شدوى الصلاح
“موعد التطبيع مرهون بتحقيق سلام وتحقيق الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية حسب مبادرة السلام العربية”.. بهذه الكلمات سبق ورد وزير خارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، عند سؤاله عن موعد تطبيع بلاده مع “الكيان الصهيوني”، إلا أن ذلك لم ينعكس يوماً على المواقف الرسمية للمملكة.
ولم يتوافق يوماً مع تعاطي الإعلام السعودي مع القضية الفلسطينية والأحداث المتصاعدة في غزة، والذي لم يكفّ يوماً عن التبشير بالتطبيع والترويج له، وإهانة الفلسطينيين واتهامهم بخيانة القضية والتفريط في أرض بلادهم وقضيتهم، وهو حال آلاف الذباب الإلكتروني المجند حكومياً لتشويه فلسطين وتبرير قصف غزة وقتل النساء والأطفال.
أولى المواقف الرسمية المفترض إعلانها إذا كان وزير الخارجية السعودي صادقا في نقل موقف بلاده، هو إدانة الغارات التي شنها الاحتلال الصهيوني على عدة مواقع في غزة، فجر أمس الأحد، بزعم أن القصف يأتي رداً على إطلاق صاروخين من القطاع، صباح أمس الأول السبت، سقطا في عرض البحر، قبالة منطقة “تل أبيب” المحتلة.
لكن ما يبدو أن تصريحات الوزير السعودي للاستهلاك الإعلامي، إذ شارك مؤخراً في اجتماعٍ افتراضيٍ عبر “الفيديو كونفرنس” مع وزراء من الكيان الصهيوني ووزراء خارجية عدد من الدول حول متحور “أوميكرون”، استضافه وزير الخارجية الأمريكي، انتوني بلينكن، كما سبق ومدح عقب لقاء سابق مع بلينكن في أكتوبر/تشرين الأول 2021، دور الاحتلال الصهيوني بالمنطقة.
ما يؤكد أن السعودية تتعمد غض الطرف عن إجرام الصهاينة بحق الفلسطينيين والتماهي مع سلطة الاحتلال، فهي لم تصدر أي بيان إدانة أو تعلن موقفا رسميا واضحا من هجمات الاحتلال التي تزامنت مع احتفالات الدول العربية والغربية بالسنة الميلادية الجديدة، وبات الناشطون على تويتر يتداولون مقاطع القصف بالإشارة إلى أن هذه هي الطريقة التي احتفل بها الاحتلال.
وعلى مدار الأيام القليلة الماضية، تفاعل سياسيين وكتاب وإعلاميين وناشطين حقوقيين من كافة البلدان العربية مع الوسوم المتضامنة مع أهالي غزة، والمنددة بالقصف الصهيوني، فيما برز دور الذباب الإلكتروني التابع للسعودية مروجا إلى أن فلسطين ليست قضيتهم، والزعم بأن الوسم للاستعطاف، في محاولة للعبث بالرأي العام السعودي ونقل صورة مغايرة لرأي الشارع.
لكن ما يبدو أن ذلك يتوافق مع توجهات النظام السعودي وسياسة ولي العهد محمد بن سلمان، الذي ينظر له الإعلام الصهيوني، على أنه الأكثر دعماً للكيان، ويرى أن الأمر لو كان مرتبطاً به لكان التطبيع قد حصل، ويصف العلاقة بين الاحتلال والسعودية بأنها “علاقة حب”، ويعرب دوماً عن تأكده بأن المملكة ستنضم لركب المطبعين.
مبادرة السلام العربية التي رهنت السعودية التطبيع مع الكيان الصهيوني بتنفيذها طرحت خلال القمة العربية التي أقيمت في بيروت في 2002 وأقرتها القمة بالإجماع، وتدعو لإنهاء احتلال كل الأراضي العربية التي احتلتها الكيان عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها شرقي القدس، ومنح الفلسطينيين حق تقرير المصير.
وتنص المبادرة على إقامة دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967، وعاصمتها “القدس الشرقية”، وحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وانسحاب الاحتلال من هضبة الجولان السورية المحتلة والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان، مقابل اعتراف الدول العربية بالاحتلال، وتطبيع العلاقات معها.
وبالرغم من أن ما تنص عليه تلك المبادرة لم يتحقق أي منه، إلا أن ما يتكشف تباعا أن السياسة السعودية الحالية التي يديرها فعليا بن سلمان، غير معنية بالمبادرة، فبحسب صحيفة الجارديان البريطانية، فإن نظرة ولي العهد للقضية الفلسطينية مخالفة لنظرة والده وأعمامه بشأن ضرورة العودة إلى خطوط 1967 كنقطة بداية للسلام.
وبحسب مراسل الصحيفة في الشرق الأوسط مارتن شولوف، فقد تم الاتفاق على صفقة تطبيع بشكل أو بآخر خلال فترة الرئيس السابق دونالد ترامب، المضطربة ونوقشت بالكامل بين صهر الرئيس جاريد كوشنر وبن سلمان، الذي يحمل فكرة مختلفة عن الصراع الفلسطيني الصهيوني مقارنة بتلك التي تبناها قادة السعودية.
وتقيم السعودية علاقات سرية تحظى بدرجة من العلانية المسربة ربما تكون متعمدة لتمرير التطبيع مع الاحتلال بشكل تدريجي، تجلت بقوة فيما تكشف بشأن صفقات برامج التجسس الصهيونية التي حصل عليها النظام السعودي لمراقبة الناشطين والمعارضين بالداخل والخارج، من خلال اختراق هواتفهم.
وتبنى ولي العهد خطابا سعوديا جديدا تجاه الاحتلال الصهيوني، حين قال إن “الإسرائيليين” لهم “حق” في أن يكون لهم وطن، فيما تتواصل الاستثمارات السعودية الصهيونية، خاصة بعدما تكشف عن صفقة مليارية بين الأميركي الصهيوني كوشنر، وصندوق الثروة السيادي السعودي الذي يرأسه بن سلمان.
الباحث السياسي الفلسطيني صالح أبو عزة، سبق وأوضح لـ”الرأي الآخر” أن هناك علاقات سرية بين الرياض وتل أبيب، وهي إحدى الأوراق الرابحة لولي العهد في الحصول على رضى الإدارة الأميركية التي يرأسها جو بايدن، الغاضب منه بسبب ملف حقوق الإنسان في السعودية، وفشله في حسم حرب اليمن.
وأوضح أن السعودية على رأس قائمة الدول العربية المرشحة للتطبيع مع الاحتلال، إلا أنها تسعى لقطف ثمار هذا التطبيع بموافقة إدارة بايدن بتولي بن سلمان للحكم خلفاً لوالده بعد وفاته.
وأكد أبو عزة، أن الرياض تتخذ مواقف سلبية من القضية الفلسطينية، في مقابل مواقف إيجابية تجاه الاحتلال، لافتاً إلى أن العلاقات بين الرياض وتل أبيب قائمة في أغلب المجالات الحيوية دون الوصول إلى تبادل البعثات الدبلوماسية والسفراء.