شدوى الصلاح
عّد علماء وأساتذة شريعة إسلامية استمرار اعتقال الداعية السعودي الدكتور سلمان العودة منذ سبتمبر/أيلول 2017، جريمة وطغيان وتغييب متعمد لعلمه، مذكرين برمزيته واعتداله ورفضه للعنف والتطرف وشعبيته الواسعة في الداخل السعودي والعالم العربي والإسلامي.
وأشاروا في حديثهم مع الرأي الآخر، في ذكرى ميلاد العودة، إلى ما قدمه للأمة من عطاء علمي وفكري وإعلامي، ومساهمته في إرشاد الشباب وتوجيههم وتغذية عقولهم ببساطة خطابه الديني وقربة من الناس وقدرته على الوصول إليهم، مطالبين بإطلاق سراحه وكافة المعتقلين.
واستنكر العلماء إدانة العودة باتهامات باطلة لم يقترفها ويشهد تاريخه على براءته منها، وحرمان الشعوب من علمه وترك الساحة للروابض التافهين الموالين للسلطة والممجدين للسلاطين يتحدثون في شؤون عامة الناس ويبثون أفكارهم في تغييب متعمد لوعي الشباب.
الأمين العام لرابطة علماء أهل السنة الدكتور جمال عبدالستار، قال إن ذكرى ميلاد الدكتور العودة تذكرنا بالأعوام والأشهر والأيام التي تمر عليه داخل محبسه وقد حرم أن يحيا كالعلماء والأحرار والرواد وحتى كالإنسان الذي طالما انتصر له ودافع عنه وأحبه.
واستنكر حرمان الأمة من جهوده وعلمه وفكره وإنارته وتربيته وأدبه، مضيفا: “نتذكر كم ضُيعت على الأمة فوائد وأُهدر عمره وجهده ورمزيته المباركة بالحبس والاعتقال ظلماً وزوراً خلف القضبان افتراءا وطغيانا بلا جريمة اقترفها بدلاً من أن يكرم ويرفع على الرؤوس”.
وتابع عبدالستار: “أصبحنا نرى تكريماً للراقصين واللاعبين واللاهين، أما أهل العلم والفكر والتربية يقبعون خلف القضبان ويحرمون من الصدع بالحق ونشر دين الله سبحان وتعالى وتحرم الأمة من فضله وخيره وعطاءه”.
وأكد أنه لا يوجد مسلم حر يحب دينه وقيم الإسلام وقبلته ويحب أن ينتصر له يرضى عن هذا الوضع الأليم وهذه الإهانة للعلماء الكبار والمربين الفضلاء الأتقياء الأنقياء، جازما بأن ما يحدث للعودة يندى له الجبين.
واستنكر عبدالستار، أن يحدث ذلك في أرض يعرف الناس كم أعطاها الله تعالى من فضل وكرامة بأن جعل فيها الحرمين المكي والمدني، ومع ذلك كل هذه القيم تهدر الآن بإهدار العلماء الذين ورثهم الله تعالى ميراث النبوة ولكنهم يهانون هناك ويعتقلون.
واستهجن أن يحرم شيخ العلماء العودة من أبسط حقوق الحياة والإنسان، الشخصية والعلمية والنفسية، ويتهم باتهامات باطلة، لافتا إلى أن العودة لم يكن أبدا ضد أحد أو متآمر على بلده ولا على قومه ولم يكن إلا ناصحا أمين، وكان جزاء الأمانة والنصح هذا الافتراء والطغيان.
وبشر عبدالستار، بأن الشيخ سلمان وإخوانه سيخرجون وسينتصر الحق ويبقى أهله أعلاما وسيذهب أهل الباطل وينساهم التاريخ ويخلد أهل الصدع بالحق والثبات والقرآن، سائلا الله أن يعيده حرا بين أهله وإخوانه وتلامذته وقومه ومحبيه في العالم بأسره.
ودعا الله أن يفك أسر العودة وأسر المأسورين جميعاً وأن يعيد العلماء والمربين إلى ديارهم، وحلقات علمهم، وجهودهم، وأمتهم.
فيما قال عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور وصفي أبو زيد، إن الدكتور سلمان علم من أعلام هذه الأمة وداعية من دعاتها الأبرار ورباني من ربانيها وصاحب باع طويل في الدعوة وعلاقة مع جماهير المسلمين العريضة.
وأشار إلى أن الدعاة المعاصرين من أصحاب الفكر الرصين المعتدل والمتوازن والطرح الجديد الإنساني، ليس بينهم من هو مثل الشيخ سلمان الذي كان له حضور واسع كبير على وسائل التواصل الاجتماعي التي كان بارعاً فيها.
وأوضح أبو زيد، أن ميزة خطاب العودة أنه يخاطب الفطرة ويتناغم مع النفس البشرية ويتعرض للمشاعر الإنسانية الطبيعية ويحدث الناس من هذا المنطلق مستخدما في ذلك لغة سهلة قريبة من الناس محتكما إلى محكمات الشريعة الإسلامية من نصوص الكتاب والسنة والنبوية.
وأكد أن ما يتعرض له العودة ظلم كبير على كافة المستويات وخسارة عظيمة للأمة العربية والإسلامية والأجيال وتغييب للشباب وفقدان البوصلة، لأن العلماء هم الهداة والشداه والمنارات التي يهتدي بها الناس والعلامات التي يمشي على أثرها الأجيال.
وحذر أبو زيد، من أن تغييب العودة وإخوانه من العلماء والدعاة يؤثر على الشباب والأجيال، حيث يفتقدون العلماء الأعلام ولا يجدون في النهاية إلا أصحاب النفاق والتزلف للسلاطين والتبرير لكل ما يقوم به الحكام مما ينكره الشرع الشريف قرآن وسنة.
وأعرب عن أمله في الله أن يفرج عن العودة وغيره من إخوانه العلماء في مصر والإمارات وفلسطين والعراق وسوريا واليمن وتركستان الشرقية وغيرها من البلاد العربية والإسلامية، مختتما بقول الله تعالى في سورة يوسف: “وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ”.
ومن جانبه، قال أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الدكتور حاتم عبدالعظيم، إن الشيخ سلمان العودة منذ بدايته العلمية والدعوية رمز للاعتدال والوسطية والبعد عن الغلو والتطرف.
وأشار إلى أن العودة عرف بالتزامه بمنهج الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ولم يقل يوماً كلمة فظة أو نابية ولم يشرك في تحريض ولا فتنة، معربا عن استغرابه من أن يكون العودة وأمثاله قيد الاعتقال لسنوات.
وأكد عبدالعظيم، أن وجود أمثال هؤلاء العلماء الوسطيين ضمانة لأي مجتمع ولأي نظام يريد استقرار بلاده لأنهم وحدهم القادرون على ترشيد الشباب وحسن توجيههم وردهم عن دعاوى الغلو والتطرف بما لهم من تمكن علمي ومن قبول بين الناس.
وحذر من أن بقاء العودة وأمثاله قيد الاعتقال نوع من الجريمة المركبة التي لا تقتصر على حرمان إنسان من حقه في الحرية دون جريرة لكنها تتعدى إلى حرمان المجتمع من صوت العقل والحكمة والرشد.
ودعا عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إلى إطلاق سراح العودة وكل معتقلي الرأي دون أي إبطاء من منطلق القيم العليا للإسلام وللإنسانية، ومن منطلق المحبة لبلاد الحرمين الشريفين والحرص على استقرارها.