شدوى الصلاح
”موقف مصر في أي محفل دولي سيكون موقفاً”.. بهذه الكلمات أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، تبني بلاده لمواقف رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، خلال زيارة لمصر استمرت ثلاث أيام وانتهت أمس الأحد 11 أبريل/نيسان 2021، وتباينت ردود الفعل حولها.
واعتبرها مراقبون إهانة لثورتي تونس ومصر، وزيارة لجنرال انقلابي وصل إلى الحكم بانقلاب عسكري على الشرعية في يوليو/تموز 2013، أسفر عن سقوط آلاف القتلى واتبعه حملة اعتقالات واسعة طالت الآلاف.
وفي المقابل، زعمت الرئاسة التونسية ومؤيدوها، أن زيارة الرئيس التونسي لمصر تندرج في إطار ربط جسور التواصل وترسيخ سنة التشاور والتنسيق بين قيادتي البلدين، فضلا عن إرساء رؤى وتصورات جديدة تعزز مسار التعاون المتميز القائم بين تونس ومصر.
ولقراءة الزيارة وما رافقها من تصريحات، وما تبعها من مستجدات حاورت “الرأي الآخر”، المفكر والكاتب التونسي بشير العبيدي.
إليكم نص الحوار
** بداية، كيف تقرأ زيارة الرئيس التونسي للسيسي؟
الزيارات بين المسؤولين في الدول أمر مهم جدا لربط العلاقات وتوثيق الصلات وتبادل المصالح، لكن زيارة قيس سعيد ليست في هذا الإطار، فأنا أقرؤها كما ورد في نص سؤالكم: هي زيارة “سعيّد للسيسي”، وليست زيارة تونس لشقيقتها الكبرى مصر.
لقد بدا واضحا منذ أشهر أن الشعارات التي رفعها قيس سعيد في حملته الانتخابية كانت مجرد كلمات منمقة لاستدرار عواطف الناخبين، وسلوك الرئيس يدل بوضوح أنه خدع ناخبيه وكذب عليهم، وناخبوه فضلوه على غيره بناء على اعتقادهم أن قيس سعيد ”نظيف”.
والآن يكتشفون بمرارة أن هذه “النظافة” فاقت كل التوقعات، إلى درجة جعلت الشارع التونسي يتساءل إن كانت المدارك العقلية للرئيس على ما يرام.
هذه الزيارة تأتي ضمن مسعى قيس سعيد للبحث عن “مشروعية” ما لدى محور الثورات المضادة، بعد أن تحقق أن صورته لدى ناخبيه باتت واضحة: الخدعة والكذب.
ومن كانت حاله هي هذه، فهو يذهب في زيارة من يشاكله، والطيور على أمثالها تقع.
** ماذا تقصد بمحور الثورات المضادة؟
الأنظمة المعادية للربيع العربي وهي ليست دولاً بالمعنى المعاصر للدول، أعني بالدول تلك التي تنبني على مؤسسات تمثل إرادة الشعوب، لكنها أنظمة وظيفية تقوم بدورها تجاه القوى المسيطرة في العالم، لقاء الرضا عنها وغض الطرف عن جرائمها حيال حقوق الإنسان.
** هل تجاهل سعيد الاحتفال بذكرى شهداء تونس ١٩٣٨ له دلالة؟
قيس سعيد صرح أنه يعتبر الاستعمار “حماية” ولم يحتف بذكرى عيد الاستقلال ولا بذكرى الثورة التونسية، وفي ذكرى الشهداء شارك مرغما بعد موجة عاتية من انتقادات شعبية لموقفه.
سعيد أقدم، بشكل مثير للسخرية، في ذكرى الشهداء على عرض صورة كاريكاتورية تعود لحقبة مظلمة من تاريخ تونس، في مفارقة رديئة قلما يقوم بها مسؤولو الدول في مثل هذه المناسبات.
رفض الاحتفاء بالاستقلال والثورة والشهداء يمثل أبرز صورة لنفسية هذا الرئيس الذي يعيش في عالم آخر، عالم الأوهام، ويعتقد أن ما يعيشه في عالمه هو الحقيقة الوحيدة الممكنة.
** يرى البعض أن سعيد لم يحترم ثورتي تونس ومصر فكيف ترى ذلك؟
ثورة تونس قامت أساسا ضد الاستبداد والظلم والقهر والقتل والانقلاب وسلب الحريات وتكميم الأفواه وإذلال الشعوب وسجن المعارضين.
واليوم تقوم منظمات حقيقية عالمية بنشر بيانات رهيبة عما يتم في السجون من فتك بالإنسان، والمطلوب من رئيس لتونس له أدنى درجة من احترام الثورة التي وصل عن طريقها إلى الحكم أن يتجنب القيام بزيارات من هذا النوع، أو القيام بها من دون جلبة استفزازية والتمعش منها داخليا في الصراع السياسي، خصوصا وأن زيارته إلى ليبيا دامت سويعات فقط رغم أن أمن ليبيا هو أمن تونس بشكل مباشر.
الثورة في تونس مستمرة بأشكال عديدة ومنها معركة الوعي، ومن له أدنى وعي سياسي سيفهم أن هذه الزيارة سياسية بامتياز، وليست تندرج ضمن مصالح الثورة التونسية.
يمكن لرئيس دولة أن يزور كل البلدان، لكن وصف سعيد للسيسي بأوصاف مثل “أخي” و ”شقيقي”، فهذه الألفاظ لا يستخدمها شخص منتخب من طرف شعب قام بثورة ضد الطغيان والانقلاب على إرادة الناخبين، وهو يعلم أن السيسي قتل محمد مرسي الرئيس المنتخب، ويعلم أنه قتل ألوف المصريين.
** رافق زيارة سعيد للسيسي الذي يحتفظ بعلاقات جيدة مع الاحتلال الإسرائيلي، حديث عن لقاء جمع سعيد مع وفد إسرائيلي وتوجه نحو إعلان تونس تطبيعها على خطى بعض الدول التي طبعت مؤخراً.. فما تعليقك؟
صديق صديقي هو – بشكل ما – صديقي أيضا. حين يزور قيس سعيد أصدقاء بعينهم دون غيرهم، ويعتبرهم “إخوانه” و”أشقاءه”، وهؤلاء هم مطبعون من الطراز الأول، فهي مقدمة للتطبيع، وقد تكون خطوة باتجاه البحث عن سند إقليمي للقيام بانقلاب ضد إرادة من انتخبه.
** كيف سيكون رد الفعل الشعب التونسي؟
الشارع التونسي رافض عموما لفكرة التطبيع بصرف النظر عن بعض الأصوات المأجورة، وربما يساهم ذلك في تسريع الانتحار السياسي لمن لا يراعي مشاعر شعبه.
** هل هذا جزء من سبب غضب البعض من زيارة سعيد للسيسي وإعلان تبرؤهم منه؟
بلاد المغرب العربي بصورة عامة، وتونس والجزائر وليبيا -على وجه الخصوص- شعوبهم لم تنسى حقبة الاستعمار وحقب الاستبداد والجرائم التي تسبب فيها، ولذلك ترفض هذه الشعوب نمط الحكام الانقلابيين والظالمين الذين يفتكون بشعوبهم.
ومن الطبيعي أن يتبرأ أنصار الحرية والكرامة من زيارة كهذه، بل من غير الطبيعي ألا يتبرأ منها من أعطى صوته من أجل حكم يحترم إرادة الشعوب في اختيار حكامها بحرية.
** كان الرئيس التونسي السابق عبد المنصف مرزوقي من أبرز الرافضين وقدم اعتذارات للشعب المصري وتبرأ من سعيد، فكيف تقرأ موقفه؟
المرزوقي تبرأ من الزيارة ومن صاحبها واعتذر للشهداء الذين سقطوا تحت نير الاستبداد، وهذا الموقف في جوهره يمثل روح ثورة الحرية والكرامة.
وهذا كله يقود الطبقة السياسية العربية في التفكير بعمق في معنى الاستبداد: فالاستبداد ليس شخصا، بل منظومة معقدة جدا، يمكن في أي لحظة أن تعود عبر صناديق الاقتراع في شكل شعبويين وفاشيين يحملون شعارات جوفاء يقنعون بها الناخبين الذي تسيطر على عقولهم منظومات الإرهاب الإعلامي المأجور.
المعركة ما زالت طويلة جدا ضد الاستبداد والطغيان، والأحداث تعلمنا كل يوم أن الديمقراطية ليست ضمانة لأي شيء، فهتلر وموسوليني وترمب وصلوا للحكم عن طريق صناديق اقتراع، ولذلك فالمعركة هي معركة وعي، ومعركة انسجام بين الحاملين لنفس الحرية والكرامة، وعليهم مسؤولية تاريخية في التعاون بينهم مستقبلا لمنع وصول أمثال هذا “الأخ” والشقيق” لحاكم مثل السيسي.
تعليق واحد
جزاك الله كل خير