كتب: محمد عبدالعزيز الأنصاري
مثل بقية دول العالم، نعيش في قطر فترة هلع بسبب انتشار فيروس كورونا المتحور «أوميكرون»، ما أدى إلى تكدس الناس على أبواب المراكز الصحية والعيادات التابعة لمؤسسة الرعاية الصحية الأولية، وبأعداد مهولة، في منظر مستغرب ومخيف، وكأن الدولة لم توفر اللقاح بتاتاً ضد الفيروس، أو أن الجميع ينتظر جرعته الأولى، أو أن الدولة لم تتعامل مع ما هو أصعب من هذه المعضلة في السابق، ولا توجد لديها إمكانات، وأننا على مشارف انهيار في القطاع الصحي، لا سمح الله.
وكم من صورة ومقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، لأعداد كبيرة من المواطنين والمقيمين الذين توافدوا على المرافق الصحية في البلاد، طلباً لإجراء فحص PCR، للتأكد من خلوهم من الفيروس بعد الانتشار المهول له، في مشهد فوضوي عانى فيه الكثيرون، بسبب غياب الاستعداد والتنسيق الجيد لمثل هذا الوضع، علماً أن هذه السلالة من الفيروس بدأت في الانتشار في عدة دول على مستوى العالم قبل أن تنتشر في منطقتنا وفي قطر بالتحديد، أضف إلى ذلك أن الغالبية العظمى ممن تهافتوا على الفحص لم تبدُ عليهم أعراض الإصابة، وجاءوا بسبب الشك والخوف، وآخرون مصابون برشح موسمي بسبب البرد، علاوة على عودة غالبية المسافرين من الخارج، مع نهاية إجازة منتصف العام، لإجراء الفحص الإجباري، بعد أن تحدوا كل التحذيرات والنصائح بعدم السفر في ظل هذه الظروف، من أجل متعة مؤقتة.
كان التفاعل مع هذه الظاهرة كبيراً، إذ حظيت بمتابعة واهتمام الكثير من أفراد المجتمع، الذين أغرقوا وسائل التواصل الاجتماعي والمجالس بأحاديث وآراء واقتراحات وانتقادات وإشادات. كلٌ أدلى بدلوه، وأغلبهم كان (منتقداً)، وليس (ناقداً)، إذا أخذنا في الاعتبار الفرق بين الكلمتين، فالمنتقد بلهجتنا المحلية تعني (المتسبب)، الذي يتصيد الأخطاء دون اقتراح حلول، أما الناقد فقد يكون أقرب إلى (الداعي للإصلاح)، الذي يبين الأخطاء ويقترح الحلول لها.
بالعودة إلى قضيتنا الرئيسية، أنا عايشت شخصياً هذه التجربة، عندما اضطررت للذهاب إلى أكثر من مرفق صحي، من ضمنها مستشفى حمد العام، وشاهدت التكدس بأم عيني، أعدادٌ كبيرة جداً، وطوابير طويلة وصل بعضها إلى الأرصفة الخارجية لتلك المرافق، من أجل إجراء مسحة PCR، ناهيك عن طوابير طويلة أخرى لسيارات، اضطُر أصحابها للانتظار لأكثر من 5 ساعات، لإجراء هذه المسحة، التي لا تستغرق أكثر من دقيقتين.
وبناءً على ما شاهدته، وعلى الرغم من كل تلك الفوضى، تيقنت أن لدينا كادراً طبياً في الدولة، أقل ما يمكن أن يقال عنه بأنه «قدها وقدود»، وأعني هنا الكادر المكون من الأطباء والممرضين والعاملين بشكل مباشر مع المرضى، والذين يبذلون أقصى جهد لديهم من أجل التخفيف عن المراجعين، وتقديم العون والعلاج لهم في أسرع وقت ممكن، فكل التحية والتقدير لهذا الجيش الأبيض، ولكل من يعاونه في أداء مهامه.
ولكن أين الخلل؟، ما الذي أدى إلى تلك المظاهر المؤسفة؟، أين تكمن المشكلة؟.
من وجهة نظري، إضافة إلى الأسباب السابق ذكرها، من هلع وعودة المسافرين وعدم الاستعداد المسبق، هناك سبب أراه أساسياً، وهو غياب المسؤول الإداري، أو غير الطبي، عن موقع الحدث، صحيح أن الأمر يتعلق بالصحة والطب، ولكن الموقع نفسه يحتاج إلى إدارة مسؤولة تقوم بتنسيق العمل فيه، والتحدث مع المراجعين، من أجل المساهمة في تسهيل سير الإجراءات، والأخذ بخاطر المراجعين، على أقل تقدير. فتواجد هذا المسؤول سيخفف العبء على الطبيب والممرض وكل من له عمل مباشر مع المراجعين، تخيلوا أن يترك الطبيب أو الممرض مراجعاً قد يكون في وضع سيئ، من أجل تنسيق إداري أو إجرائي!.
أين المسؤولين؟
يطل علينا مسؤولون كثر من القطاع الصحي في وسائل الإعلام، وبشكل يومي للتحدث عن أمور الجائحة وأمور أخرى، وهذا جهد مشكور ومقدّر، ولكن هذا ليس كل شيء، نحن في وقت يتطلب منا كل حسب موقعه، بذل أكثر من الجهد المطلوب منه لاحتواء هذه الجائحة، لماذا لا يكلف المسؤولون في القطاع أنفسهم عناء التواجد في المرافق الصحية في الدولة للمساعدة في التخفيف من ظاهرة الازدحام وتكدس الناس؟، هذه الظاهرة بحاجة إلى جهد إداري وليس طبياً.
كم من طبيب أو ممرض خرج من المركز ليخاطب الجمهور تاركين مرضاهم، وكم من ولي أمر بحث عن مسؤول ليطرح مشكلته أو احتياجاته عليه، وللأسف لم يجد من يتحدث معه!، أغلب كبار المسؤولين في القطاع الصحي ملتزم بمواعيد العمل الرسمية، من الصباح إلى ما بعد الظهر، ثم يعود إلى بيته وكأن مثل هذه المشكلات لا تعنيه، وأفضل شيء يفعلونه غير العمل الإداري التقاط الصور في المناسبات المختلفة، كاليوم الوطني أو اليوم الرياضي، أين أولئك المسؤولون الذين يُسمع رنين أسمائهم ومناصبهم في بطاقات البزنس كارد الخاصة بهم؟، تقرأ على البطاقة «مساعد وزير، مدير تنفيذي، خبير إستراتيجي، قائد تخطيط، كبير المستشارين، ورئيس قطاع “ وغيرها من المناصب التي ما أنزل الله بها من سلطان، مناصب ومسميات توحي لك بأنك أمام أحد قادة أكبر جيوش العالم ومستعد لخوض أعظم معركة نضالية، ولكن في الحقيقة يذهب للعمل ٧ صباحاً ويعود ٣ عصراً بعد أداء أعماله المكتبية الروتينية.
وبالحديث عن الجيوش، ليت أولئك المسؤولين يحذون حذو قادة تلك الجيوش، الذين يتواجدون في أرض المعركة، لأنهم دائماً في مقدمة الصف مع أفراد قواتهم، ولكن أين ربعنا عن مرافقهم؟، أليس من الأولى تواجدهم في كل المستشفيات والمراكز الصحية، يوزعون المهام ويستقبلون الناس لوضع الحلول واستدعاء ما يحتاجه هذا المركز أو ذاك، لأنهم مسؤولون وأصحاب قرار… أليس من باب المسؤولية أن يذهب أصحاب العلاوات والمكافأة ورؤساء اللجان العليا، التي لو جُمعت مكافآتهم لأطعمت الفقراء والمحتاجين في الدول المنكوبة، لتفقد تلك المستشفيات والمراكز ووضع اليد على الجرح لطلب الإمداد وحل المشكلات؟، هل هم مشغولون فعلًا فيما هو أهم من صحة الإنسان؟، ألا يعلم هؤلاء القوم، أبطال المسميات، أن وجودهم في الميدان، وفي مثل هذه الظروف تحديداً، أهم من وضع الخطط والإستراتيجيات المستقبلية والتفكير خارج الصندوق كما يدعون!، أما آن الأوان لأن يأخذوا المبادرة والمسؤولية لزيارة المواقع لإيجاد الحلول بدلاً من انتظار المستويات القيادية الحكومية في الدولة للتدخل ووضع الحلول؟، إذا كنا سنعتمد على تعليمات من فوق في كل شيء فلماذا نحن مسؤولون؟، وعن أي شيء نحن مسؤولون؟ ألا يعلم المسؤول أن التعليمات لن تأتي من مصدر أعلى منه إلا في حالة فشله هو في تحمل مسؤولياته؟.
أوجه سؤالي للمسؤول في القطاع الصحي لماذا تنتظر الحكومة وقيادتها لاتخاذ القرارات التنظيمية التخصصية بدلاً منك؟ لماذا نلقي اللوم، في حالات الفشل، على من هم أعلى وأقل منا منصباً، وفي المناسبات البطولية الأسطورية نتصدر المشهد!، أما آن الأوان لأن تخرج النعامة رأسها من تحت التراب؟، لماذا يفضل المسؤول التحول إلى موظف إداري يصدر التعاميم والفرمانات الرنانة، وفي وقت الأزمات يدعي عدم المسؤولية وأن هذا العمل ليس من شأنه ولا يدخل ضمن اختصاصاته ويرى زملاءه في القطاع الصحي تحت الضغط الرهيب، بل إن بعضهم يزيد الطين بلة بتلقي طلبات الواسطات والمحسوبيات لعلاج هذا أو ذاك.
كلها تساؤلات راودتني وأحببت أن أتشاركها معكم، لعل وعسى أن تجد آذاناً صاغية، وتسمع قول الشاعر «وكم من شدة كشفت معادن أهلها، إن الشدائد للورى غربالُ».. والله من وراء القصد.
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”