كتب: خليل العناني
شنّ الحوثيون في السابع عشر من الشهر الماضي (يناير/ كانون الثاني) عدة هجمات على أبوظبي، في ما تعرف بعملية “إعصار اليمن” التي شملت هجوماً بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة. وقد تلاحقت “موجات” الإعصار بمعدل هجوم كلّ أسبوع تقريباً، إذ وقع هجوم ثانٍ في الرابع والعشرين من يناير، وثالث في الحادي والثلاثين من الشهر نفسه. وفي الثاني من فبراير/ شباط الجاري، شنّ فصيل عراقي (ألوية الوعد الحق) هجوماً رابعاً على العاصمة الإماراتية بطائرات مسيّرة.
هجمات “إعصار اليمن” تعني اتساع رقعة الحرب في اليمن وأنّ مسرح عملياتها لم يعد مقتصراً عليه، وإنّما يمتد ليشمل أبوظبي التي أصبحت الآن في مرمى نيران الحوثيين، الذين استهدفوا أيضاً الرياض على مدار السنوات الماضية. وهو ما يعد تحوّلاً نوعياً وخطيراً، ليس في ما يتعلق بالحرب في اليمن فحسب، لكن أيضاً في ما يخص تطورات الصراع وتوازنات القوة في المنطقة. فحتى منتصف الشهر الماضي، كانت الإمارات آمنة ومطمئنة إلى أنّ مشاركتها في الحرب باليمن لن تكون بغير ثمن حقيقي، ولن تكون لها تداعيات داخلية، وأنّ نيرانها لن تصل إلى أراضيها، خصوصاً بعدما أعادت التموضع في اليمن وسحبت جزءاً مهماً من قواتها هناك، واكتفت بتجنيد المرتزقة ودعمهم، سواء من اليمن أو من خارجه، كي يخوضوا الحرب نيابة عنها. لكن بعدما وصلت نيران الحرب إلى أطراف الثوب الإماراتي، وإلى قلب العاصمة أبوظبي، فهذا يعني الحاجة إلى نوع ومستوى جديدين من توازن الردع والرعب مع الحوثيين.
كذلك، خلطت هجمات الحوثيين الأوراق بشأن الترتيبات الإقليمية الجديدة، والتي كانت قد بدأت في الظهور على خلفية التقارب السعودي – الإيراني والتقارب الإيراني – الإماراتي الذي كان قد سبق الهجمات، ووصل إلى مستويات جيدة من الحوار والتنسيق خلال الأشهر القليلة الماضية. أما الأخطر فهو أنّ هذه الهجمات أوضحت انكشاف الإمارات أمنياً وعسكرياً واستراتيجياً في مواجهة الحوثيين وحلفائهم في المنطقة. ولذلك، كانت الهجمات بمثابة صدمة نفسية وعقلية للحكام في أبوظبي، الذين هرعوا لطلب النجدة من حلفائهم الإقليميين والدوليين، خصوصاً إسرائيل وأميركا.
ولا تتوقف الخسائر الإماراتية من هجمات “إعصار اليمن” عند البعدين النفسي والأمني، فقد ضرب الإعصار، وبقوة، السردية التي روّجتها الإمارات، ولا تزال، عن نفسها طوال العقود الماضية بأنّها “واحة آمنة في قلب الصحراء”، فحسب تقارير عديدة، هناك حالة تأهب داخل القوات الأمنية والدفاعية الإماراتية، وكذلك داخل صفوف القوات الأجنبية الموجودة هناك، الأميركية والفرنسية وغيرها، فمعروف أنّ أكثر من أربعة آلاف جندي أميركي متمركزون في قاعدة الظفرة الجوية القريبة من مطار أبوظبي، وذلك من ضمن ترتيبات مرحلة ما بعد الخليج الثانية. وقد لعبت هذه القوات دوراً أساسياً في صدّ الهجوم الثاني للحوثيين على الإمارات من خلال استخدام منظومة صواريخ باتريوت، التي لم تستخدم منذ حرب الخليج الثانية. وهناك قلق أميركي من أنّ استمرار هجمات الحوثيين قد يؤثر على الاستقرار في الإمارات، وقد يعطّل مصالح الولايات المتحدة هناك، خصوصاً على المستويين الأمني واللوجيستي.
كذلك، تتجاوز تداعيات “إعصار اليمن” ودلالاته الأبعاد العسكرية والأمنية، كي تصل إلى البنية الاقتصادية والمالية والتجارية والسياحية للإمارات، فالاقتصاد الإماراتي يعتمد، بالإضافة إلى النفط، على التجارة والاستثمار الأجنبي الذي وصل العام الماضي إلى حوالي 20 مليار دولار، وكذلك على السياحة الأجنبية التي تتجاوز 20 مليون سائح سنوياً يدرّون دخلاً يصل إلى حوالي 20 مليار دولار، فالحروب والصراعات هي ألدّ أعداء الاستثمار والسياحة. وثمّة تقارير إخبارية عن انتشار المخاوف بين المقيمين الأجانب في الإمارات من تكرار الهجمات. وهناك تحذيرات أميركية وبريطانية صريحة لرعاياهم بتجنّب السفر إلى أبوظبي ودبي. وهي المرة الأولى التي نقرأ فيها هذه التحذيرات بخصوص الإمارات، وهو ما يؤشّر، بشكل واضح، إلى أنّ الوضع غير مستقر وغير مطمئن هناك.
قبل سنوات، وصف وزير الدفاع الأميركي الأسبق، جيمس ماتيس، الإمارات بأنّها “إسبرطة الصغيرة”، كناية عن مدينة إسبرطة اليونانية التي كانت تخوض حروباً خارجية عديدة أملاً في فرض هيمنتها وسيطرتها بما يفوق حجمها. ويبدو أنّ حكام الإمارات قد صدّقوا الأمر، وبدأوا يتصرّفون كما لو أنّهم بالفعل كذلك، فورّطوا أنفسهم، ولا يزالون، في حروب وصراعات ومؤامرات، وظنوا أنّ بلادهم ستكون في منأى عن تداعيات تلك الحروب، وأنّهم لن يدفعوا ثمناً لتورّطهم بها. بل وصل الأمر ببعض الموتورين إلى أن يروّجوا أوهام أنّ العرب يعيشون حالياً ما أسموها “اللحظة الإماراتية”، والتي تعني، باختصار، أنّ الإمارات أصبحت اللاعب الوحيد المؤثر والمهيمن على الساحة العربية. لكن، يبدو أنّ “إعصار اليمن” قد حطّم هذه الأوهام، وأعاد التذكير بأنّ “إسبرطة” العرب ستظلّ صغيرة، مهما حاولت التفكير بعكس ذلك.
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”