تنفي السعودية بشدة ضلوعها في الخلاف الملكي الأردني، لكن اعتقال مستشار لولي العهد الأمير محمد بن سلمان أثار القلق في الرياض، التي تقول مصادر إنها تضغط من أجل إطلاق سراحه.
وكان باسم عوض الله، الذي يُنظر إليه على أنه شخصية مؤثرة على دراية بالأعمال الداخلية للقيادة السعودية، متورطًا في شقاق داخل العائلة المالكة في الأردن ظهر مؤخرًا إلى العلن.
وألقت الرياض دعمها رسمياً خلف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الذي سعى لوضع حد في الخلاف الضار مع أخيه غير الشقيق الأمير حمزة، حيث أظهرهما التلفزيون الرسمي يوم الأحد للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة.
ويرفض المسؤولون السعوديون التكهنات بأن الرياض كانت وراء الانقسام، ويصرون على أن مثل هذا الاقتتال الملكي يمكن أن يكون له آثار مضاعفة خطيرة على الملكيات الأخرى في المنطقة.
وأثيرت التكهنات عندما أشار الأردن إلى أن يد “أجنبية” كانت وراء الأزمة، حيث أشار المراقبون على الفور بأصابع الشك إلى الرياض.
وجاءت الأزمة في أعقاب تقارير إعلامية تفيد بأن دفء العلاقات السعودية الإسرائيلية قد يكلف الأردن- موطن عدد كبير من الفلسطينيين- وصايته على الأماكن المقدسة في القدس بما في ذلك المسجد الأقصى، وهو مصدر رئيسي لشرعية العائلة الهاشمية الحاكمة في عمان.
لكن مصدرا مقربا من قيادة السعودية، ليس غريبا عن الخلافات الملكية، قال لوكالة فرانس برس إن الرياض “ليس لديها أي مصلحة في زعزعة استقرار الأردن”، الحليف الإقليمي منذ فترة طويلة.
وكان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ترأس وفدا إلى عمان الأسبوع الماضي للتعبير عما أسماه التضامن مع عبد الله.
وقال المصدر إن الرحلة جاءت حيث شعر الحكام السعوديون أن “الملك (الأردني) كان يغذي شائعات من أطراف أخرى بأنهم بحاجة إلى دحضها شخصيًا وليس عبر الهاتف”.
لكن مصدرين مطلعين على المناقشات قالا في مزيد من التكهنات حول الدوافع السعودية إن الوفد في عمان دفع باتجاه إطلاق سراح عوض الله.
وظهر عوض الله، وهو سعودي أردني، إلى جانب الأمير محمد في مبادرة الاستثمار المستقبلي على غرار مبادرة دافوس في الرياض.
كما تم تصويره وهو يصلي بجانب الأمير محمد بن سلمان، وهو شرف مخصص عادة لأقرب المقربين إليه.
عوض الله، الشخصية المثيرة للجدل في الأردن والذي شغل منصب رئيس الديوان الملكي وكذلك المبعوث الخاص للسعودية، هو من بين 16 شخصًا على الأقل اعتقلوا فيما يتعلق بما وصفته عمان بأنه مؤامرة لزعزعة استقرار البلاد.
وقال بروس ريدل، وهو ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية يعمل منذ فترة طويلة ويعمل الآن في معهد بروكينغز، لوكالة فرانس برس “لم يذهب وزير الخارجية (السعودي) فقط لإحضار باسم، لكن ذهب مدير المخابرات السعودية ورئيس أركان محمد بن سلمان إلى عمان أيضًا”.
ونفى المصدر السعودي أن يكون الوفد متواجدا مع عوض الله دون أن يوضح من هم المسؤولين في الفريق.
وقال مسؤول غربي مقيم في الخليج لوكالة فرانس برس إن “عوض الله لديه علاقة شخصية مع ولي العهد”.
وأضاف “إن وجوده في السجن يضر بصورة السعودية في كل من الأردن وخارجها حيث أن الشكوك حول تورط السعودية لم تمح بالكامل”.
وقالت بسمة المومني، الأستاذة في جامعة واترلو الكندية، إن عوض الله كان مهمًا للسعوديين لأنه لديه “معرفة عملية بالعديد من الخطط والسياسات والاستراتيجيات الاقتصادية السعودية التي يرغبون في ضمان عدم مشاركتها” خارج المملكة.
ولم يحدد المسؤولون الأردنيون التهم الموجهة إلى عوض الله.
لكن المسؤول الغربي قال إن اعتقاله يبدو وكأنه تضليل في الخلاف الذي اندلع في وقت سابق من هذا الشهر.
ما وصفته السلطات الأردنية في البداية بمؤامرة أجنبية تبين أنه نزاع مرير بين الملك وأخيه غير الشقيق، الذي جرده من لقب ولي العهد لصالح ابنه.
وقال المسؤول الغربي “اعتقال عوض الله يصرف الانتباه عن التنافس داخل العائلة المالكة الأردنية ويلمح إلى تورط أجنبي محتمل”.
وتعكس المشاكل في الأردن صدى لعب قوى مماثلة في السعودية، حيث قام الملك سلمان بتهميش أحد كبار الشخصيات الملكية في عام 2017 لتسمية ابنه الصغير، الأمير محمد، وريثًا لأقوى عرش في العالم العربي.
ومنذ ذلك الحين، تجاهلت السعودية احتجاجًا من نشطاء حقوق الإنسان، حيث احتجزت العديد من أفراد العائلة المالكة في حملة قمع كاسحة، بما في ذلك ولي العهد السابق محمد بن نايف.
وكتب علي الشهابي، مستشار الحكومة السعودية، على تويتر: “يبقى أن نرى ما إذا كان لدى الملك عبد الله الإرادة أو السلطة لإسكات شقيقه، لكن الفشل في القيام بذلك سيضعف النظام الملكي، وربما يؤدي إلى وفاته”.
وهذا ما يفسر لماذا كان الملك سلمان حازمًا للغاية مع أسرته خلال خلافة ولي العهد محمد بن سلمان، إذ إن الفشل في القيام بذلك يمكن أن يعرض السعودية لعدة حلقات مثل التي حدثت في الأردن.
المصدر: فرانس برس