كتب: د. محمد صالح المسفر
نودع هذه الأيام عام 2021 بكل أفراحه وأحزانه وآلامه وجراحه وأيدينا على قلوبنا، خشية اندلاع حروب تعصف بالمنطقة / العالم، فلا تبقي ولا تذر.
العالم كله يعيش حالة ترقب واضطراب وعدم اليقين، الأوضاع في جنوب شرق آسيا تنذر بصراع مسلح بين الصين وأمريكا وتايوان في دائرة الضوء الساطع، في أوروبا نذر الحرب متصاعدة بين دول حلف الناتو وروسيا الاتحادية ونقطة الارتكاز أوكرانيا، وأي خطأ في الحساب والتقدير لأي من أطراف النزاع أو عمل أحمق يرتكبه فرد أو جماعة بإطلاق نار هنا أو هناك سيؤدي إلى اشتعال حرب لا هوادة فيها.
على تخوم جغرافية خليجنا العربي حرب شرسة تعصف بأثيوبيا» الحبشة «نيرانها قد تتمدد نحو السودان وإرتريا وجيبوتي والصومال، نظرا لاختلاط الأعراق وتشابك المصالح. القرن الأفريقي يشرف على خليج عدن ومضائق باب المندب والبحر الأحمر، أي أنه يتحكم في طريق التجارة العالمية، وخاصة تجارة البترول والغاز المستخرج من إقليم الخليج العربي، وبأيدٍ خليجية أصبحت إسرائيل لها تواجد مسلح في البحر الأحمر ومنافذه الجنوبية، الأمر الذي يهدد أمن الخليج والجزيرة العربية. إيران تشكل بؤرة حرب محتملة ولن تكون آثارها محدودة.
أوضاع العراق وسوريا ولبنان لا تسر، وتشكل تهديدا لأمن الخليج، وحرب اليمن أعيت الدارسين لإستراتيجيا الحروب، كيف تنتهي ومتى وما نتائجها على الخليج العربي؟. وما يجري في تونس وليبيا سيؤثر بلا شك على أمن الخليج، لأن هناك أصابع تلعب في تلك المنطقة من عالمنا العربي رغم بعدها الجغرافي عن مرابعنا.
(2)
مطلع هذا العام وبالتحديد في الخامس من يناير دعت المملكة العربية السعودية إلى اجتماع قمة لدول مجلس التعاون، عقد في مدينة العلا، وتم في هذه القمة الخليجية بمشاركة مصرية وضيوف من الولايات المتحدة الأمريكية «مصالحة خليجية خليجية« على إثرها رفع الحصار/ المقاطعة عن دولة قطر الذي فرض عليها في الخامس من شهر يونيو عام 2017، وفتحت الأجواء والحدود البرية والبحرية بين قطر وجوارها (السعودي الإماراتي البحريني) وتم تبادل السفراء بين الرياض والدوحة وتم تبادل الزيارات بين القيادات القطرية والسعودية على أعلى المستويات.
ولكي تكتمل المصالحة الشاملة فلا بد من مصالحة بين السلطة والمجتمعات ولا بد أن تتوافر عوامل الثقة بينهما، ويجب ألا تكون المصالحة على مستوى القمة دون أخذ المصالحة مع أصحاب الرأي في الاعتبار، وبموجب تلك المصالحة العليا نتمنى أن ترفع قوائم الملاحقة والمتابعة لأصحاب القلم، وبذلك يسدل الستار على الماضي جملة وتفصيلا بين المجموعة الخليجية شعباً وقيادة.
(3)
انعقدت الدورة 42 لقمة مجلس التعاون الخليجي في 14 من شهر ديسمبر من العام الحالي استكمالا لقمة العلا أنفة الذكر، وقد ترأس القمتين الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع نيابة عن الملك سلمان، وصدر عن المجلس بيان ختامي مملوء بفقرات الإشادة والتبجيل مشحون بالتوصيات والتعليمات والتوجيهات مذكراً بقرارات قمم مضت، سادت لغة الطموحات والوعود والتمنيات ومطالب من الأمانة العامة بملاحقة قرارات القمم السابقة والسعي لتنفيذها، من الواجب الإشارة إلى أن البيان اكد على تنفيذ قرارات مؤتمر العلا الدورة (41) للمجلس، ودعا إلى استذكار دعوة الملك عبدالله آل سعود للانتقال بمجلس التعاون من مرحلة «التعاون إلى مرحلة الاتحاد«
لعل كثيراً من المهتمين بقرارات قمم مجلس التعاون لاحظوا عبارات «استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية، واستكمال ما تبقى من خطوات لقيام الاتحاد الجمركي والتنفيذ الكامل لمسارات السوق الخليجية المشتركة، وصولا إلى الوحدة الاقتصادية بين الدول الأعضاء« هذه العبارات ترددت بصيغة أو بأخرى في البيانات الختامية للمجلس على مدى أربعين عاما ولم يكن لها أثر على الواقع الحياتي لدول المجلس..
الملاحظ في هذا الشأن أنه جد جديد، لكن على المستوى الثنائي، وأعني تشكيل مجالس تنسيقية تشمل كل الصعد، كما جاء في مقدمة كل اتفاق تنسيقي (مجلس تنسيق بين السعودية والبحرين، وآخر بين السعودية وقطر، وكذلك بين السعودية والإمارات، وبين السعودية والكويت وبين السعودية وعمان) في هذا الإطار وبنص تلك التنسيقات فإنها تتضمن جميع المجالات، ومن هنا أليس من الأفضل تضافر الجهود بين الدول الست من اجل إقامة وحدة اقتصادية متكاملة بما في ذلك وحدة العملة النقدية «الريال / الدينار/ الدرهم الخليجي« ؟ ولا جدال بأنه ستكون لتلك العملة النقدية الخليجية مكانة دولية بين أقوى العملات العالمية.
في مجال الأمن والدفاع وردت عبارات عامة تدعو»للحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي« في الوقت الذي تتعرض فيه إحدى الدول لعدوان مسلح ومنظم بشكل يومي من قبل أطراف أخرى خارج منظومة مجلس التعاون دون أن تجد ردعا حاسما من قبل دول مجلس التعاون الخليجي.
(4)
جاء في البيان الختامي أن القمة ناقشت «اتفاقيات الدفاع المشترك وتعزيز العمل الخليجي« إلى جانب الأمن والاستقرار في المنطقة. هذا يقودنا إلى مناورات البحر الأحمر العسكرية التي جرت بين إسرائيل والإمارات والبحرين والولايات المتحدة الأمريكية، والاتفاق الرباعي (الهند وإسرائيل والإمارات وأمريكا) الذي يهدف كما ذكر البيان الصادر عن ذلك الاجتماع بين وزراء خارجية الدول المذكورة «لتوسيع التعاون الاقتصادي والسياسي في الشرق الأوسط وآسيا« الجدير بالذكر أن مجموعة (اليابان والهند وأستراليا وأمريكا) تعتبر الصين المهدد الأكبر لأمن « لاندو ـ باسفك« والصين اليوم أرض الصراع المحتمل مع الولايات المتحدة الأمريكية، فأين ستقف الإمارات إذا نشب صراع بين القوتين العظميين وما أثر ذلك على أمن الخليج.
الأمر الثاني: الهند لها قوة بشرية في الخليج تزيد على 8 ملايين نسمة ولها مشروع كامن نحو الخليج وبتقارب ومشاركات عسكرية أو غير ذلك من قبل طرف من أطراف مجلس التعاون مع قوتين نوويتين لهما تطلعات نحو التمدد على حساب الخليج العربي، نكون بذلك وضعنا أنفسنا في مأزق يصعب الخروج منه.
آخر القول: أليس من الأجدر أن يجري تنسيق بل وحدة عسكرية بين دول المجلس وتحييد المنطقة والنأي بها عن أي صراعات دولية أو إقليمية؟.
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”
المقالة السابقةالقرار الوطني الفلسطيني المستقل: مستقل عمّن؟
المقالة التالية معتقل منذ 4 سنوات.. جلسة محاكمة للباحث السعودي حسن المالكي اليوم