شدوى الصلاح
شذوذ القرارات أصبح السمة السائدة لدى النظام السعودي الذي يسوغ إقامة احتفالات العيد الوطني وفعاليات موسم الرياض المليء بالتقارب والاختلاط والحشود، ثم يصدر قرارا ملزما مثيرا للحنق والغضب بتطبيق التباعد الاجتماعي في الحرمين، بعد تفشي سلالة متحور أوميكرون كورونا، في استمرارٍ للقرارات المتضاربة التي لا تلقى قبولاً شعبياً.
فالمملكة السعودية لا تتعامل بمسطرة واحدة مع الأحداث، وإنما يغلب على قراراتها ازدواجية المعايير، فتفرض التباعد على المصلين وتلزم المساجد بتطبيقه وتقر عقوبات على المخالفين، فيما تعج القاعات والملاعب والملاهي بالمشاركين في الحفلات وحاضري المباريات الرياضية والتي تكون بيئة خصبة لانتشار العدوى.
فقد قررت السلطات إعادة إجراءات التباعد الاجتماعي الجسدي في المسجد الحرام والمسجد النبوي، بدءا من السابعة صباح اليوم الخميس، بعد تسجيل أكثر من 700 حالة إصابة بكورونا خلال الـ24 ساعة الماضية، بينها 43 حالة حرجة، على أن يتم إعادة توزيع المصليات، وتوزيع المعتمرين على مسارات الطواف الافتراضية.
منذ أعلنت السلطة السعودية عن إجراءات التباعد في المساجد، في مارس/أذار 2020، أرفقتها بتبرير من هيئة كبار العلماء السعودية بوجود مسوغ شرعي يقتضي إيقاف الصلاة وغلق أبواب المساجد والاكتفاء برفع الأذان، على أن يقال “صلوا في بيوتكم”، فيما تتجاهل الهيئة ما يحدث في الاحتفالات من تدافع بشري وزحام وتغريب غير مسبوق.
يأتي إعادة إجراءات التباعد في الحرمين، بعد يومين من إعلان رئيس هيئة الترفيه تركي آل الشيخ، على حسابه بتويتر، أن موسم الرياض الذي انطلق في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2021، والمقرر استمراره حتى 16 يناير/كانون الثاني 2021، شهد أكثر من 8 ملايين زائر، منهم أكثر من 600 ألف سائح.
ويضم الموسم الذي سبقه بأربعة أيام تخفيف الإجراءات الاحترازية الصحية، بدعوى أن تقارير الجهات الصحية المختصة أظهرت تقدما في تحصين المجتمع وتراجع في عدد حالات الإصابة بفيروس كورنا، 14 منطقة ترفيهية موزعة في أرجاء مدينة الرياض، أبرزها بوليفارد رياض سيتي، الرياض ونتروندرلاند، واجهة الرياض، شجرة السلام، ورياض سفاري.
ويحتضن الموسم، أكثر من 7500 يوم فعالية، ونحو 10 معارض عالمية، وأكثر من 350 عرضاً مسرحياً، إضافة إلى معرض ومزاد سيارات عالمي، وأكثر من 70 مقهى، و200 مطعم، وبطولة ألعاب إلكترونية، وأكثر من 100 تجربة تفاعلية.
وتفتقر تلك الفعاليات لأي نوع من أنواع الإجراءات الاحترازية، سوى التأكد من أن حاضريها تلقوا جرعات اللقاح التي ثبت أنها لا تمنع فرص حدوث العدوى بالفيروس ومتحوراته، وإنما تقلل فقط من حدة الأعراض الناجمة عن الإصابة، بحسب ما أكده خبراء في منظمة الصحة العالمية وأطباء واستشاريين بالإضافة إلى الحالات التي أصيبت به رغم تلقيها اللقاح.
وشملت الإجراءات السعودية الجديدة فرض الالتزام بعدد من الإجراءات الوقائية في دور السينما على رأسها ارتداء الكمامات، واستكمال التحصين بالجرعتين، وتلقي الجرعة التنشيطية بعد مضي 6 أشهر من تلقي الجرعة الثانية، والتعامل بحذر مع مستجدات كورونا، دون أي إلغاء لأي فعاليات تضم آلاف المواطنين والسائحين بحسب رئيس هيئة الترفيه.
الأمر الذي يعيد إلى الأذهان انتقادات ولي العهد محمد بن سلمان، منذ وصوله إلى منصبه في يونيو/حزيران 2017، للحالة الدينية التي تعيشها بلاده منذ عقود، والتي أتبعها بحملة اعتقالات واستهداف ممنهج لدعاة ورجال دين وإصلاحيين عرفوا بوسطيتهم وتبعيتهم للصحوة، وذلك رغم التفاف أطياف واسعة من الشعب حولهم.
وبذلك نجح بن سلمان في تحجيم دور رجال الدين وتقليل تأثيرهم، واستكمل مشواره في تطويع بعضهم ممن أبدى قابلية في تغيير قناعته وتقديم اعتذارات عن أفكاره واستخدمهم في توجيه الرأي العام وأصبح يطلق عليهم “علماء السلطان”، لأنهم اختاروا المسايرة والتزموا الصمت على حملات اعتقال أقرانهم، وحللوا انفتاح السلطة وساهموا في تمريره.
وتشير تقارير إلى أن سجونه يقبع فيها قرابة الـ 400 شيخ وعالم من بينهم الشيخ سلمان العودة وعائض القرني وحسن فرحان المالكي وغيرهم، كما كبح بن سلمان سلطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجردها من صلاحياتها، وقلص المواد الدينية التي يدرسها الطلاب في مناهج التعليم.
وقوبلت تلك الخطوة بانتقاد واسع بين الناشطين على تويتر، لأنها ستنشئ أجيالا بعيدة عن تعاليم الدين وأخلاقياته، وتفتح الباب للإلحاد؛ وواصل بن سلمان قراراته بتوجيه وزارة الشؤون الإسلامية لإصدار تعميمٍ في مايو/أيار 20221 يقضي بمنع استخدام مكبرات صوت المساجد في المملكة دون الآذان والإقامة، ولاقى رد فعل شعبي عنيف أيضا.
صحيفة الإندبندنت البريطانية، أكدت أن بن سلمان يستهدف تقليص دور الدين الإسلامي في الحياة العامة في المملكة تدريجيا، مشيرة إلى أن تقييد صوت مكبرات الصوت في المساجد يندرج في إطار خطته، وجاء بعد عدة إجراءات من هذا القبيل، منها رفع عددٍ من القيود “المحافظة”، مثل إنهاء الحظر المفروض على السينما.
فيما قالت صحيفة التايمز البريطانية، إن القرار يعد علامة على فقدان المؤسسة الدينية للسلطة في عهد بن سلمان، مشيرة إلى أنه يدعي احترام التراث الديني للمملكة، لكنه اتخذ أيضا قرارات للحد من دورها في الأماكن العامة، حيث سُمح، العام الماضي، للمتاجر بإبقاء أبوابها مفتوحة خلال الصلوات اليومية الخمس إذا أرادوا ذلك.
عضوة حزب التجمع الوطني السعودي المعارض الدكتورة نيبال علي، قالت إن إعادة السلطات السعودية العمل بإجراءات التباعد الاجتماعي في الحرمين، وتجاهل تطبيقها على فعاليات موسم الرياض الحالية، يأتي ضمن المواقف المضطربة والمهزوزة التي تتخذها السلطة في الفترة الأخيرة.
ورأت في حديثها مع الرأي الآخر، أن تصرفات السلطة تثير الشكوك في أن الحكومة تسير البلد حسب أهواء المتصدرين لإدارة الدولة وليس حسب ما تقتضي احتياجات الشعب ومصالحه، متهكمة بالقول: “لا يحسب حساب صحة المواطنين إذا كان هناك برامج ترفيهية تسعد مراهقي الديوان الملكي، أما شعائر الله فتخضع لإجراءات التباعد”.
وأكدت علي، أن السلطات السعودية تحرص على إبعاد الناس عن الدين وتجهيزهم للتطبيع الشعبي مع الاحتلال الصهيوني والذي لن يتم إلا بتغييب الدين، موضحة أن تجهيز الشعب للتطبيع بدأ منذ بداية سجن الدعاة والمشايخ ثم تلاه تخوين الرافضين للتطبيع من المواطنين، وصولا لوجود الحاخام في الرياض دون مراعاة لمشاعر الشعب.
وأشارت إلى أن دخول الصهاينة للمملكة تبعه السماح بالنقاش المباشر مع المواطنين عبر برامج التواصل الاجتماعي، لافتة إلى أن السلطات السعودية لم تكتفِ بهذا القدر، بل سمحت لرئيس رابطة العالم الإسلامي وأحد كبار العلماء الدكتور محمد العيسى، ببناء علاقة حميمة مع الصهاينة عن طريقة الجاسوسة الأميركية إيرينا سوكرمِن.
وأوضحت علي، أن سوكرمن صهيونية يهودية معادية لفلسطين وتحمل الجنسية الأميركية، وسبق أن قالت إنها تشرّفت بمحادثة العيسى في اجتماع خاص بنيويورك، ووصفته بأنه قائد ديني شجاع حقّق إنجازاً مذهلاً في تعزيز الاعتدال والتسامح، وكانت قد مدحته في جريدة “عرب نيوز” السعودية أيضا.