شدوى الصلاح
بعدما كانت السلطات السعودية تفتخر بحماية أميركا لها، واستنزفت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، خزينتها بدعوى حماية ظهرها من المتربصين، وجعل منها مسخرة أمام العالم بقوله إنها لن تصمد 12 دقيقة لولا الحماية الأميركية، باتت تستجدي المساعدة لتجديد دفاعاتها الجوية المستنفذة، في ظل مواصلة الحوثي استهداف عمقها الداخلي.
في خطوة ربما تمهد الطريق لإعلان السعودية استعانتها بمنظومة دفاع صهيونية أقدمت على شراءها مطلع العام الماضي، بالتزامن مع وصول الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى البيت الأبيض بعد حملة انتخابات أعلن خلالها رفضه لحرب اليمن التي تقول الأمم المتحدة إنها تسببت في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، فضلا عن موقفه المناهض للسلطة السعودية.
صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، نقلت عن مصادر وصفتها بالرفيعة قولهم إن السعودية طلبت من عدد من دول الخليج مساعدتها على زيادة مخزون صواريخها الاعتراضية من أنظمة باتريوت، بسبب تزايد الهجمات التي يشنها الحوثي من اليمن؛ مشيرة إلى قول مصدر أميركي إن هذه مسألة ملحة.
المصدر الأميركي أشار أيضا إلى أن الرياض قد تتلقى صواريخ اعتراضية من دول خليجية، كخيار أسرع من البيع المباشر من الولايات المتحدة، مضيفا أن ترسانة الصواريخ لدى السعودية قد تنتهي في غضون أشهر قليلة، وأن الحصول على صواريخ لمنظومة باتريوت من دول أخرى يجب أن يتم بموافقة الإدارة الأميركية.
ليست هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها الإعلام الغربي عن نقص مخزون الأسلحة الدفاعية للمملكة، فقد نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، في ديسمبر/كانون الأول 2021، على لسان مسؤولين أميركيين وسعوديين، قولهم إن الأزمة تتعلق بشكل أساسي بالصواريخ التي يمكنها التصدي للطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية.
وأوضحت أن هذا الأمر دفع الرياض لطلب المساعدة من واشنطن بل وحتى من حلفائها الخليجيين والأوروبيين، لأنها تخشى من أنه بدون وجود مخزون كافٍ من صواريخ باتريوت الاعتراضية، فإنه من الممكن أن تؤدي الهجمات الحوثية المستمرة إلى خسائر كبيرة في الأرواح أو إلحاق أضرار بالبنية التحتية النفطية الحيوية.
وفي سبتمبر/أيلول 2021، وفي ظل مواصلة الحوثيين هجماتهم على المملكة، كشفت وكالة “أسوشيتد برس” أن أميركا سحبت بعض منظوماتها الدفاعية المتطورة بما فيها بطاريات صواريخ “باتريوت” من السعودية منذ أغسطس/آب من العام ذاته، مستندة على صورا فضائية التقطتها شركة Planet Labs.
وتظهر الصور سحب عددا من بطاريات “باتريوت” ومنظومة دفاعية من طراز “ثاد” تابعة للجيش الأميركي كانت قد نشرت أصلا في قاعدة الأمير سلطان الجوية، على مساحة نحو كلم مربع جنوب غربي مهبطها بعد هجوم الحوثيين على شركة أرامكو في 2019، موضحة أن منصات تلك البطاريات في الموقع أصبحت خالية.
وفي أعقاب سحب أميركا لمنظومة دفاعها، كشف بريكينغ ديفينس الأميركي المختص بالشؤون العسكرية، أن السعودية تدرس بدائلها، ومنها: الصين وروسيا والاحتلال الصهيوني، في خطوة كانت تبدو مستحيلة قبل سنوات، مؤكدا أن القبة الحديدية، التي تنتجها شركة “رافائيل”، المصممة لاعتراض صواريخ كروز هي الأكثر واقعية.
وأشار إلى أن الاهتمام السعودي بالأنظمة الصهيونية وصل إلى مرحلة عملية للغاية، لافتا إلى أن السعوديين أجروا محادثات منخفضة المستوى مع الاحتلال لعدة سنوات حول مثل هذه الأنظمة، لكن المحادثات بدأت تستهلك المزيد من الطاقة بمجرد أن أصبح واضحا أن واشنطن ستزيل أصولها الدفاعية الجوية من المملكة.
وكشف تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ومقره واشنطن، عن أن هجمات الحوثي ضد السعودية، سجلت ارتفاعاً خلال 2021، مقارنة بالعام الماضي ليصل إجمالي الهجمات الحوثية إلى 702 خلال 9 أشهر، ونُفذت بصواريخ باليستية وكروز وطائرات مسيرة مفخخة.
فيما أعلن التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن في ديسمبر/كانون الأول 2021، أن جماعة الحوثي أطلقت 430 صاروخا باليستيا و851 طائرة مسيرة مسلحة على أراضي المملكة منذ بدء الحرب في مارس/آذار 2015، ما أسفر عن مقتل 59 مدنيا، متهما إيران وحزب الله اللبناني بمساعدة الحوثي على إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة.
وهي الذريعة التي تستخدمها السعودية لمواصلة حربها على اليمن المستمرة منذ قرابة الثمان سنوات والتي أثبتت الأحداث أنها مجرد حجة خاصة في ظل مساعي الرياض للتقارب مع طهران عبر وساطات مختلفة، بالإضافة إلى التمهيد لإقامة علاقات رسمية مع الاحتلال الصهيوني بدعوى أنه طوق النجاة من أخطار إيران ومن ثم الوصول لتطبيع علني معه.
وأيا كان عدد الهجمات التي شنتها الحوثي ضد السعودية، فإن الثابت أن المملكة باتت تستقبل صواريخ الحوثي كأسراب جراد، تدفعها لمواصلة استجداء أشقاءها الخليجيين لتزويدها بالباتريوت الدفاعي، رغم تأكيدات متخصصين عسكريين أن الصواريخ الاعتراضية، التي تبلغ تكلفتها نحو مليون دولار لكل صاروخ، هي السلاح الخطأ.
ويبررون رؤيتهم بأنه من غير المنطقي أن تستنفذ المملكة مخزونها الاستراتيجي من الباتريوت المصممة بالأساس لاعتراض هجمات الصواريخ الباليستية على ارتفاعات عالية، والتي كثيرا ما اضطرت المملكة لمواجهتها منذ تدخلها باليمن، لمواجهة الطائرات الصغيرة بدون طيار رخيصة الثمن نسبياً والمتاحة على نطاق واسع.
ولأن السلطات السعودية لن تعترف بواقعها العسكري ولأن هذه معلومات حساسة من الصعب الإعلان عنها، إلا أنه من زاوية أخرى، ربما يكون الحديث عن مؤشر نفاذ الباتريوت، تمهيدا لاستعمال منظومة القبة الحديدية التي كشف مركز اتلانتيك الأميركي في أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن الاحتلال الصهيوني سمح بدخولها السعودية منذ بداية 2021.
وأشار حينها إلى أن تل أبيب أدخلتها ضمن القواعد الأميركية المتمركزة في السعودية، لافتا إلى أن هذه الخطوة جاءت بديلًا لحماية المواقع الحساسة للمملكة؛ وكشفت حينها مصادر مسؤولة للإعلام عن أن جنود من الجيش الصهيوني سيقيمون بقواعد عسكرية في السعودية لمتابعة القبة الحديدية.
وتزامن دخول القبة الحديدية للمملكة، مع بداية تسلم بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، بعدما كان مصير علاقات بلاده مع السعودية ودول الخليج إحدى الأوراق البارزة التي استخدمها في حملته الانتخابية، إذ أعرب بوضوح أن لا مزيد من الشيكات على بياض للسلطة السعودية -في انتقاد لسياسة إدارة ترامب مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان-.
وأعلن بايدن حينها أيضا أن إدارته ستنهي دعمها للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، خاصة في ظل وجود معارضة واسعة داخل الكونغرس الأميركي لانخراط واشنطن في الحرب من خلال بيع أسلحة للسعودية واستثمارها في الحرب برأس مال دبلوماسي، وسط مطالبات بإيقافها الفوري.
والقبة الحديدية هي نظام دفاع جوي بالصواريخ ذات قواعد متحركة، طورته شركة رافئيل الصهيونية لأنظمة الدفاع المتقدمة والهدف منه هو اعتراض الصواريخ قصيرة المدى والقذائف المدفعية، وتشمل جهاز رادار ونظام تعقب وقاذفات الصواريخ التي تتلقى التعليمات من وحدة التحكم وتستطيع اعتراض صواريخ في مدى 70 كيلومترا.