كتب: د. محمد صالح المسفر
عندما انعقدت قمة مجلس التعاون في دورتها 42 في الرابع عشر من شهر ديسمبر الماضي في الرياض خرجت علينا بعض وسائل الاعلام ووسائل الاتصال الاجتماعي تنادي بأنه حان الوقت لانضمام كل من العراق وإيران لمنظمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وراحت بعض وسائل الاعلام الصحفية تعيد نشر بعض الدعوات في هذا الشأن والتي مر عليها بضع سنين، أسوق نماذج من تلك الاجتهادات نواب كويتيون طالبوا بضم العراق وإيران واليمن عام 2014، وأشار النائب الكويتي عدنان عبد الصمد إلى أنه « لو تم تأسيس منظومة سياسية إقليمية تضم إيران والسعودية فإن ذلك سيكون أكبر انفراج لغالبية المشاكل المعقدة في المنطقة».
معهد دراسات دول الخليج العربية في واشنطن في 30 /5 /2021 دعا الى انشاء نظام أمني خليجي يضم العراق وايران الى دول مجلس التعاون. الأمير تركي الفيصل في محاضرة له في مركز الدراسات الاستراتيجية في أبو ظبي في 22 /3 /2017 طالب بضم اليمن الى مجلس التعاون مبررا ذلك بقوله «اليمن جارنا وخاصرتنا الجنوبية وأمنه واستقراره من أمن دول مجلس التعاون ولكي لا يبقى مطمعا لمن لا يرد بنا خيرا فإن انضمامه الى مجلس التعاون ضرورة أمنية».
(2)
أتفق جملة وتفصيلا بما أورده الأمير تركي الفيصل «مدير المخابرات السعودية السفير السعودي الأسبق في لندن وواشنطن على التوالي» بأن ضم اليمن الى مجلس التعاون ضرورة قومية ووطنية وأمنية. أما الداعون الى ضم العراق اليوم الى مجلس التعاون فإنها دعوة مشبوهة، فالعراق اليوم سلطته السياسية طائفية بامتياز، أي أنها مبنية على المحاصصة الطائفية والعرقية، ودول الخليج أنظمة سياسية ملكية وراثية ليست مبنية على أسس طائفية أو عرقية، وعلى ذلك فإنه يجب إعادة تأهيل العراق أولا ليقف على صعيد وطني بعيدا عن نظام المحاصصة والتبعية والعرقية ومن ثم مرحبا بالعراق في مجلس التعاون. كما أن الداعين إلى إنشاء «نظام أمني إقليمي يضم إيران إليه» فإن ذلك الأمر يستعصي على أهل الخليج لأسباب كثيرة.
(3)
إذا كان اليمن الشقيق خاصرتنا الجنوبية، كما قال الأمير تركي آل سعود، فإن المملكة الأردنية الهاشمية خاصرتنا الشمالية وعلينا واجب قومي وأمني بأن يكون البلدان جزأين لا يتجزآن من مجلس التعاون الخليجي، وقد يقول قائل بأن اليمن نظام جمهوري وما ندعو اليه أنظمة ملكية وراثية بما في ذلك الأردن الشقيق فإن الرأي عندي بأن اليمن اليوم يمكن إعادة تشكيله ليس بعودة النظام الملكي الإمامي ليحكم اليمن وانما بانتشال اليمن من براثن الفوضى والنعرات القبلية والتجزئة والتفكك ليصطف الى جانب النظم القائمة في الخليج العربي عن طريق وضع مشروع قومي عربي لاعادة اعمار اليمن والنهوض بمستوى التعليم والصحة والإدارة العامة ووضع برامج خمسية للتنمية الشاملة وفي خلال عشر سنين سنرى وجه اليمن العربي تغير واصبح إضافة الى أمن الخليج واستقراره. إن أي مشروع لابقاء اليمن ضعيفا ومفككا لا يخدم أمن الخليج العربي عامة ولا أمن جواره الجغرافي خاصة وأقصد بذلك السعودية وعمان. إن اليمن شعبا وأرضا مخزن استراتيجي لا يمكن قهره أو تجاهله، 40 مليونا من البشر هم أهل صدق وامانة ووفاء وثروة قومية لم يتم اكتشاف إلا الجزء القليل منها.
(4)
الأردن خاصرة مجلس التعاون الخليجي الشمالية وهو الطوق المنيع للتصدي لكل من يريد بأهل الخليج والجزيرة العربية شرا، فهذا القوس الجغرافي الممتد من خليج العقبة غربا وصولا الى الرمثا ومنها الى طريبيل على الحدود العراقية الأردنية في محافظة الانبار شرقا يشكل السور الواقي لحماية الخليج والجزيرة العربية من أي محاولة اعتداء أو تهريب بما يضر أمن المنطقة واستقرارها. الشعب الأردني مرتبط قبليا وعرقيا بالخليج والجزيرة العربية، فقبائله تنتمي الى قبائل قحطانية وعدنانية وبني كندة الأكرمين وشعب الأردن رجال أشداء في مواجهة الأعادي وحتى الذين هاجروا أو مروا بارض الأردن وأقاموا فيها وتناسلوا أبا عن جد ورثوا عادات وتقاليد عرب الأردن وأصبحوا جزءا من نسيجه الاجتماعي.
(5)
ما أريد قوله إن الأردن الشقيق يعتبر مكسبا قوميا لدول مجلس التعاون ومن الملاحظ ان الإمارات والأردن بينهما تعاون وجرت مؤخرا مباحثات بين الطرفين لتعزيز علاقات التعاون العسكري، وهناك تعاون بين الأردن وسلطنة عمان وتعاون وتنسيق واستثمارات قطرية بلغت ما يقرب من خمسة مليارات دولار قابلة للنمو ووفرت قطر ما يقارب 10000 فرصة عمل للأردنيين، واليوم السعودية تجري مناورة عسكرية مشتركة مع الأردن وتنسيقا يوحي بالثقة بين الجانبين وليست مملكة البحرين والكويت بعيدتين عن التعاون والتنسيق مع الأردن في مجالات متعددة.
لا شك أن الأردن تشح فيها الموارد الطبيعية مثل اليابان ولكن تتوفر فيه العقول الخلاقة على مستوى التعليم والصحة والتنظيم والادارة والرجال الاشداء وغير ذلك واذا قدمت دول مجلس التعاون للاردن الشقيق هدايا مالية مخصصة للتعليم والارتقاء بمؤسساته والصحة، فان ذلك سيعود بالنفع على اهل الخليج. أذكّر بأن دول الخليج العربي بلغت هداياها لمؤسسات التعليم في أمريكا في الفترة الواقعة بين (1995ــ 2007) 321,618,687 مليون دولار أمريكي، فماذا استفادت دول الخليج من هذه المؤسسات التعليمية؟ دولة خليجية واحدة قدمت هدية مالية لإحدى الجامعات الأمريكية مبلغ 93 مليون دولار وتدفع مصاريف طلابها ان بعثت الى تلك الجامعة طلابا، فماذا كان العائد على الدولة الخليجية أو العرب عامة؟!.
إن الفائدة ستكون أعظم وأبلغ تأثيرا في الأردن ودول مجلس التعاون الخليجي لو صرفت تلك الأموال على الجامعة الأردنية واليرموك ومؤتة وجرش وغيرها من الجامعات والمعاهد العلمية.
قد يقول قائل بأن الأردن معشعش فيه الفساد، والرد على هذا القائل الفساد مرض عالمي ويمكن الحد منه وتحجيمه بخلق مشاريع وتمويلها والإشراف على تنفيذها وليست هبات نقدية يمكن السطو عليها.
آخر القول: الأردن واليمن خاصرتا مجلس التعاون، فادفعوا بانضمام الخاصرتين إلى بقية الجسد الخليجي، ولن تندموا وأنتم الرابحون، ولا تجعلوا الأردن واليمن أسيري حاجة.
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”
المقالة السابقةمتغيرات متوقعة