شدوى الصلاح
قال الأكاديمي والباحث التونسي الدكتور نبيل المصعبية، إن خطابات الرئيس التونسي قيس سعيد وتعامله مع معارضيه سواء أكانوا من خصومه السياسيين أو زملائه القدامى خبراء القانون الدستوري أو من عامة الشعب، يدل على أنه ينحى رويدا منحى ديكتاتوريا تسلطيا صرفا.
وأضاف في حديثه مع الرأي الآخر، أن سياسة ترذيل الغير وتأليه الذات و”ما أريكم إلا ما أرى”، والخطاب أحادي الاتجاه وغلق الميكروفونات والتهديد بوابل الرصاص والصواريخ القانونية المسوّمة، وما إلى ذلك من سمت غالب لسياسات سعيد في تعامله مع معارضيه، تعد مقدمات للقمع المادي ومؤشرات الاستبداد الدموي.
ورأى المصعبية، الأحكام الصادرة بسجن النائبين سيف الدين مخلوف ونضال السعودي، أمس الأول الثلاثاء 21 سبتمبر/أيلول 2021، دليلاً حي على الحاجة الملحة في الديمقراطيات الناشئة إلى الحصانة البرلمانية كآلية ديمقراطية لحماية نواب الشعب أثناء فترة نيابتهم من التتبعات العدلية التي تحد من قدرتهم على أداء مهامهم الرقابية.
وأوضح أن تلك الآلية تم تشويهها في تونس لدرجة إغفال جدواها المتمثلة في تمكين النائب من أداء مهامه بمنأى عن الضغوطات السياسية والقانونية للسلطة التنفيذية، مشيراً إلى أن ما حدث مع نائبي ائتلاف الكرامة ومع ياسين العياري قبلهما يحوّل فرضية جدوى الحصانة البرلمانية إلى واقع معاش وحقيقة ملموسة.
وأكد المصعبية، أن الضغط المادي والمعنوي الناجم عن تبعات ما حدث لا يشمل فقط النواب المعنيين مباشرة بها بل يمتد إلى سائر نواب البرلمان في رسالة مضمونة الوصول من السلطة التنفيذية إلى البرلمان، مفادها أن كل من يعترض على خياراتها يكون قد عرض نفسه إلى إجراءات انتقامية.
وأشار إلى أن أبسط هذه الإجراءات الانتقامية “فبركة التهم للإهانة أو التشهير أو الحط من معنويات جهاز ما”، وينجر عن ذلك إمكانية الطعن في شرعية كل قرارات السلطة التنفيذية التي يصادق عليها البرلمان في ظل تعطيل الحصانة، لأن تلك المصادقة ستكون بمثابة الاعترافات تحت وطأة التعذيب التي تُسجّل ولا يؤخذ بها بصرف النظر عن صدقيّتها.
ورأى المصعبية، أن خطابات الرئيس المليئة بالتهديد والوعيد تثبت أن البلاد تتجه من حالة الاستبداد اللين إلى حالة الاستبداد الصلب، في مسار تصاعدي مطرد، غير أن إرهاصات تحرك الشارع ضد الانقلاب التي بدأت بشكل جلي يوم 18 سبتمبر/أيلول 2021 والتي يبدو أنها متجهة نحو التكثيف والتعميم ستكون لها بلا شك الكلمة الفصل في تحديد مصير البلاد.
وجزم بأن السيناريو المرعب الذي تنطوي عليه خطابات الرئيس بعيد المنال، قائلاً إن “العودة إلى المسار الدستوري السليم هي أمر حتمي، غير أن كلفة تلك العودة وأجلها تبقى رهينة معطيات غامضة غموض الرئيس قيس سعيد نفسه”.
يشار إلى أن القضاء العسكري في تونس، قرر مساء أمس الأول الثلاثاء 21 سبتمبر/أيلول 2021، إيداع رئيس كتلة ائتلاف الكرامة، سيف الدين مخلوف، والنائب بنفس الكتلة، نضال السعودي السجن، في ظل ملاحقتها لنوابا آخرين من كتلة “ائتلاف الكرامة” (18 مقعدا من أصل 217) فيما يعرف بقضية المطار.
وتعود تفاصيل القضية، إلى مارس/آذار الماضي، إذ شهد شهد مطار تونس قرطاج الدولي شجارا بين عناصر من أمن المطار ومحامين ونواب في “ائتلاف الكرامة” إثر محاولة الأخيرين الدفاع عن مسافرة منعت من مغادرة البلاد لدواعٍ أمنية بموجب تعليمات أمنية كانت معتمدة خلال عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، لوصم كل من تحوم حولهم شبهة علاقة بتنظيمات إرهابية.
وأمس الأربعاء 22 سبتمبر/أيلول 2021، قرر الرئيس التونسي، إلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وتوليه مهمة إعداد تعديلات متعلقة بإصلاحات سياسية عبر لجنة يشكلها، استمراراً لقراراته المعلنة في 25 يوليو/ تموز الماضي، والتي أعتبرها تونسيون وخبراء دستوريين انقلابا على الدستور.
وتتمثل قرار سعيد في تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن النواب، وإقالة رئيس الحكومة، هشام المشيشي، على أن يتولى هو السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، ثم أصدر أوامر بإقالة مسؤولين وتعيين آخرين.