “الضربة القاضية” لـ”المتطرفين”.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن محمد بن سلمان يخشى من التعقيب على القضية خوفًا من أي “زلة لسان” قد تُحسب عليه إسرائيليًا من جهة وتؤثر عليه لدى الإدارة الأمريكية، أو تُولّد غضبًا داخليًا وخارجيًا عليه من جهة أخرى.
ولم يكن موقف الأمير الشاب الصامت على القضية الفلسطينية منعزلًا عن تطورات حصلت خلال الأشهر الماضية، حاولت توطئة السعوديين على البعد عن القضية الأولى للعرب، لا بل دفعهم لكرهها.
وفي أغسطس/ آب 2020، أطلق مقربون من ولي العهد وسم #فلسطين_ليست_قضيتي، وكالوا من خلاله الشتائم للفلسطينيين، واتهموهم بالخيانة وبيع أراضيهم، فيما وصفوا المقاومة بالمأجورة والعبثية.
وأراد المقربون من ولي العهد، وأبرزهم تركي الحمد، من خلال المشاركة على الوسم، تهيئة المجتمع السعودي إلى التطبيع مع الاحتلال بعد أن ارتكبت الإمارات والبحرين تلك الخطيئة، إذ دعا صراحة إلى إقامة علاقات مع الكيان الإسرائيلي، وقال: “ولو كنت مكان السعودية، لطبعت منذ اليوم. ملومة هكذا وهكذا”.
وعمل ولي العهد السعودي مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على إنهاء القضية الفلسطينية، واتُهم بالمشاركة في “صفقة القرن” التي رفضها الفلسطينيون بشدّة.
وعام 2017، كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية أن بن سلمان التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وعرض عليه “خريطة جديدة لدولة فلسطين”.
وقال مسؤولون فلسطينيون حينها إن الخريطة تشبه خريطة “صفقة القرن”، وتشمل قطاع غزة، وجزءًا من سيناء المصرية، وما تبقى من الضفة الغربية بعد الإقرار بمشروع الضم الإسرائيلي، وهو ما أغضب الفلسطينيين.
وأكدت “الغارديان” أن الأمير محمد يختلف عن والده وأجداده في نظرته للقضية الفلسطينية، إذ لا يرى أن حدود عام 1967- التي اتفق المجتمع على أنها حدود دولة فلسطين- نقطة انطلاق عملية السلام، ويُحمّل الفلسطينيين مسؤولية تعثّر المفاوضات.
ويُعطي ما سبق لمحة عن توجّهات وزير الدفاع السعودي تجاه القضية الفلسطينية، التي اكتسبت زخمًا دوليًا خلال الأيام الماضية بفعل العدوان الإسرائيلي على القدس، بما في ذلك حي الشيخ جراح، وقطاع غزة.
وفجّرت محاولات الاحتلال طرد سكان حي الشيخ جراح في القدس؛ لإحلال المستوطنين مكانهم، والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى والاعتداء على المصلين فيه، غضبًا فلسطينيًا واسعًا.
وهددت حركة حماس الحكومة الإسرائيلية بإطلاق الصواريخ على المدن المُحتلة في حال لم يوقف الاحتلال انتهاكاته بالقدس.
وبعد عدم استجابة الاحتلال، أطلقت كتائب القسام في غزة صواريخ باتجاه أهداف إسرائيلية بمدينة القدس، فقصف الاحتلال غزة على مدار 11 يومًا، استشهد خلالها أكثر من 250 فلسطيني، نصفهم من الأطفال والنساء، فيما قتل 13 إسرائيليًا بصواريخ المقاومة.
وفجر يوم الجمعة الماضي، توصل الاحتلال والمقاومة الفلسطينية إلى وقف لإطلاق النار بعد تدخلات عربية ودولية، لم تكن السعودية مشاركة فيها.
وفي وقت خرجت مظاهرات ضخمة في معظم دول العالم، أبرزها في بريطانيا والولايات المتحدة وكندا والأردن والعراق وسوريا ودول إسلامية في شرقي آسيا؛ تنديدًا بالجرائم الإسرائيلية، لم يكن هناك أي تحرك شعبي سعودي.
وبعد أن انتهى العدوان الإسرائيلي على غزة سارعت عديد الدول إلى الإعلان عن مساعدات مالية أو إغاثية لإعادة إعمار القطاع المحاصر ودعم سكانه المشردين.
وأعلنت مصر تقديم 500 مليون دولار من خلال شركاتها لإعادة إعمار غزة، فيما أرسلت الجزائر قوافل أدوية ومساعدات إنسانية، وتعهدت دول أوروبية بتقديم ملايين الدولارات لنفس الغرض، لكن السعودية، التي يُنظر لها كقائدة للعالم الإسلامي، اكتفت بالصمت المطبق.
ودفع صمت ولي العهد السعودي عن الجرائم الإسرائيلية في فلسطين الناشطة علياء الهذلول للتساؤل: “لماذا محمد بن سلمان يكره فلسطين؟”.
وأضافت، عبر صفحتها في “تويتر”: “لماذا هناك نوع من الحذر من قبل المؤثرين السعوديين من إظهار تعاطفهم مع فلسطين؟ هل هو عدم ثقة فيما قد يفعله محمد بن سلمان معهم من سجن وتنكيل؟”.
كما فجّر موقف بن سلمان غضبًا على وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية، دفعت ناشطين لإطلاق وسم #مبس_صهيوني تنديدًا بموقفه حيال العدوان الإسرائيلي على غزة.
ولا يؤثر موقف السعودية المنتقد تجاه القضية الفلسطينية على دورها الإقليمي والدولي الآخذ في الانحسار بسبب سياسية ولي العهد، لا بل يتعدى ذلك إلى فقدان احترام الشعوب العربية والإسلامية.