كان إعلان السلطات السعودية إعدام 81 شخصًا في يوم واحد بمثابة فتح صفحة جديدة قاتمة في تاريخ المملكة، إذ يُعد هذا الرقم الأضخم في تاريخ المملكة.
ويُصر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على “دخول التاريخ” من عديد الأبواب، كتحديد يوم للاحتفال بتأسيس المملكة، أو منح المرأة حق قيادة المركبة، لكنه دخله هذه المرة من باب يقطر دمًا.
وبينما تشتهر السعودية بقانون العقوبات الصارم، إلا أن عمليات الإعدام الجماعية بحجم ما جرى أمس السبت نادرة للغاية.
وقطعت السعودية رؤوس 37 شخصًا في إعدام جماعي عام 2019، ورؤوس 47 آخرين في حدث مماثل في يناير 2016، لكن موجة الإعدام الأخيرة تجاوزت حتى تداعيات محاولة الاستيلاء على المسجد الحرام في مكة عام 1980 عندما قطعت السلطات رؤوس 63 شخصًا بتهمة المشاركة في المخطط.
وجاء إعلان تنفيذ أحكام الإعدام يوم السبت بحق 81 شخصًا ليكشف عن جريمة مروّعة فاقت من أعدمتهم السعودية خلال عام 2021 كاملًا، إذ قطعت رؤوس 69 شخصًا العام الماضي.
وبإعدام 81 شخصًا أمس، ارتفع عدد الذين أعدمتهم السعودية خلال 70 يومًا فقط من عام 2022 إلى 92 شخصًا، إذ سبق وأعدمت 11 شخصًا بزعم إدانتهم بارتكاب جرائم مختلفة.
وجاء في بيان للداخلية السعودية الزعم بأن المُعدمين أدينوا بالتخطيط لشن هجمات ضد قوات الأمن والمدنيين، واستهداف موظفين حكوميين ومواقع اقتصادية حيوية، وقتل ضباط إنفاذ القانون وتشويه أجسادهم، وزرع ألغام أرضية لاستهداف مركبات الشرطة، وتنفيذ جرائم خطف وتعذيب واغتصاب وتهريب أسلحة وقنابل”.
ومن بين الذين أُعدموا أمس 73 مواطنًا سعوديًا، بالإضافة إلى سبعة يمنيين وسوري واحد.
لكن اللافت للنظر أن تنفيذ أحكام الإعدام المفزعة بحق هذا العدد الكبير من الأشخاص جاء بعد أيام قليلة من حديث محمد بن سلمان عن خطط لتحديث نظام العدالة الجنائية في السعودية.
وتتمتع السعودية الثرية بواحد من أعلى معدلات الإعدام في العالم، وكثيرًا ما نفذت أحكام الإعدام السابقة بقطع الرأس.
ومن المرجح أن يعيد تنفيذ الإعدام الجماعي الانتباه إلى سجل حقوق الإنسان في السعودية، في وقت كانت فيه القوى العالمية تركز على الغزو الروسي لأوكرانيا.
واتهمت منظمات حقوقية السعودية بفرض قوانين تقييدية على التعبير السياسي والديني، وانتقدتها لاستخدامها عقوبة الإعدام، بما في ذلك للمتهمين الذين تم اعتقالهم عندما كانوا قاصرين.
وقالت سارة لي ويتسن، المديرة التنفيذية لمنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (داون) “إنّ عمليات الإعدام الجماعية الصادمة وغير المسبوقة في إطار ما نعلم أنه محاكمات صورية بموجب قوانين صورية في السعودية يجب أن تبدد أي مزاعم حول تحول محمد بن سلمان إلى “إصلاحي”.
وأضافت أن “تدليل محمد بن سلمان جعله أكثر بجاحة، بدءًا من التحكم بأسعار النفط في خضم أزمة عالمية، إلى قتل العشرات من مواطنيه في يوم واحد.”
أما ثريا بوينز نائبة مدير جمعية ريبريف الخيرية المناهضة لعقوبة الإعدام، فقالت في بيان: “هناك سجناء رأي محكوم عليهم بالإعدام، وآخرون اعتقلوا كأطفال أو اتُهموا بارتكاب جرائم غير عنيفة”.
وأضافت “نخشى على كل واحد منهم بعد هذا العرض الوحشي للإفلات من العقاب”.
وذكرت أنه “في الأسبوع الماضي فقط، أخبر ولي العهد (محمد بن سلمان) الصحفيين أنه يخطط لتحديث نظام العدالة الجنائية في السعودية، فقط ليأمر بأكبر عملية إعدام جماعي في تاريخ البلاد”.
أما الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني يحيى عسيري فقال: “هذه سلطات وحشية رجعية قمعية تعيش في قعر سحيق من التخلف والإرهاب”.
وأضاف “لابد من استنكار ما فعلته بقتل 81 شخصًا دون أن يكون لديها قضاء مستقل ونزيه وشفاف وعادل”.
وتابع “كيف نعرف أن هذا النظام المتعطش للدماء لا يُلفق التهم؟، وكيف يمكن الصمت له على هذه المجازر وسلوكه إرهابي ومنظومته كلها فاسدة؟”.
كل من يبرر هذه الجريمة أو بعضها فهو شريك في الدم وفي إرهاب المجتمع!
وأبدى عسيري استغرابه بالقول: “كيف يتم تبرير أو قبول أحكام قضاء فاسد مرهون للسياسي، السياسي الجائر الفاسد المستبد الجاهل الوحشي، بيده قضاء فاسد جاهل تابع ظالم، وغياب للمجتمع وللرقابة وللمساءلة وللنزاهة وللاستقلال وللشفافية.. من يبرر فهو شريك”.
ودعا وسائل الإعلام والمنظمات والمؤسسات والساسة والأفراد إلى التأكيد على أن “المنظومة كلها فاسدة جائرة.. أيًا كانت الأسماء وأيًا كانت التهم، النقاش ليس حول الأسماء والتهم، بل حول من يُصدر الأحكام ومن يمارس هذا القتل”.
وذكر أن “أي قول بأن النظام أفرج عن معتقل (رائف بدوي) وأعدم آخرين هو تبسيط للجريمة.. رائف قضى 10 أعوام والإفراج عنه الآن بعد جلده وسجنه 10 أعوام، وما زال ممنوعًا من السفر؛ فالإفراج لا يمكن تلميع النظام الوحشي به، وتقديم الخبر وكأنه “إصلاح” ليس إلا تواطؤ مع المجرم”.