على قدر أهمية التعليم في بناء الإنسان والأوطان، لا سيما في المجتمعات النامية التي تنتمي إليها منطقتنا العربية، لا يرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أن التعليم أولوية قصوى أكثر من بناء القصور وحتى المدن الإدارية!.
أقرّ السيسي، أمس الأول 8 ديسمبر/كانون الأول 2021، خلال كلمته في المنتدى العالمي للتعليم العالي، ومؤتمر منظمة الإيسيسكو، بأن قطاع التعليم في مصر يعيش أسوأ حالاته.
الغريب أن كلمة السيسي كانت في فعاليات تناقش التعليم العالي وتطويره، ليخرج السيسي بتصريح صادم للشعب المصري، بأنهم بحاجة إلى 20 عاما إضافية ليشعروا بجودة التعليم، مضيفا أن “توفير تعليم جيد لـ25 مليون مصري يحتاج أموالا غير متوفرة”.
هذا التصريح أعاد تذكير المصريين بتصريح سابق قال فيه: “يعمل إيه التعليم في وطن ضائع؟”، ليتضح جلياً أن تخصيص ميزانية خاصة بالتعليم، ليس ضمن أولويات الحكومة المصرية، وأن بناء السجون وإقامة احتفالات ومؤتمرات متتالية يتفوقون في الأولوية على تعليم المواطنين.
وخلال المؤتمر، أرجع السيسي أسباب تراجع وفشل التعليم في مصر إلى “الفكر المتطرف”، مضيفا أنه السبب الرئيس في عرقلة تطوير التعليم في الدول الإسلامية، وتساءل: “هل يوجد في مصر تعليم جيد يضاهي ما يقدم في أمريكا وبريطانيا؟ بالطبع لا”.
وزعم السيسي أن ضعف وعجز الميزانية هو المتسبب في عدم توفر تعليم جيد للمصريين، مناقضاً نفسه فيما يتعلق بعجز الميزانية، حين افتتح أكبر مجمع للسجون في مصر في 16 سبتمبر/أيلول الماضي، متباهيا أنه صمم وفقا لنسخة أمريكية، وسيكون واحدا من أهم 7 أو 8 سجون في مصر.
ومن المفارقات حول نظرة السيسي للتعليم والمتعلمين، وفاة المعتقل نصر إبراهيم الغزلاني، الحاصل على لقب المعلم المثالي على مستوى الجمهورية عام 2012، بعد تدهور حالته الصحية، نتيجة الإهمال الطبي وظروف الاحتجاز غير الآدمية داخل محبسه بسجن العقرب شديد الحراسة.
وكشفت تقارير، عن أن الفترة بين 2011 و2016 شهدت إنشاء 18 سجنا، كما شهدت الفترة من 2016 حتى 2021 إنشاء وموافقات على بناء 17 سجنًا، في بلد يعاني سكانه من الفقر وسوء القطاعات الخدمية المختلفة.
وعلى الرغم من المنح التي تحصل عليها مصر لتحسين جودة التعليم من المنظمات والمؤسسات العالمية، إلا أن الرئيس المصري رأى أنه لا يوجد لدى الدولة ما يكفي، في حين أُنفقت الدولة أكثر من 800 مليار جنيه مصري على العاصمة الإدارية الجديدة حتى الآن.
وقال نائب وزير التربية والتعليم رضا حجازي، قبل أسبوع في جلسة لمجلس النواب المصري، إن مصر تواجه عجزا يقدّر بنحو 250 ألف فصل دراسي، و320 ألف معلم حاليا، موضحا أنه سيضاف إليهم قرابة 50 ألف معلم سيُحالون إلى المعاش التقاعدي حتى عام 2025، بحسب وسائل إعلام محلية.
وكشف تقرير منتدى دافوس 2020 لجودة التعليم، أن مصر جاءت في المرتبة 139 من 140 دولة، أي في المرتبة قبل الأخيرة، ورغم هذا قال السيسي، “سنأخذ بلادنا لمصاف الدول المتقدمة عن طريق تعليم حقيقي”.
يذكر أن السفير البريطاني بالقاهرة جيفري آدامز، قال في تغريده على حسابه بتويتر، في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2018، إن حكومة بلاده أعلنت تأسيس صندوق بقيمة 12 مليون استرليني بما يعادل 16 مليون دولار، وذلك للإنفاق على تطوير التعليم في مصر.
كما وافق البنك الدولي على دعم استراتيجية وطنية لتطوير التعليم الجامعي بمصر، في 14 أبريل/نيسان 2019، بقيمة ٥٠٠ مليون دولار، وهي واحدة من كبرى المنح المقدمة لتطوير لقطاع التعليم والعنصر البشري في مصر.
الأمر الذي يطرح تساؤلا عن أوجه صرف هذه المنح وهل تستخدم لتطوير التعليم أم أن الفساد طال قطاع التعليم كما طال باقي القطاعات الآخرى التي تتكشف تباعا؟، آخرها تسريب المعارض المصري عبد الله الشريف، أمس الخميس 9 ديسمبر/كانون الأول 2021، تسجيلا يكشف وقائع فساد خطيرة في الجيش.
وجاء بالتسريب أن بعض مستشاري الرئيس يمررون مشروعات للجيش دون إجراء مناقصة، مقابل رشاوى يحصلون عليها بملايين الجنيهات، مستغلين نفوذهم ومناصبهم بالقصر الرئاسي، فيما لم يصدر أي تصريح رسمي عما أثاره التسريب.
وأظهر التسريب محادثات هاتفية بين رتبة كبيرة بالجيش المصري، للواء يدعى فاروق القاضي، وهو يتفاوض على رشاوى بملايين الجنيهات مع سيدة تدعى ميرفت محمد علي، بشأن مشاريع للهيئة الهندسية للقوات المسلحة، حيث ستُمرر عقود لإنشاء محطات ومشاريع للهيئة.
ويأتي هذا في الوقت الذي طالبت فيه جهات حقوقية محلية ودولية، الدولة المصرية بالكشف عن ميزانيات ومعاملات الشركات المملوكة للجيش، مشيرين إلى أن الشركات التابعة للهيئات العسكرية، والتي تُنتج فقط سلعاً مدنية، لا تخضع للرقابة الحكومية.