منذ تطبيع العلاقات في عام 2020، مضى الكيان الصهيوني والإمارات قدما في شراكة أوثق من أي وقت مضى مبنية على الاستثمار وانعدام الثقة المشترك بإيران.
وتمضي الإمارات قدماً في خططها لاستثمار 10 مليارات دولار في الكيان، في إطار شراكة تطورت بسرعة في الأشهر الـ 18 منذ تطبيع العلاقات بين الطرفين.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تتعرض فيه “تل أبيب” وأبو ظبي لضغوط من واشنطن لتقليل اعتمادهما الاقتصادي على الصين.
وفاق النمو في علاقاتهما منذ التوقيع على اتفاقيات “إبراهيم” التي رعتها الولايات المتحدة في سبتمبر 2020 علاقات الكيان مع البحرين أو المغرب أو السودان، وهي الدول العربية الأخرى التي وقعت معها اتفاقيات التطبيع في ذلك العام.
ومع ذلك، فإن الأموال الإماراتية التي تتجه نحو الكيان ليست جديدة تمامًا، وفقًا للمحلل الصهيوني كاريس ويت، الذي قال إن الاستثمارات التي تم الإعلان عنها منذ توقيع الاتفاقيات تضفي الطابع الرسمي على “الكم الهائل من الأعمال التجارية التي كانت تحت الطاولة”.
وبدلاً من بعض الخطط الكبرى التي وضعتها واشنطن، قال ويت، وهو مؤسس ومدير تنفيذي للشبكة الصينية الصهيونية العالمية ومؤسسة بحثية للقيادة الأكاديمية، إنه “تطور طبيعي” لدولة الإمارات لتظهر كمصدر بديل للاستثمار والتعاون في تطوير التكنولوجيا للكيان.
وبُني الزخم الدبلوماسي بين أبو ظبي و”تل أبيب” في ظل محاولات إيران إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.
وتم تسليط الضوء على المخاوف المشتركة بشأن التهديد الذي تشكله إيران ووكلائها من خلال أربع هجمات بالصواريخ الباليستية وهجمات انتحارية بطائرات بدون طيار شنت ضد الإمارات بين 17 يناير و2 فبراير من مليشيا الحوثي اليمنية وجماعة عراقية غامضة يعتقد أنها مدعومة من طهران.
وتم اعتراض الصاروخ الثالث من القوات الإماراتية والأمريكية في 31 يناير بينما كان الرئيس الصهيوني إسحاق هرتسوغ في أبو ظبي، في أول زيارة على الإطلاق للبلاد من رئيس الكيان.
وجاءت الهجمات في الوقت الذي كانت فيه أبو ظبي تخبر المسؤولين ورجال الأعمال المرافقين لرئيس الكيان رغبتها في ضخ مليار دولار أمريكي سنويًا في الاقتصاد الصهيوني خلال العقد المقبل.
ولم يُعلق الجانبان على التقارير التي تفيد بأن الإمارات ستوجه في البداية 200 مليون دولار أمريكي في استثمارات سنويًا من خلال شركة أبوظبي التنموية القابضة.
وهناك صندوقان سياديان إماراتيان آخران، وهما جهاز أبوظبي للاستثمار وشركة مبادلة للاستثمار، يبحثان أيضًا عن فرص في الكيان، وفقًا لبلومبرج والمونيتور.
وجمعت صناديق الثروة الإماراتية أكثر من تريليون دولار أمريكي من عائدات صادرات النفط منذ سبعينيات القرن الماضي.
وكشفت الإمارات قبل نحو عام عن خطتها البالغة 10 مليارات دولار للاستثمار في الكيان عبر قطاعات تشمل تصنيع الطاقة والمياه والفضاء والرعاية الصحية والتكنولوجيا الزراعية.
لكن شهورًا من الجدل السياسي الذي أعقب نتائج الانتخابات العامة الصهيونية في مارس 2021 أخرت تنفيذها.
وقادت شركة أبوظبي التنموية القابضة مجموعة من المستثمرين الذين استثمروا 105 ملايين دولار في شركة صهيونية لإنتاج اللحوم في يوليو، بعد وقت قصير من استبدال بنيامين نتنياهو بنفتالي بينيت كرئيس للوزراء.
وفي تشرين الأول (أكتوبر)، أنفقت مبادلة 1.1 مليار دولار أمريكي للاستحواذ على حصة بنسبة 22 في المائة في حقل غاز تمار البحري الصهيوني.
وقالت مصادر إنه “بناءً على طلب من بينيت، استخدمت الإمارات أيضًا أموالها ونفوذها للمساعدة في إذابة العلاقات المجمدة منذ فترة طويلة بين الكيان والأردن المجاورة”.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني، وقعت شركة مصادر للطاقة المتجددة الإماراتية المملوكة للدولة اتفاقيات ستستثمر بموجبها 300 مليون دولار أمريكي لإنشاء مشروع للطاقة الشمسية بقدرة 600 ميجاوات في الأردن بحلول عام 2026.
وسيتم بيع الكهرباء المولدة من المشروع للكيان، الذي سيقوم بدوره ببناء محطة لتحلية المياه على ساحل البحر الأبيض المتوسط لنقل 200 مليون متر مكعب من المياه يوميًا للأردن، مما يضاعف أربع مرات ما يتلقاه حاليًا.
وقام رئيس الوزراء الصهيوني بزيارة تاريخية إلى الإمارات في ديسمبر وسط مفاوضات في فيينا بشأن عودة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، التي انسحبت منها واشنطن في مايو 2018 خلال رئاسة دونالد ترامب.
ثم في كانون الثاني (يناير)، استثمر الصندوق الإماراتي مبادلة 100 مليون دولار في ستة صناديق رأس مال استثماري صهيونية تركز على قطاع التكنولوجيا الناشئة في البلاد، والذي اجتذب 26 مليار دولار من الأموال الأجنبية العام الماضي.
وقال حسين إيبيش، الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، إن الإمارات تتطلع إلى إقامة شراكة مع الكيان “على جبهات متعددة، بما في ذلك التكنولوجيا الفائقة، مع التركيز على التجارة والأمن”.
وأضاف “كلاهما دول صغيرة ذات عدد سكان محدود ولكن أدوار إقليمية كبيرة ونقاط ضعف كبيرة بما في ذلك عمق استراتيجي محدود للغاية”.
وأشار إلى أن صناعة الدفاع الصهيونية هي بسهولة الأكثر تقدمًا في الشرق الأوسط، وتعمل الإمارات على تطويرها بشكل مستقل.
ويعتمد كلا الجيشين الصهيوني والإماراتي، وفق إيبيش، بشكل كبير على الإشارات والمعلومات الاستخبارية وأنظمة الدفاع الصاروخي وتكنولوجيا المراقبة، ويركزان أيضًا على الإنفاق على الحرب الإلكترونية والسيبرانية.
وقال إيبيش: “كانت الإمارات تبحث عن شريك إقليمي على هذه الجبهات، وكان الكيان وحده هو المرشح”؛ لذا فإن ترسيخ هذه العلاقة مهم للمخاوف الاستراتيجية للإمارات وسياسة الأمن القومي فضلاً عن كونها نعمة اقتصادية محتملة”.
وفي الوقت نفسه، فإن الإمارات تقدم للكيان “موطئ قدم مهم في العالم العربي، وتوفر احتمالية وجود استراتيجي في الخليج وتساعد على كسر العزلة العالمية المستمرة للكيان” وفق إيبيش.
وعلى عكس اتفاقيات التطبيع “الباردة” السابقة التي وقعها الكيان مع مصر والأردن، قال إيبيش إن “الشراكة مع الإمارات هي أول علاقة دبلوماسية يطورها الكيان في العالم العربي وهي علاقة دافئة”.
وتابع “إنها حقًا شراكة، وقد وجد الإسرائيليون أنفسهم موضع ترحيب كبير في أبو ظبي ودبي”.
كما هو الحال مع حلفاء الولايات المتحدة الآخرين، كانت واشنطن تضغط على الإمارات والكيان لإيجاد بدائل للصين من أجل تدفقات الاستثمار والتكنولوجيا، ويمكن أن تكون صداقتهما الجديدة “جزءًا محتملاً” من ذلك، على حد قول إيبيش.
وأضاف “لكن كلاً من الكيان والإمارات سيرغبان في التحرك بخفة في هذا الصدد”.
وتابع “سعى كلا منهما إلى بناء علاقات أوثق مع الصين، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أهميتها العالمية، ولا سيما فيما يتعلق بالاستثمارات، ولكن أيضًا في توقع صعود الصين كقوة عالمية لها بصمة أكبر في الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج”.
وقال إيبيش إن الدافع الآخر، الذي تشترك فيه السعودية ودول أخرى في المنطقة، هو مواجهة النفوذ الإيراني في بكين، ومنع “الصوت الرئيسي في الشرق الأوسط والخليج في الصين من أن يكون صوتًا فارسيًا”.