تقترب الذكرى الـ11 لثورة 25 يناير/كانون الثاني، التي أطاحت بالرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، بعد 30 عاما من الفساد ونهب أموال الدولة والظلم والاستبداد، ليتنحى بعد 18 يوما صمد فيها الشعب المصري بالميادين المختلفة وأشهرها ميدان التحرير، واستشهد وجرح فيها مئات المصريين.
وكان أبرز شعارات الثورة المصرية “عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية”، والتي بدأ مخاضها منذ عام 2004 مع تأسيس الحركة المصرية من أجل التغيير “كفاية”، من رموز سياسية وفكرية وثقافية اجتمعوا معا رغم اختلاف اتجاهاتهم على رفض التجديد لمبارك في فترة رئاسة خامسة.
كما رفضت الحركة مشروع التوريث، الذي كان يُمهد له إعلاميا وسياسيا لتولي جمال ابن مبارك رئاسة مصر خلفا له، حيث رفعت شعاري “لا للتمديد لا للتوريث”، وصيغت وثيقة تأسيسية تطالب بالتغيير السياسي للبلاد، وإنهاء الظلم والفساد الاقتصادي والسياسي.
وفي عام 2005، أجريت انتخابات برلمانية ورئاسية زعزعت صورة النظام نسبيا وسط وقائع مثبتة للتزوير والاعتداء على المنافسين والصحفيين ، ليتم إعادة الكرة ذاتها مع انتخابات مجلس الشعب لعام 2010، التي اتسمت بالتزوير الفاحش.
إضافة إلى تفجيرات الكنائس المستمرة، وحوادث القطارات المتكررة، وانتشار البطالة، وإحكام القبضة الأمنية وفساد الشرطة، وتزايد الاحتجاجات من قبل المواطنين أمام المخابز ومستودعات أنابيب الغاز للحصول على أساسيات الحياة بشق الأنفس.
ثم جاءت الشرارة بقتل الشاب خالد سعيد في 6 يونيو/حزيران 2010، على أيدي عناصر من الشرطة بمدينة الأسكندرية بعد نشره مقطع فيديو على شبكات التواصل تظهر فساد الأجهزة الأمنية، كما لفقت له تهم الإدمان وادعت الشرطة أنه انتحر بسبب ابتلاعه “لُفافة بانجو”.
ودشن ناشطون مصريون آنذاك صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك باسم “كلنا خالد سعيد”، لتهب رياح ثورة يناير/كانون الثاني 2011 التي عصفت بمبارك ورجاله، لنجد سؤالا يطرح نفسه هل حققت الثورة المصرية مطالبها أم لا زال الفساد والانتهاكات مستمرة؟.
فقد ظل الشعب متمسك بالأمل في ثورته وتحقيق تغيير ونهضة شاملة وحياة عادلة، لا سيما مع إجراء انتخابات رئاسية في عام 2012، والتي جاءت بأول رئيس مدني منتخب هو الراحل محمد مرسي، الذي لم يمكث في حكم البلاد سوى عام واحد، لينقلب عليه وزير الدفاع وقتها عبدالفتاح السيسي في يوليو/تموز 2013.
وفي عام 2014، تولى السيسي حكم مصر بعد أن خلع زيه العسكري وأجرى انتخابات هزلية تم الإعداد لها بين أروقة مباني المخابرات ووزارتي الداخلية والدفاع، ليعود الحكم العسكري ثانية وتتوحش المؤسسة العسكرية، التي أصبحت متوغلة ومتحكمة في كافة أوصال الدولة.
وبعد أن شهد زعماء وشعوب العالم للمصريين بنجاح ثورتهم التي وصفت بأنها أعظم ثورات التاريخ الحديث، انقلبت الآية وبات الحديث يدور حول انتهاك حقوق الإنسان والحريات واكتظاظ السجون والمعتقلات بالنشطاء السياسيين والصحفيين، وحتى من عامة الناس من ليس لهم نشاط سياسي لمجرد اعتراضهم على سوء الأوضاع المعيشية.
ومع اقتراب ذكرى الثورة، خرجت دعوات تنادي بالنزول للشارع اعتراضا على تدهور الأوضاع في كافة المجالات، وادعاء السيسي المستمر بنقص الميزانيات اللازمة لإصلاح قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية، إذ لايزال وسم “ارحل يا سيسي” يتصدر تويتر لليوم الثامن على التوالي.
بينما تتوفر الميزانيات للمؤتمرات التي يعقدها رئيس الانقلاب دوريًا، حيث كلف منتدى الشباب العالمي الأخير بمدينة شرم الشيخ، 600 مليون جنيه، لتحسين صورته الملطخة بدماء ضحايا المجازر في ميدان رابعة والنهضة والمنصة، بعد انقلابه على الرئيس الراحل مرسي.
وفي محاولة من السيسي لتهدئة غضب الشارع المصري أصدر قبل أيام قرارات اقتصادية، تضمنت رفع الحد الأدنى للأجور، وصرف علاوات وحوافز لموظفي القطاع العام، إضافة إلى قرار بتعيين 30 ألف مدرس سنوياً لمدة 5 سنوات، ليتبين أن تلك القرارات جاءت خشية من نزول المصريين في احتجاجات موسعة ضده.
ويعيش الشعب المصري أوضاعا اقتصادية صعبة، تتمثل في زيادة الضرائب وانخفاض الأجور وارتفاع أسعار السلع والخدمات الاستراتيجية وزيادة التضخم، ورفع الدعم بالتدريج اتباعا لسياسات صندوق النقد الدولي، بعد القروض التي استدانتها مصر، إذ يترقب المصريون إلغاء الدعم كاملًا عن الكهرباء والمياه والطاقة والمواصلات العامة والسلع التموينية.
وفيما يخص الملف الحقوقي، تدعي سلطات الانقلاب من حين لآخر أن السجون خالية من المعتقليين السياسيين، في حين أن إحصاءات المنظمات الحقوقية المحلية والدولية تؤكد وجود أكثر من 60 ألف معتقل رأي مسجونين ظلما دون إجراء محاكمات حقيقة.
وفي 13 يناير/كانون الثاني الجاري، قالت منظمة “هيومان رايتس ووتش”، في تقريرها العالمي 2022، إن إجراءات السلطات المصرية السطحية لخلق انطباع بالتقدم في ملف حقوق الإنسان لم تخفِ القمع الحكومي الوحشي لكافة أطياف المعارضة عام 2021.
وأكدت أن الحكومة استبدلت أحكام مرسوم الطوارئ بقوانين أخرى، لمقاضاة الحقوقيين والنشطاء السياسيين السلميين، مشيرة إلى استخدام الأجهزة الأمنية لقوانين الآداب والفجور العنصرية لاحتجاز الناشطات المؤثِّرات على وسائل التواصل الاجتماعي بتُهم “الإخلال بقيم الأسرة”.
وأكدت المنظمة في تقريرها، أن العناصر الأمنية تصرفت بمأمن من العقاب، وارتكبت بشكل اعتيادي الاعتقالات التعسفية، وتعذيب النشطاء السياسيين والمشتبه بهم من عامة الشعب.
ولفت التقرير إلى أوضاع المصريين الصعبة في سيناء، إذ فرض الجيش قيوداً مشددة على حرية التنقل، وهدم مئات المنازل وجرف الأراضي الزراعية، معتبرة الانتهاكات في شمال سيناء تمثل جرائم حرب.
وذكرت المنظمة، واقعة القبض على رجل الأعمال المصري صفوان ثابت في ديسمبر/كانون الأول 2020، ونجله سيف في فبراير/شباط 2021، واحتجازهما احتياطيا بعد أن رفضا التنازل عن أصول شركتهما للسلطات المصرية.
وفي مارس/آذار 2021، أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في دورته الـ46 بيانا مشترك من 32 دولة، أعربوا فيه عن قلقهم العميق تجاه الملف الحقوقي في مصر، والقيود المفروضة على حرية التعبير والحق في التجمع السلمي، والتضييق على المجتمع المدني، وتوظيف قانون الإرهاب ضد المعارضين السلميين.
ليقابل كل ما سبق، دعوات للخروج رفضا للبطش والانتهاكات والفساد من قبل أجهزة الدولة المحتلفة، عززها حالة الغضب المتزايدة داخل مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري “ماسبيرو”، حيث يحتج آلاف العاملين يوميا جراء تأخر رواتبهم منذ شهور.