شدوى الصلاح
يحبس السوريون أنفاسهم منتظرين ما ستسفر عنه جلسة مجلس الأمن الدولي، المقرر انعقادها غداً الخميس للتصويت على مشروع قرار بشأن تجديد الإذن بتمرير المساعدات الإنسانية لسوريا عبر المعابر الحدودية، والذي ينتهي العمل به في 10 يوليو/تموز الجاري.
ولا يخفى على أحد النية الروسية لمحاولة إغلاق معبر باب الهوى، الذي يعد المعبر الأخير ويشكل الشريان الوحيد لتغذية الشمال السوري الذي يعيش فيه أكثر من 4 ملايين مدني نصفهم مهجرون، وتحاول روسيا منذ عدة أشهر تكريس أمر واقع عبر تهديدها المعبر واستهدافه بالقصف.
ويحمل ذلك رسائل مبطنة بأن معركة سياسة مؤجلة من العام الماضي ستكون في أروقة مجلس الأمن هذا العام في محاولة منها لمنع تمديد قرار إدخال المساعدات عبر الحدود، مهددة باستخدام حق النقض “الفيتو” ضد إعادة تفويض معبر “باب الهوى”.
وعلى النقيض من الرسائل الروسية المبطنة، بدا أن هناك موقف غربي بقيادة أميركية، وهذا الموقف واضح دون أي لبس، ليس فقط لتمديد آلية إدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى، بل وسعيهم لإعادة فتح معبرين حدوديين آخرين مغلقين في شمال شرق سوريا.
وهذا الأمر قالته المندوبة الأميركية الدائمة لدي الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، خلال زيارتهما الحدود التركية – السورية في 3 يونيو/حزيران الماضي، ، وأكدته عقب جلسة مجلس الأمن أمس، قائلة إن بلادها لن تقبل بإغلاق معبر باب الهوى شمالي سوريا أمام قوافل المساعدات الإنسانية.
كما تفاوض دولا أخرى لإبقاء معبر باب الهوى مفتوحاً لتمرير المساعدات إلى ملايين السوريين النازحين، وتحذر منظمات وجهات حقوقية أبرزها هيومن رايتس ووتش، من خطورة إغلاق المعبر المؤدي إلى شمال غرب سوريا، وتعتبر تبعات ذلك “كارثية”.
وللحديث عن توقعات قرار مجلس الأمن المرتقب إصداره غداً الخميس 8 يوليو/تموز 2021، وتبعاته، والحلول البديلة المطروحة أمام السوريين حال تمكنت روسيا من منع تمديد فتح المعابر، حاورت الرأي الآخر، مدير العلاقات الإعلامية في معبر باب الهوى مازن علوش.
إليكم نص الحوار
** بداية، ما توقعاتك لجلسة مجلس الأمن المقرر انعقادها غداً ؟
لا أظن أن الأمر سيكون سهلاً فالضغط على الجانب الإنساني من قبل النظام وروسيا هو جزء من سياستهم ضد السوريين، وهو استكمال لحربهم التي شنوها منذ عشر سنوات، ففي الوقت الذي تدعم فيه روسيا النظام عسكرياً على الأرض وفي الجو وجعلت من سوريا ومن أجساد السوريين مختبرات لتجريب أسلحتها، كان هناك سياسة موازية للضغط على الجانب الإنساني.
واعترضت روسيا في مجلس الأمن الدولي على الاستمرار بتفويض آلية المساعدة الإنسانية عبر خطوط النزاع والمعابر الحدودية لثلاث مرات قبل الآن، وما جرى العام الماضي من ابتزاز روسي وبعد أربع محاولات فاشلة، صوّت مجلس الأمن، على تبني مشروع قرار ألماني – بلجيكي جدّد بموجبه عمل آلية المساعدة الإنسانية عبر خطوط النزاع والمعابر الحدودية لمدة عام واحد.
وسمح القرار الأممي بإيصال المساعدات الإنسانية لسكان شمال غرب سوريا عبر معبر واحد فقط هو معبر باب الهوى، ونتج عنه أيضاً إيقاف دخول المساعدات من معابر أخرى كمعبر اليعربية ومعبر باب السلامة، وهو دليل واضح على أن محاربة المدنيين بالجانب الإنساني كانت عملية ممنهجة، ومتعمدة وليست مجرد نتاج طبيعي للحرب والنزوح.
وما سيجري في مجلس الأمن في جلسة الغد لن يختلف كثيراً عما جرى العام الماضي، فالابتزاز الروسي للمساعدات الإنسانية قائم ولن يتوقف، لتحصيل مكاسب سياسية لصالح النظام واقتصاده عبر الحصول على المساعدات، لاسيما وأن تاريخ نظام الأسد خلال السنوات العشر السابقة من تدخلات بعمل المنظمات الدولية وتسييس وإساءة توزيع المساعدات الإنسانية.
** ماذا لو استخدمت روسيا حق الفيتو وفشل مجلس الأمن في تمديد العمل بتفويض 2533؟
إن أصرت روسيا على موقفها بمنع تمديد التفويض فأظن أن الأمور ستأخذ منحى مختلف تماماً وقد نشهد آلية تكون خارج إطار مجلس الأمن وهو ما لا أظن أن الأمور ستصل إليها.
فأي دولة عضو في مجلس الأمن الدولي يمكنها الدعوة إلى اجتماع استثنائي للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتصويت على القرار الدولي لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وذلك خارج نطاق مجلس الأمن، وبذلك يتم ضمان عدم استخدام حق النقض، ولكن الآليات تحتاج للكثير من العمل وهناك الكثير من التحديات مما قد يهدد حياة الناس في الشمال السوري، ونرجو أن يتجدد القرار لتستمر الاستجابة المنقذة لحياة المدنيين.
** كيف سيواجه السوريون ذلك وما تأثيره على الشمال السوري؟
الوضع المأساوي في شمال غربي سوريا بعد حرب مستمرة منذ عشر سنوات لا يمكن وصفه فكيف لنا أن نتخيل منطقة محاصرة يعيش فيها أكثر من 4 ملايين إنسان نصفهم مهجرون ومنهم مليون في المخيمات ستكون حياتهم إذا انقطع عنهم شريان الحياة الوحيد عبر معبر باب الهوى؟
حقيقة لا يمكنني تخيل ذلك ومجرد التفكير فيه هو أمر محزن، لكني لا استغرب أبداً من روسيا وهي التي دمرت المستشفيات والمدارس وارتكبت المجازر وقدمت الدعم العسكري والسياسي لنظام الأسد وكانت حليفته في قتل السوريين أن تقوم بهذا الدور حالياً، ولكن بطريقة مختلفة.
إذا أغلق بالفعل معبر باب الهوى فهذا يعني كارثة إنسانية لسكان شمال غربي سوريا والذين هم أصلاً في حاجة إلى فتح معابر أخرى.
وسينهي خطط الأمم المتحدة لتوزيع اللقاحات المضادة لكوفيد-19 لملايين السكان في شمال غرب سوريا، ويقلل إلى حد كبير من العمليات الإنسانية الأساسية، وستتوقف شحنات الأغذية والمساعدات الإنسانية الأخرى للأمم المتحدة فوراً في وقت يمر فيه المدنيون بأزمة اقتصادية خانقة وفقدان لموارد الرزق بعد أن هجرهم النظام وروسيا، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار وانتشار للبطالة.
** ما طبيعة المساعدات الإنسانية التي تدخل عبر المعبر؟
المساعدات الإنسانية لا تقتصر فقط على المواد الإغاثية، بل هناك مساعدات طبية منقذة لحياة المدنيين وسيكون وضع القطاع الطبي كارثي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى لا سيما أنه تعرض للاستهداف المباشر من قبل النظام وروسيا، ومع انتشار فيروس كورونا.
** ما الحلول البديلة لمعبر باب الهوى؟
سبق وتحدثت عن حلول خارج مجلس الأمن عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن الآليات تحتاج للكثير من العمل وهناك الكثير من التحديات، وفي حال فشل هذا الحل ستضطر المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة إلى ما قبل القرار الأممي 2165.
وسيتحول التمويل الخاص بوكالات الأمم المتحدة إلى منظمات دولية غير حكومية، توزع الدعم المقدم إلى الجهات المحلية من منظمات المجتمع المدني والجمعيات الإغاثية، وطبعا هذه الآلية معقدة ولها سلبياتها وتفرض إنشاء صندوق للتمويل الإنساني ويكون خاصا بسوريا بدلاً من صندوق التمويل الإنساني الخاص بالأمم المتحدة.
وضع الشمال السوري اليوم، من كارثة إنسانية هي الأصعب والأشد تعقيداً بعد الحرب العالمية الثانية، بحسب توصيفات الأمم المتحدة، يجعل من الصعب أن تكون هناك حلول سهلة، وبالتأكيد لا نتوقع أن يكون هناك حلول سحرية.
** هل ترى أن تمديد المساعدات لمدة عام جديد حلاً لمعاناة السوريين؟
حتى لو تم تمديد قرار إدخال المساعدات لستة أشهر أو عام ورغم أهميته، لكنه يبقى حل آني، فيما يبقى الحل طويل الأمد للأزمة الإنسانية في سوريا هو حل سياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، وهذا ما يجب أن يكون على رأس أولويات المجتمع الدولي المطالب بالوقوف إلى جانب السوريين ومحاسبة نظام الأسد على جرائمه.
حل الأزمة الإنسانية في كل سوريا وليس فقط في شمال غربي سوريا يرتبط مباشرة بحدوث تغيير شامل وحل ينهي حقبة القتل والتهجير، ويجب أن يكون بمساعدة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ويبدأ بوقف هجمات النظام وروسيا على المدنيين في شمال غربي سوريا وعودة المهجرين قسراً لمنازلهم وبمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
ومنها جريمة التجويع كسلاح أمام محكمة الجنايات الدولية، وتطبيق العدالة الانتقالية، وفق الآليات المتعارف عليها دولياً والتي تضمن عدم تكرار ما حدث في سوريا بالمستقبل، ولا يجب الاكتفاء بالاستجابة الإنسانية الطارئة والتي ينتهي مفعولها بعد أيام وليست استجابة طويلة الأمد.
لا يمكن أن يكون هناك استجابة طويلة الأمد لأكثر من 4 مليون مدني في شمال غربي سوريا بينهم 2 مليون فقدوا مصدر رزقهم ووجدوا أنفسهم في العراء إلا بإنهاء جذري لسبب مشكلتهم لا بمعالجة النتائج.