كتبت: بشرى المقطري
تكشف مشاهد الحرب في اليمن عن سرديةٍ مضاعفةٍ لانتهاك القانون الدولي، إذ تتجاوز الفظاعات التي ترتكبها أطراف الصراع اليمنية والإقليمية قواعد الاشتباك في جبهات الحرب إلى الإضرار المتعمّد بالمدنيين وبكل ممكنات الحياة اليومية، بما في ذلك مظاهر العُمران البشري والأعيان المدنية، إذ يستمدّ كل طرفٍ مشروعية العنف من سلوك خصمه الذي لا يختلف عُنه إجراماً، ومع جُرمية استهداف الأراضي السعودية بالطائرات المسيّرة التي تطلقها جماعة الحوثي المدعومة من إيران، والتي أدّت، أخيراً، إلى مقتل مدنيين في منطقة جازان، جنوب السعودية، أحدهما مُقيم يمني، فإنّ السعودية اتخذت من هجمات جماعة الحوثي ذريعةً لمعاقبة اليمنيين وتنفيذ جرائمها بحُجة الدفاع عن النفس، إذ حوّلت المدن اليمنية الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي إلى هدفٍ لقصف طيرانها، ما تسبّب بمقتل وإصابة عشرات آلاف من المدنيين اليمنيين طوال سنوات الحرب، والإضرار بالبُنى التحتية ومرافق الدولة، وصولاً إلى تدمير المطارات المحمية بموجب القانون الدولي، وإذ كان تدمير الأعيان المدنية، إلى جانب قتل المدنيين، الهدف الذي يتنافس الفرقاء لتحقيقه، فإن مطار صنعاء الواقع تحت قبضة جماعة الحوثي ظلّ في مرمى الانتهاك متعدّد الأطراف، إذ تم تدمير مرافقه الحيوية، كما تم تجريده من وظائفه بوصفه ممرّاً إنسانياً، بما في ذلك استثماره ورقة سياسية واقتصادية وإنسانية، ففي سياق التجريف المستمر لمطار صنعاء، والذي يتقاطع مع تصاعد وتيرة الحرب، تحوّل المطار إلى هدف عسكري للسعودية، إذ تعرّضت مرافقه لقصف متكرّر، كما أغلقته أمام الرحلات التجارية والإنسانية منذ بداية الحرب، ثم فتحته جزئياً قبل أكثر من عام للطائرات الأممية فقط، قبل أن تستهدفه أخيراً. في المقابل، حوّلت جماعة الحوثي المسيطرة على صنعاء المطار موقعاً متعدّد الاستخدامات، بعيداً عن وظيفته الإنسانية، كما وظفته سياسياً وإنسانياً للضغط على المجتمع الدولي، ليصبح مطار صنعاء ليس فقط ورقةً تتنازعها أطراف الصراع، وإنّما مسرح لجريمة مُركبة، طرفاها قوة إقليمية عمياء بلا رادع، وقوة محلية مليشياوية.
استهدفت السعودية، في العشرين من ديسمبر/ كانون الأول الحالي، مرافق مطار صنعاء، فدُمّر مبنى تابع للهيئة العامة للطيران، لتعلن في اليوم التالي إسقاط المطار من الحماية الدولية، وبرّرت إجراءاتها الجديدة بأن المطار أصبح ثكنة عسكرية لجماعة الحوثي، وموقعاً رصدته لانطلاق الطائرات المسيّرة، فيما أعلنت جماعة الحوثي خروج مطار صنعاء عن الجاهزية، ومن ثم إغلاقه أمام الرحلات الأُممية، محدّدة اشتراطات سياسية واقتصادية جديدة، قبل أن تفتحه مرة أخرى؛ ومع أنّ تطوّرات ملف أزمة مطار صنعاء تكشف العبث واللامسوؤلية اللذين يدير بهما المتصارعون حربهم في اليمن، فإنّ الدلالات السياسية لأزمة المطار، بما في ذلك توقيتها، تؤكّد حرص طرفي الصراع على استدامة الحرب، وذلك بتخليق أزماتٍ جديدة، مع افتقارها إلى السند القانوني والأخلاقي، إذ لا يحقّ للسعودية التي هي طرفٌ إقليمي في الحرب، ولا لأي طرفٍ، إسقاط الأعيان المدنية من الحماية الدولية بذريعة كونه قاعدة عسكرية، وحتى في حال استخدمته جماعة الحوثي قاعدة عسكرية، فذلك يستلزم تقرير جهةٍ أمميةٍ محايدةٍ بعد معاينتها الموقع. ومن جهة أخرى، لا يعتبر إعلان السعودية إسقاط مطار صنعاء من الحماية الدولية إعفاء لمسؤوليتها، ما يجعل استهدافها المطار ومرافقه جريمة حرب مكتملة الأركان. وبعيداً عن منطق العنف والاستقواء والتدمير، والذي يمثل استراتيجية لأطراف الصراع في اليمن، فإنّ الهدف السياسي من الإجراء السعودي هو الضغط على جماعة الحوثي بتجريد مواقع مطار صنعاء من الحماية الدولية، واستهدافه إلى جانب توسيع قائمة أهدافها في صنعاء، من تدمير ملعب الثورة، المحمي أيضاً بموجب القانون الدولي، إلى تدمير الجسور الرئيسية في مدينة صنعاء والأحياء السكنية، إلى إيقاع أكبر خسائر في البُنى التحتية، إلى جانب تكثيف السعودية غاراتها الجوية على مجمل المدن اليمنية، أي دفعها الحرب مع جماعة الحوثي إلى مربّع جديد. ويأتي استهداف صنعاء بمطارها ومرافقها وأعيانها المدنية في سياق توجيه السعودية رسالة إلى إيران، الحليف الإقليمي لجماعة الحوثي، إذ صعدت السعودية من خطابها ضد إيران، بما في ذلك اتهام حزب الله، وكيل إيران في لبنان، بدعمه جماعة الحوثي في معركة مأرب، فيما تراهن الجماعة على استثمار قصف السعودية مطار صنعاء لمضاعفة مدخولاتها المالية من حركة الملاحة الأُممية.
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”