كتب: حسام كنفاني
“زيارة المسؤول العربي الفلاني إلى تل أبيب”، “وفد إسرائيلي في جولة في إحدى الدول العربية”، “مباحثات إسرائيلية عربية حول الاستقرار في المنطقة”. باتت هذه العناوين طبيعية في الآونة الأخيرة مع فتح باب التطبيع مع سلطات الاحتلال على مصراعيه، ولم يعد التوقف عندها يأخذ وقتاً طويلاً، بل بتنا نمر عليها مرور الكرام باعتبارها أصبحت جزءاً من المشهد السياسي في المنطقة، والذي تريد الولايات المتحدة، وغيرها من الدول الغربية، رسمه، ومضمونه الأساسي ليس أن إسرائيل باتت كياناً طبيعياً في المحيط العربي فحسب، بل أصبحت لاعباً مؤثراً في تفاصيله أيضاً.
وفق هذا المنظور، يمكن النظر إلى ما تسرب أمس عن هبوط طائرة خاصة تابعة للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر في مطار بن غوريون، ومكوثها فيه ساعتين، قبل أن تغادر عائدة إلى قبرص. ورغم عدم جلاء من حملت هذه الطائرة، وما كانت فحوى اللقاءات التي أجراها المسؤولون على متنها مع الإسرائيليين، إلا أنه لا يمكن فصل الحادثة عن التطورات السياسية في ليبيا، والتحضيرات للانتخابات الرئاسية والتشريعية التي كانت مقررة الشهر الماضي قبل تأجيلها، والتي يلعب حفتر دوراً محورياً فيها، ويبحث عن مساندة لحسمها لمصلحته.
اللافت أن هذه ليست المرة الأولى التي تحط فيها طائرة حفتر في تل أبيب، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن طائرة أقلّت صدام، نجل حفتر، حطّت في مطار بن غوريون قادمة من أبوظبي. ولفتت الصحيفة في حينه إلى أن نجل حفتر طلب من إسرائيل تقديم مساعدة عسكرية وسياسية لوالده، مقابل تعهده بتطبيع العلاقات معها. وليس هذا التقرير الأول من نوعه عن اتصالات بين معسكر حفتر وإسرائيل، فقد تحدّثت تقارير مماثلة في السابق عن اتصالات بين حفتر نفسه ومسؤولين إسرائيليين، بلغت حد لقاء مسؤولين من “الموساد” في مناسبات عدة.
سلوك كهذا، والطرق على الباب الإسرائيلي الذي يمارسه حفتر ونجله، لم يعد حالة استثنائية في المشهد السياسي العربي الجديد، والذي تتصدّره دول عربية باتت ترى في إسرائيل المدخل الأساس للحصول على الرضى الأميركي، وبالتالي المشروعية الدولية. ورغم أن معادلة كهذه ليست جديدة بالنسبة إلى الولايات المتحدة تحديداً، والتي كانت وما تزال ترى في التقرّب من إسرائيل معياراً مفصلياً للحكم على التوجهات السياسية العربية، إلا أن الأمر تكرّس في الآونة الأخيرة، ويتّجه إلى أن يكون معادلة سياسية راسخة في المنطقة.
المعادلة تتماشى مع الاتجاه الأميركي العام، والذي ظهر مع حكم الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، وهو الابتعاد قدر الإمكان عن التدخل المباشر في الملفات الخارجية. هذا التوجه مرّ بتحولات مع حكم دونالد ترامب، ووصول جو بايدن الآن إلى سدّة الرئاسة الأميركية. واليوم تبدو الولايات المتحدة في طور اللجوء إلى “وكلاء حصريين” وفق التقسيمات الإقليمية والدولية، في ظل انشغالها أساساً بالملفات التي يراها بايدن أولوية قصوى، وهي مواجهة نفوذ الصين وروسيا المتصاعد.
إسرائيل في هذه الحالة اليوم قد تصبح هذا “الوكيل الحصري” في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً في ظل الانفتاح الذي تبديه اليوم دول عربية كثيرة تجاه الكيان الصهيوني، والذي يتجلى في الزيارات واللقاءات، السرية والعلنية، لمسؤولين عرب مع نظرائهم الإسرائيليين. ومن الواضح أن هذا الانفتاح في طور التوسع، وسط تلميحات كثيرة تصدر عن مسؤولين عرب بالاستعداد للتطبيع مع إسرائيل. ومن المرتقب أن تشهد السنوات القليلة المقبلة المزيد من الطرق العلني العربي على الباب الإسرائيلي، باعتباره مدخلاً إلى الرضى الغربي.
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”