عقدت منظمة “القسط” لحقوق الإنسان أمسية حقوقية دولية لإحياء الذكرى الثالثة لاغتيال عملاء سعوديين الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، بطريقة بشعة.
وشارك في الأمسية، التي نُظمت تحت عنوان: “جمال خاشقجي.. العدالة الغائبة” خطيبة الصحفي السعودي المغدور خديجة جنكيز، والشاعر والإعلامي المصري د. عبد الرحمن القرضاوي، والمعارض السياسي المصري د. أيمن نور.
كما شارك أيضًا رئيس مؤسسة قرطبة أنس التكريتي، والأمين العام لحزب التجمع الوطني السعودي يحيى عسيري، ورئيس البحث في شؤون الخليج بمؤسسة “الديمقراطية الآن” د. عبد الله العودة.
وأكدت جنكيز ضرورة رفع الصوت عاليًا لرفض الانتهاكات الحقوقية، وإعلاء القيم التي كان يرسخها خاشقجي.
وشددت خطيبة المغدور خاشقجي أن وسائل التواصل الاجتماعي، التي لم تكن موجودة قبل نحو 15 سنة، تتيح الآن للجميع معرفة الانتهاكات الحقوقية في البلدان، بما فيها المملكة.
أما أيمن نور، فأوضح أن العلاقة الإنسانية التي تربطه بخاشقجي استمرت نحو ثلاثة عقود، “وهذا كان حالة استثنائية في حياتي، ولدى كل من عرفتهم”.
وقال: “جمال كان قيمة إنسانية رائعة، لن أتحدث عن قيمته المهنية وقيمته السياسية؛ فهذا يمكن أن يتحدث عنه الجميع، لكن أنا تعلمت منه الكثير والكثير، تعلمت منه الإصغاء الحنون والقبول بالآخر والبحث عن المشتركات رغم المتناقضات الكثيرة”.
وأضاف “كانت تجربتي مع جمال تجربة ثرية جدًا على المستوى الإنساني رغم أن طبيعة الاهتمامات والمرجعيات الفكرية تبدو وكأنها متناقضة، فأنا لدي مرجعية ليبرالية وجمال لديه مرجعية إسلامية، لكن مرجعيته الإسلامية لم تمنعه يومًا من الدفاع عن الحرية، ومرجعيتي الليبرالية لم تمنعني أبدًا من الدفاع عن كل ما هو مقدس، واحترام كل ما ينبغي أن يحترمه الإنسان في عقائد الآخرين”.
وكشف السياسي المصري عن تسبب الراحل خاشقجي بإنقاذ حياته من موت محقق في 26 أكتوبر 1993.
وقال: “كنت مدعوًا لغداء مع وفد برلماني فرنسي أمريكي في فندق سميراميس ثم وجدت اتصالًا من جمال أبلغني فيه أنه في حالة ترانزيت في القاهرة ويريد أن نلتقي؛ فحددت موعدًا الساعة 3 بعد الظهر، وكنت متصورًا أنني سأكون انتهيت من موعد الغداء، واتفقنا أن نلتقي في نفس مكان الغداء بالمطعم؛ فجاء جمال مبكرًا 30 دقيقة، وبمجرد ما تحركت لاستقباله، دخل شاب، قالوا بعد ذلك إنه مصاب بمرض عقلي، وأفرغ كل رصاصات مسدسه في كل الجالسين على الطاولة التي كنت أجلس عليها قبل حضور جمال بدقيقة واحدة”.
وأشار إلى أن خاشقجي حضر إلى ميدان التحرير إبان ثورة 25 يناير 2011، وأصر على الدخول بين المتظاهرين، وقدّم النصائح والآراء، وشارك بحماس كأنه جزء من الثورة.
أما عبد الرحمن القرضاوي، فأشار إلى أن الحكومات تتصالح والظروف السياسية تتغير “لكن الوفاء للحق والصديق يظل هو المعيار الحقيقي”.
ولفت القرضاوي إلى أن علاقته بالراحل خاشقجي لم تكن وثيقة، إذ لم يلتق به إلا مرة أو مرتين، آخرها في الدوحة بالمصادفة.
وشدد على أن “ما حدث لجمال هو ما يمكن أن يحدث لأي منفي، ولكل من يواجه أنظمة الاستبداد العربي”.
وقدّم القرضاوي، خلال الأمسية، قصيدة تتناول جريمة اغتيال الراحل خاشقجي.
بدوره، قال أنس التكريتي إن: “الراحل خاشقجي ممن يسطّرون سيرهم من خلال موتهم، ويُعرفون حول العالم، ليس بما فعلوه خلال حياتهم، بل كيف ماتوا ولمَ ماتوا ولأجل ماذا”.
وأكد التكريتي أن “خاشقجي أصبح أيقونة ليس فقط على مستوى الشعب السعودي، ولا حتى على مستوى العالم العربي ولا حتى العالم الإسلامي؛ بل أصبح أيقونة حقيقية على مستوى العالم، لموته”.
وأشار إلى أن الجوائز حول العالم والميادين والشوارع والذكريات والمؤتمرات والمؤسسات التي تحمل اسم خاشقجي أصبحت أكثر من أن تعد.
وأضاف أن الراحل “قام لأجل إحقاق الحق والمناداة بالحرية ولشعبه بالكرامة”.
وذكر أن “جمال فعل شيئًا كان العالم بحاجة له، في وقت يمتلئ بالأخبار الزائفة؛ فخاشقجي نظّف صورة الإعلام، وأكد أنه يمكن أن يكون مناضلًا من الطراز الرفيع بقلمه وكلمته ومواقفه، ويمكن أن يكون من أخطر المعاول التي تعمل على هدم الاستبداد”.
من جانبه، قال د. عبد الله العودة إن: “المجرم اتخذ جمال وسيلة لإعطاء درس لكل من يقول لا، ويكون عنده قدرة أو قناعة أو جرأة أن ينتقد ولو بكلام ناعم”.
وأضاف “نُحيي ذكرى جمال لنقول إن كل يوم تقضيه ليس، فقط الحكومة السعودية، بل حكومات الاستبداد القمعي في محاولة قمعنا وابتزازنا واستخدام الأهالي ضدنا والاعتقال، سنقضي أضعاف هذه الأيام واللحظات في محاربة الاستبداد”.
وتابع “إذا كانت قوى الاستبداد تتحالف مع بعضها فأظن أن الشعوب أيضًا تتحالف، وحان لها أن تتحالف لتقاوم الاستبداد وتقرع هذا الظلم بمعول الخير والعدالة والقسط والحقوق والديمقراطية، وسنفعل هذا”.
وأكد أن “المقتلة الشنيعة لجمال كانت رمزية للمقاتِل الأخرى الكثيرة في عالمنا العربي الموجوع؛ لأن فكرة الاستبداد والقتل واحدة كما أن فكرة الضحية والحقوق واحدة”.
أما يحيى عسيري، فشدد على أن قضية خاشقجي “لم تكن جنائية عائلية تنتهي بتنازل أهل الدم، لأنها جريمة تمس الكرامة والحرية”، مشيرًا إلى أن جمال كان يدافع عن الحقوق والحريات، وقُتل على يد نظام ساهم في قتل شعوب عربية ووئد أحلامها.
وقال إن: “الحلم الذي كان يدمره النظام السعودي لم يكن جمال فقط؛ بل دمر أحلامًا كنا ندافع عنا جميعًا في هذه البلاد التي ترزح تحت الاستبداد”.
وأضاف “عندما ندافع عن جمال ندافع عن الفكرة والقيمة التي تمسّك بها جمال ونحن يجب أن نتمسك بها؛ فبموته كتب قصة كبيرة لا يستطيع أي نظام استبدادي أن يقاومها، وجعل اسمه يعرفه العالم كله”.
وأكد الأمين العام لحزب التجمع الوطني السعودي ضرورة عدم المراهنة على وجود حدود لاستبداد الأنظمة، لافتًا إلى أن “واجبنا أن نفعل كل شيء بالطرق المشروعة؛ لإيقاف تغوّل هذه الأنظمة، والتعاون للوقوف صفًا واحدًا دفاعًا عن المظلومين في كل أنحاء العالم”.
ووجه عسيري رسالة لكل اليائسين قال فيها: “إنه لم يسجل التاريخ أن هناك تحررًا كان رهن إشارة؛ بل كانت الحالة مغالبة.
وشدد على أن “الشعوب العربية الآن أكثر جاهزية مما كانت عليه إبان الربيع العربي، والحكومات أكثر قمعًا وضعفًا مما كانت عليه في السابق”.