شدوى الصلاح
يكفيك أن تتأمل الهدف المعلن لإنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في الإمارات كي تعرف أولوياتها، المتمثلة بتحقيق أهداف الدولة ومصالحها وتعزيز مكانتها في المحافل الدولية والإقليمية، وتطوير شبكات دولية فاعلة من الأفراد والمؤسسات حول العالم.
الأمر الذي يعني أن السلطات الإماراتية تستخدم “حقوق الإنسان” شعاراً وجسراً لرفع مكانة الدولة في المحافل الدولية، سعيا للحصول على الثناء والإشادة الدولية على ما يسمى زورا وتغيبا للواقع “جهود تعزيز حقوق الإنسان”.
الثابت عن الإمارات، وفق تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، أنها لم تترك آلية لتلميع صورتها وإخفاء ملفها الحقوق السيئ إلا وفعلتها، حتى تلك الهيئة التي أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش، أنها مجرد تكتيك جديد في إطار حملة تبييض بدأتها الإمارات منذ عقد”.
ذلك لأن حقيقة الأوضاع الحقوقية على الأرض مغاير لما تصدره السلطات الإماراتية في المشهد، فانتهاكاتها لحقوق الإنسان تتزايد، ومعاناة معتقلي الرأي في كافة المعتقلات بات حدثا مكررا، بالإضافة إلى معاناة ذويهم وعدم قدرتهم على التواصل مع أبناءهم.
لتكتمل تجاوزات السلطات الإماراتية بعسكرة الملف الحقوقي، وتشكيل مجلس أمناء الهيئة برئاسة مقصود كروز، إضافة إلى 11 عضواً أغلبهم من ضباط الشرطة السابقين وخريجي أكاديمية شرطة دبي، انسجاماً لهذا التوجه.
وبحسب مركز مناصرة معتقلي الرأي، فإن تشكيل الهيئة الوطنية، يخالف مبادئ باريس المتعلقة بإنشاء مراكز المؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، حيث تمتع الهيئة بتمثيل تعددي للقوى الاجتماعية في المجتمع المدني، واستقلاليتها عن الإدارات الحكومية.
وبدوره، رأى المعارض الإماراتي حميد النعيمي، أن الإمارات لم تجد أفضل من رجال الأمن لتستخدمهم في مواضيع السمع والطاعة العمياء، مؤكدا أن تشكيل مجلس أمناء الهيئة هو أقرب للمجلس العسكري أو الجهاز التابع لأمن الدولة.
وأكد في حديثه مع الرأي الآخر، أن سرد أسماء أعضاء المجلس يثبت ذلك، حيث ضم المجلس العقيد أحمد المنصوري الضابط في شرطة دبي، والعقيد عبد العزيز النومان الضابط السابق في شرطة الشارقة.
وأوضح النعيمي، أن المجلس يضم أيضا الملازم أول فاطمة الكعبي التي عملت ضابط إداري في شرطة أبو ظبي، ومريم الأحمدي الباحثة السابقة بوزارة الداخلية، وفاطمة البداوي خريجة أكاديمية شرطة دبي، وأميرة الصريدي خريجة أكاديمية شرطة دبي.
وأشار إلى أن المجلس يضم أيضا شخصيات عرف عنها التعاون الأمني أمثال زايد الشامسي خرّيج أكاديمية شرطة دبي، ومحمد الحمادي رئيس مجلس إدارة صحفيين الإمارات، لافتا إلى أنه كرس حياته لمهاجمة معتقلي الرأي في الإمارات.
وتابع النعيمي: “لتكتمل هذه الحفلة العسكرية أتوا برئيس للهيئة وهو العسكري السابق مقصود كروز الذي عمل لمدة ١٠ سنوات في الجيش الإماراتي ثم عمل مستشارا في وزارة شؤون الرئاسة.
وأوضح أن كروز يجمع بين الطاعة والحس العسكري، ويتمتع بخبرة عالية في فهم السياسات الحكومية لخبرته في وزارة شؤون الرئاسة، كما عمل مدير تنفيذي، في مركز هداية الذي اشتهر بمهاجمته للجماعات الإسلامية ومؤسساتها ومنظماتها في العالم.
وأكد النعيمي، أن التطرف الذي يجب محاربته بالمفهوم الإماراتي هو محاربة كل من يدافع عن حقوق الإنسان وكرامته ويدعو للحرية والعدالة الإنسانية، قائلا إنهم استخدموا العساكر ليكملوا المسرحية التي تتقنها كل الأنظمة العربية القمعية.
ولفت إلى أن هذه المسرحية هي أن حقوق الإنسان وكرامته للشعارات واستكمال الديكور ليس إلا، مؤكدا أن هذه الهيئة بهذا المجلس لن تسمع صرخات المعذبين والمغيبين في السجون السرية بالإمارات.
وأضاف النعيمي، أن الهيئة أيضا لن تبصر القمع للحريات في التعبير والتفكير الحاصل في الدولة، وإنما كل دورها ينحصر حتماً في تجميل الواقع الأليم، وخداع الآخر بأن الشعب الإماراتي في أسعد بقعة في الأرض وأن حقوق الإنسان مصانة على أكمل وجه.
المنظمات الحقوقية ومراكز الأبحاث والصحف الأجنبية، تتحدث دوما عن مساعي الإمارات لتلميع صورتها خارجيا، فقد كشفت صحيفة الجارديان، عن اطلاعها على وثائق تؤكد تعهد الإمارات تقديم 312 مليون جنيه إسترليني، لجامعة كامبريدج نظير تلميع سمعتها.
فيما وجهت انتقادات واسعة لشبكة سي إن إن التلفزيونية الأميركية بسبب تورطها بتلميع سمعة الإمارات الملطخة عبر رعاية معرض إكسبو دبي 2021، المقام منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وسبق أن اتهمت منظمة العفو الدولية الإمارات في 2020، بمحاولة تلميع صورتها أمام المجتمع الدولي من خلال شعارات التسامح الزائفة.
مركز الإمارات لحقوق الانسان، أكد أن السلطات الإماراتية أخفت الأرقام الحقيقية لعدد معتقلي الرأي في سجونها، واتهمها بتجاهل المطالبات الإفصاح عن عدد المعتقلين السياسيين لديها، خاصةً في سجن الرزين “غوانتانامو الإمارات”.
وقال إن القوانين في الإمارات، وخاصة قانون مكافحة الإرهاب يحمل في طياته الكثير من التعريفات الغامضة والفضفاضة والتي يقع ضحيتها معتقلو الرأي ويتعرضون للاختفاء القسري والتعذيب بموجبه.
الأمر الذي يعيدنا مرة أخرة للحديث عن “مركز هداية” الذي كان يرأسه كروز المكلف برئاسة الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، فقد أنشأته الإمارات في 2012، وتمكنت من إيصاله إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة كمؤسسة تبدو بعيدة عن الشك، وممارسة الدعاية للإرهاب.
إلا أن مراقبين، أكدوا أن المركز ذراع أبو ظبي لتأليب الدول الغربية ضد المسلمين، ويخدم بالمقام الأول أهدافها المعادية لهم، وتركز فعالياته وأبحاثه على الإسلام وحده، دون التطرق لحركات التطرف حول العالم، ويمعن المسؤولين به على مهاجمة المعتقلين السياسيين.