كتب: نبيل السهلي
في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل إلى تهويد الزمان والمكان الفلسطينيين، يبقى الهاجس الأكبر لقادتها؛ الديموغرافيا؛ التي تعتبر الركيزة الجوهرية للمشروع الصهيوني وتمدده على حساب الوطن الفلسطيني؛ فمن جهة تستمر إسرائيل في عمليات التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني؛ بغرض تهجير أكبر عدد ممكن منه؛ في وقت تحاول المؤسسات الإسرائيلية والصهيونية على حد سواء جذب مزيد من يهود العالم لفرض التفوق الديموغرافي الحاسم على أصحاب الأرض الحقيقيين لفرض الرواية والدعاية الصهيونية حول احتلال فلسطين.
الهاجس الأهم
في ذكرى نكبة الفلسطينيين الكبرى في الخامس عشر من أيار/مايو من كل عام، وكذلك مع نهاية كل عام يصدر الجهاز الإحصائي الإسرائيلي تقارير حول التحولات الديموغرافية التي شهدتها دولة الاحتلال مقارنة بالسنة السابقة؛ الأمر الذي يشي بأهمية الديموغرافيا كهاجس يومي يلاحق قادة إسرائيل؛ التي أنشئت على حساب الشعب الفلسطيني ووطنه بعد عملية طرد طالت مئات الآلاف منه، وعملية إحلال لمهاجرين يهود تمّ جذبهم من أكثر من مائة دولة في العالم.
وفي هذا السياق، أشار الجهاز الإحصائي الإسرائيلي أخيرا إلى اجتذاب (25) ألف مهاجر يهودي جديد إلى فلسطين المحتلة خلال العام الماضي 2021 ؛ غالبيتهم من روسيا؛ وبنسبة تصب إلى ثلاثين في المائة. في وقت مجموع سكان إسرائيل هو تسعة ملايين وأربعمائة وتسعة وأربعين ألفا في نهاية العام المذكور؛ أي بزيادة قدرها (1.7) في المائة مقارنة بعام 2020.
وأشار الجهاز الإحصائي الإسرائيلي في تقريره السنوي، إلى أن (73.9) في المائة من سكان إسرائيل (6.982 مليون نسمة)، هم من اليهود، في حين بلغ عدد سكان العرب ( 1.995) مليون نسمة، وهو ما يشكل (21.1 ) في المائة من إجمالي السكان، بالإضافة إلى حوالي 472 ألف شخص؛ يشكلون خمسة في المائة؛ هم من غير العرب واليهود.
وقد حصلت زيادة سكانية بنحو (160) ألفا خلال عام 2021 مقارنة بالعام السابق، بمعدل زيادة بنحو 1.7 في المائة، وثمة حوالي (83) في المائة من الزيادة كانت طبيعية، كنتيجة مباشرة لميزان المواليد والوفيات، في حين ساهمت الهجرة اليهودية بنحو (17) في المائة من إجمالي الزيادة السكانية خلال العام المنصرم.
وخلال عام 2021 وُلد حوالي 184000 طفل (73.8 في المائة لأمهات يهوديات،(23.4) في المائة لأمهات عربيات و(2.8) في المائة لآخرين، قد يكونون من العاملين الآسيويين والأفارقة في الاقتصاد الإسرائيلي كبديل للعمال من الضفة وقطاع غزة.
وكان عدد سكان إسرائيل عند إنشائها في أيار /مايو من عام 1948 ثمانمائة وستة آلاف نسمة؛ من بينهم أكثر من مائة وخمسين ألف فلسطيني بقوا في مدنهم وقراهم في الداخل الفلسطيني المحتل؛ أكدوا الدوام على هويتهم العربية الفلسطينية، وهم بذلك ذخر ديموغرافي مادي ومعنوي استراتيجي للشعب الفلسطيني.
التشبث بالأرض
على الرغم من الدعوات التي يطلقها قادة إسرائيل وبعض مراكز البحث بين فترة وأخرى، لهجرة مزيد من يهود العالم إلى فلسطين المحتلة عبر إغراءات مالية كبيرة وتخويفهم من مستقبل ينتظرهم في الدول التي ولدوا وترعرعوا فيها أصلا؛ لكن ثمة عقبات تحول دون هجرات كبيرة كما حصل من دول الاتحاد السوفييتي السابق في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، ومرد ذلك في الدرجة الأولى تراجع ملحوظ لعوامل الطرد لليهود من دول الأصل باتجاه فلسطين المحتلة، خاصة أن أكثر من نصف اليهود في العالم موجودون حاليا في دول أكثر جذبا من الاقتصاد الإسرائيلي، كالولايات المتحدة الأمريكية التي يتركز فيها خمسة ملايين وخمسمائة ألف يهودي، وفي فرنسا خمسمائة وخمسين ألفا.
والملاحظ أن الصراع الديمغرافي بين العرب الفلسطينيين واليهود في إسرائيل على صعيد الكم والنوع، هو لصالح العرب في المدى البعيد، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار معدلات النمو العالية بين العرب مقارنة بمثيلاتها بين اليهود، فضلا عن تراجع أرقام الهجرة اليهودية باتجاه فلسطين المحتلة، بفعل تراجع عوامل الجذب المحلية لليهود إلى فلسطين المحتلة في المقام الأول، في حين أنه لا توجد عوامل طاردة لليهود باتجاه فلسطين المحتلة من الدول ذات الجذب الاقتصادي ككندا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا، وقد يكون صمود الفلسطيني فوق أرضه وارتفاع مستويات التعليم، وخاصة بين الإناث من العوامل الأساسية في الصراع المذكور، خاصة أن الحركة الصهيونية وإسرائيل اعتمدت فكرة الترانسفير للعرب الفلسطينيين مدخلا أساسيا من أجل تحقيق التفوق الديمغرافي في المدى البعيد كما أشرنا سابقا؛ وهنا تكمن أهمية وضرورة دعم العرب الفلسطينيين فوق أرضهم وتشبثهم بها، كما حصل خلال هبة الأقصى الرمضانية في أيار/مايو من العام الماضي 2021 .
وقد ترسخت الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني وهويته الجامعة في أماكن وجوده كافة؛ في الداخل الفلسطيني والضفة الغربية، بما فيها القدس وقطاع غزة والمهاجر القريبة والبعيدة؛ وذلك دعما لأهلهم وذويهم في جنبات مدينة القدس، وبالتحديد في حي الشيخ جراح والأحياء الأخرى خلال هبة الأقصى الرمضانية في أيار/مايو من العام المنصرم 2021، وبوحدة الشعب والهوية ونصرة كل أحرار العالم للحق الفلسطيني، يمكن مواجهة سياسات المحتل الإسرائيلي وعدم تحقيق أحلام قاداته وقادة الحركة الصهيونية الأوائل؛ التي تتمحور في قلب الميزان الديمغرافي لصالح اليهود بعد تحقيق السيطرة الكبيرة على الأرض الفلسطينية، لفرض الدعاية والرواية الصهيونية – الإسرائيلية لاحتلال فلسطين وتهويدها.
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”