شدوى الصلاح
استنكر الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني يحيى عسيري، ترويج الإعلام السعودي والذباب الإلكتروني قصص عن تخلي شباب عن وظائفهم المرموقة ورواتبهم المرتفعة للعمل في وظائف متدنية أو لتحقيق أحلام بسيطة، قائلا إن ذلك فساد إداري ومحاولة لتطبيع البطالة وقبول عمل حملة الشهادات العليا في وظائف غير مناسبة لمؤهلاتهم.
برز مؤخراً تركيز الإعلام وشخصيات محسوبة على السلطة السعودية على نشر قصص تحمل مغزى أكبر من كونها مجرد سرد للروايات، منها نشر قناة العربية قصة شاب من الإحساء شرق المملكة تخلى عن مهنة الطب ليعمل خبازاً شعبياً، كما نشرت صفحة أخبار السعودية على تويتر، خبرين في الاتجاه ذاته.
نقل الخبر الأول عن مواطن سعودي قوله إن دخل العمل في قيادة الشاحنات يصل لراتب أستاذ جامعي، والثاني تصريح لمواطن سعودي ترك وظيفته براتب 15 ألف ريال للعمل بسوق الخضار يقول إن “السوق يدخل ذهب”، فيما بثت قناة الإخبارية مقطع فيديو لمواطن ترك وظيفة دخلها 10 آلاف ريال لينفذ مشروعه الخاص بالقوارب السياحية والصيد.
عسيري أكد في حديثه مع “الرأي الآخر” أن السلطة السعودية تحاول جاهدة أن تلقي باللوم في أزمة البطالة على المجتمع، موضحا أنها تنشر دائماً عبارة أن الشاب والفتاة السعوديين يريدون العمل المكتبي ويرفضون النزول إلى سوق العمل، وتردد هذا كثيراً حتى أصبح وكأنه حقيقة مطلقة عن الشعب السعودي.
وأشار إلى أن السلطة استطاعت ترسيخ هذه النظرة عن الشباب في الداخل والخارج من كثرة تكرار هذه الأحاديث وأصبح كأنه أمر واقع لا يقبل الجدل، قائلا: “بينما حين ننظر إلى سوق العمل السعودي نجد أمور معقدة للغاية أولها فساد السلطة السعودية المستشري الذي أفسد سوق العمل بشكل كبير”.
ولفت عسيري، إلى أن كثير من رجال الأعمال والشركات الكبرى مملوكة لشخصيات نافذة في الدولة، ضاربا مثلاً على ذلك بامتلاك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، شركات كبرى وأخرى غير مستقلة تملكها شخصيات مقربة من النظام ويسيطر عليها أفراد أسرة آل سعود، ما يعني سيطرتهم على سوق العمل وهو الأمر الذي يمثل فساداً كبيراً.
وأوضح أن الأسرة الحاكمة تعطي هبات ومنح ومساعدات لبعض الشخصيات المقربة منها أو لكبار وصغار الأفراد داخل الأسرة أو للقريبين منهم، وتكون أحياناً في شكل أموال أو فيز تصاريح عمل تُهدى لهم؛ فيحصل أحدهم على 500 فيزا دون أن يكون لديه مؤسسات ويأتي بعمالة من الخارج ثم يدخلهم إلى البلد دون أعمال ويطلب منهم مبالغ شهرية.
وتابع: “حين يُستقدم 500 عامل ويطلب من كل منهم أن يدخل إلى سوق العمل بأي طريقة ويدفع 500 ريال شهرياً فيكون صاحب أو رب العمل أو المؤسسة الوهمية لديه دخل ثابت شهرياً من هذه العمالة دون أن يقوم بأي عمل أو مجهود أو نفع اقتصادي لتنشيط سوق العمل أو التجارة المحلية”.
ولفت عسيري، إلى أن بعض العمالة التي يدخلها اتباع السلطة إلى البلد يحاولون إيجاد أعمال بسيطة لسداد الشهريات فيدخلون في منافسة أو أعمال جيدة وبعضهم يتجه إلى الجريمة، ومن يفشل في إيجاد الدخل المطلوب منه لرب العمل يستبدل بآخر، فتُخلق أزمة “عمالة سائبة” تدخل البلد بشكل قانوني، لكنها غير قانونية من جهة المؤسسة لأنها وهمية.
وأكد أن بهذا يغرق سوق العمل بعدد كبير من الوافدين الذين ليس لهم أعمال حقيقية، مشيرا إلى تعرضهم للكثير من الانتهاكات منها عدم وجود حد أدنى للأجور في المملكة واستعباد العمالة الوافدة وإعطائهم أجور أقل مما يتم الاتفاق عليها، واحتجاز جوازات سفر بعضهم خاصة عاملات المنازل أو تجميع الرواتب حتى وقت السفر.
وبين عسيري، أيضا أن العمالة الوافدة يتم المتاجرة بها وبيعها من كفيل لآخر، وكأنهم رقيق أو إماء، وأن هذا ليس مستنكر بشكل كبير في السعودية، بل توجد إعلانات عن بيع العمالة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، منددا بتدني الأجور التي لا تمكن العامل من العيش، لكن لأن غالبيتهم يأتون من بلدان فقيرة تكون هذه الأجور رافداً اقتصادياً لأسرهم.
وأوضح أن العمالة الوافدة يعيش أغلبها بالمملكة في وضع صعب وأحياناً يتكدسون في غرف صغيرة فيها عدد كبير من العمال ويأكلون طعام اقتصادي ويقضون وقتاً طويلاً في العمل بعد انتهاء دوامهم ويتنقلون من عمل لآخر حتى يستطيعوا الحصول على الحد الأدنى الذي يمكنهم من الحياة.
وتابع عسيري: “عندما تريد إدخال الشاب السعودي إلى هذا السوق فإنه سيواجه الفساد الموجود لدى الشركات الكبرى”، مؤكدا أن حتى في قضية السعودة هناك استعارة للأسماء وتكتم عليها ووضع أسماء السعوديين بشكل غير حقيقي ومنحهم أجور ضعيفة جداً لا تفي بالغرض ولا تحقق حياة كريمة ولا حتى مقتصدة أو ضعيفة.
وجزم بأن الأجور الممنوحة للسعوديين لا تكفي لشخص يعيش دون أسرة، لكنها تكفي شخص يسكن في غرفة بها 20 آخرين يأكلون معاً ويرسل باقي الأموال لأسرته في الخارج، مشيرا إلى أن السعودي إذا أراد العمل في سوق الخضار، أو حلاق، أو سباك، أو غيرها فإنه لا يستطيع في ظل ازدحام العمالة الزائدة والفساد الاجتماعي والإداري الذي تسببه الأسرة الحاكمة بالمملكة.
وأضاف عسيري: “عندما يلام الشاب السعودي بعدم نزوله إلى سوق العمل فهذا ظلم شديد، لأننا نعلم أن عدداً كبيراً جداً من العاطلين عن العمل يتمنون أي مصدر للدخل ويعملون بأجور متدنية ويتم استغلالهم والمتاجرة بهم لدى الشركات الفاسدة ولو وجدوا فرص كريمة فلن يتعففوا عن العمل في هذه المهن أبداً”.
وأكد أن النظرة المنتشرة عن الشاب السعودي أنه كسول ولا يحب العمل غير حقيقة، وإنما روجتها السلطات الفاسدة التي دائما تلقي باللوم على المواطن، موضحا أن ذلك نهجها في المجال الاقتصادي وحتى في القمع، إذ تتهم المجتمع بأنه متطرف ورجعي وإرهابي في مجال الحقوق السياسية، وأنه لا يفهم الديمقراطية وغير جاهز لها.
وقال عسيري، إن السلطة السعودية تقمع المواطن ثم تضطهده وتظلمه اقتصادياً وتمنعه من سوق العمل والفرص الوظيفية ثم تتهمه بأنه كسول، جازما بأن مشكلة البطالة بيد السلطة لو أرادت حلها لاستطاعت، لكنها لا تريد ذلك وإنما تغطي المشكلة وتبعد اللوم عنها كما تفعل مع كل المشاكل.
وتساءل: “لماذا لا توفر السلطة وظائف للأطباء السعوديين رغم العجز الشديد في وزارة الصحة؟ كما لديها عجز كبير جدا في القطاع العسكري وكل القطاعات الأخرى؟”، مشيرا إلى أن السلطة لا توفر السكن للمواطنين السعوديين ولا توظف المهندسين ليعملوا في مشاريع الإسكان وشركات صناعية أو زراعية.
وواصل عسيري تساؤلاته: “لماذا لا تستفيد السلطة من طاقة أبناء الوطن ونحن في بلد مترامي الأطراف وخيراته كثيرة ومساحته شاسعة وعدد سكانه قليل؟ كيف يكون لدينا بطالة؟”، مؤكدا أن “البطالة في السعودية لا عذر لها لأننا لسنا في بلد مكتظ ومزدحم ولا في بلد فقير أو مساحته الجغرافية ضيقة”.
وجزم بأن السبب الوحيد للبطالة هو الفساد المستشري والقمع الذي يتستر على هذا الفساد ويمنع الناس من الحديث عن البطالة ومشاكل الناس والحلول التي يجب أن تكون”، قائلا إن من الفساد الإداري المستشري في المملكة عمل البعض في غير تخصصاتهم وبغير مؤهلاتهم التعليمية، وذلك بسبب تخبط السلطة أيضا.
وأعرب عسيري عن رفضه لتوجيه السلطة السعودية لومها على الشباب السعودي في أزمة البطالة، داعيا إلى فهم المشهد كما هو وعدم تصديقها وألا يوجه اللوم للشباب الذي يحاول جاهداً إيجاد فرص العمل ثم إذا اقترب منها اتهمته السلطة اتهامات باطلة بالكسل والتراخي والبحث عن أعمال مكتبية وفرص مميزة.