كتب: د. محمد صالح المسفر
لم أكن في حياتي يؤوسا رغم كل المحن والصعاب التي واجهتني طوال سبعين عاما، إلا أن اليأس والقنوط قد أصابني من فاعلية السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس ورهطه في حماية الشعب الفلسطيني وممتلكاته واستعادة حقوقه الشرعية من الغاصبين، وأنها أصبحت سلطة مهمتها حماية المستوطنات الإسرائيلية، وإصدار بيانات الشجب والإدانة، وفي هذا الشأن أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين في رام الله بيان إدانة “لتغول دولة الاحتلال واذرعها المختلفة بما في ذلك بلدية الاحتلال وطواقمها وشرطتها على أهل حي الشيخ جراح، واستقوائها الاستيطاني على أراضيهم ومنازلهم على مسامع وأبصار العالم الجمع”. وهذا دأب قيادة رام الله تجاه كل فعل تفعله إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه بما في ذلك العدوان الصهيوني على قطاع غزة بيت المقاومة الفلسطينية.
واكثر من ذلك مناشدة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بحماية الشعب الفلسطيني، لم تكلّ ولم تيأس قيادة هذه السلطة من استجداء الدول بتقديم المساعدات المالية لحكومة رام الله لكي تتمكن من دفع مرتبات كوادرها المتضخمة وتكاليف سفرات كبار موظفيها والتي لم تعد مجدية.
(2)
في الأسبوع الماضي وصل الى نيويورك وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني رياض المالكي للمشاركة في الاجتماع الوزاري “الجزئي” (شارك فيه ثلاثة وزراء خارجية فقط) لمجلس الأمن الدولي وألقى خطابا خلال الجلسة العلنية باسم “دولة فلسطين” وراح يدعو في كلمته أمام مجلس الأمن الأمين العام السيد أنطونيو غوتيرش للعمل مع مجلس الأمن لوضع حد لجرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. منها جرائم القتل العمد والدهس ونسف المنازل واقتلاع الأشجار المثمرة والاستيلاء على الأراضي الخاصة والعامة والتي تتزايد يوما بعد يوم لاعتقاد سلطات الاحتلال بأنها لن تجد رادعا مسلحا يردع المعتدين على أهلنا في فلسطين.
السلطة ملتزمة بتنفيذ نص اتفاق أوسلو الملعون وخاصة الجانب الأمني والذي يقضي بأن تتولى السلطة كبح أي مقاومة فلسطينية لنشاط قوى الأمن والجيش الإسرائيليين وكذلك حماية المستوطنين من أي اعتداء عليهم من قبل أهل الأرض الشرعيين، بينما المستوطنون يعتدون على اهل الضفة ويحرقون مزارعهم ويجرفون أراضيهم ويعتقلون من يقاومهم وجيش السلطة وشرطتها في سبات عميق.
جاء في تقرير مجلس الأمن المشار إليه (شهر يناير الحالي) انه في خلال شهر مايو الماضي وفي خلال 11يوما قتلت إسرائيل 242 فلسطينيا غير مسلح، كما قررت إسرائيل بناء 300 وحدة سكنية في القدس الشرقية وفي يناير الحالي قررت إسرائيل بناء 800 وحدة سكنية في القدس الشرقية بدلا من 182وحدة سكنية، كل هذه الأعمال لم تجد رادعا من السلطة الحاكمة في رام الله.
يوم الأربعاء الماضي يوم انعقاد مجلس الأمن الدولي بحضور وزير السلطة المالكي نشرت الصحف الإسرائيلية والعربية خبرا مؤداه أن جرافات الاحتلال هدمت منزل عائلة الصالحية في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية واعتقلت أصحاب الملك ومناصريهم من الفلسطينيين، وفي صحراء النقب اعتداءات إسرائيلية مسلحة على مواطنين فلسطينيين غير مسلحين بهدف الاستيلاء على ممتلكاتهم في النقب وهدم منازلهم وتجريف أراضيهم ونزع الحياه عن طرق اقتلاع الأشجار والاستيلاء على منابع المياه الجوفية.
(3)
إزاء هذا الصلف الصهيوني نقول لسلطة رام الله إن البكاء أمام مجلس الأمن الدولي لم يعد مجديا، ونسأل: ألم تجف دموعكم من كثرة البكاء أمام مجلس الأمن والمؤتمرات الدولية والعربية منذ عام1948م حتى اليوم؟.
لتحقيق أهدافكم واسترجاع حقوق الشعب الفلسطيني فإن الأمر يقتضي العودة إلى ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية قبل العبث به عام 1993 والتخلص من الذين اتخمتهم السلطة وتضخمت وانتفخت جيوبهم واصبحوا يكرهون حتى كلمة مقاومة العدو.
إن تجميد وإلغاء اتفاق أوسلو من قبل سلطة رام الله ضرورة وطنية فلسطينية لأن الإسرائيليين من جانبهم قد الغوه من جانب واحد، أن ممارسات قيادة السلطة الفلسطينية وتعاملها مع الإسرائيليين أدى إلى أن بعض القيادات العربية مع الأسف الشديد راحت تقيم علاقات مع الكيان الإسرائيلي وذلك على حساب الشعب الفلسطيني.
يقول مسؤول عربي مطبع مع إسرائيل “القادة الفلسطينيون يفطرون مع شارون قبل وفاته في مزرعته في القدس، ويتغدون على مائدة مردخاي ويتقارعون اقداح العصير في المساء مع بعض من قيادات الليكود وغيرهم من أحزاب إسرائيل وما علينا نحن العرب إلا دفع فواتير تلك اللقاءات الاجتماعية بين القيادات الفلسطينية وقيادات إسرائيل” يتحدث ذلك المطبع ويكاد يخرق مسامعي بحجج واهية وغير مقبولة بل مدانة بأشد عبارات الإدانة.
آخر القول: السلطة في رام الله انتهت صلاحيتها وحان موعد التغيير وإعلان الوحدة الوطنية الفلسطينية والعودة بها إلى ما قبل 1993م واستعادة الحقوق الفلسطينية يبدأ من رام الله وليس من نيويورك، هكذا علمنا التاريخ.
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”