بينما تتوارد الأنباء باستمرار عن وقوع حالات وفاة بين المعتقلين في السجون المصرية جراء الإهمال الطبي المتعمد وأوضاع السجون المزرية، وكان أخرهم أحمد شاهين، المعتقل على ذمة قضايا ذات طابع سياسي،والذي توفي أمس الخميس في محبسه.
زعمت وزارة الداخلية المصرية، عدم وجود تعذيب أو حالات وفاة أو إهمال طبي داخل السجون، قائلة إن ما تداولته التقارير عن حالات الوفاة نتيجة الإهمال الطبي في السجون خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي، هو محض إفتراءات من جماعة الإخوان “الإرهابية”.
منظمة “نحن نُسجّل” الحقوقية، المعنية بجمع البيانات وتوثيق الانتهاكات عبر التفاعل مع الضحايا والنشطاء ومؤسسات المجتمع المدني، إن المعتقل شاهين، هو ثاني حالة وفاة داخل السجون المصرية خلال شهر فبراير/شباط والرابعة منذ مطلع العام الجاري.
كما رصدت المنظمة في إحصائياتها السنوية لعام 2021، وفاة 60 محتجزًا على الأقل بالسجون المصرية، بينهم 52 ضحية من معتقلي الرأي، مشيرة إلى تنوع أسباب الوفاة ما بين 27 سجينًا جراء الإهمال الطبي، و7 سجناء بفيروس كورونا، وحوادث أخرى متفرقة.
وفي عام 2020، كشفت منظمة كوميتي فور جستس (مؤسسة حقوقية مصرية مستقلة)، في تقرير لها بعنوان “المصريون بين جائحتي كورونا والقمع”، أن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر وصلت إلى أكثر من 13 ألف انتهاك في 153 سجنًا ومقرًا للاحتجاز، بحق 7616 مواطنا.
ووفق المنظمة، رُصدت 101 حالة وفاة داخل السجون المصرية خلال عام 2020، موزعة ما بين الإهمال الطبي المتعمد بواقع 89 حالة وفاة، و 6 حالات جراء سوء أوضاع الاحتجاز، و5 نتيجة التعذيب وحالة انتحار واحدة.
وعلى الرغم من أن القوانين الدولية تنص على أن الحكومات مسؤولة عن صحة السجناء، والسماح لهم بالحصول على الرعاية الصحية اللازمة والعلاج، إلا أن الأمر بعيد عن السجون والمعتقلات المصرية كل البعد.
حيث أكدت المنظمات المحلية والدولية، أن السجون المصرية تشهد غيابا للرعاية الصحية الكافية، ولا تعني بسلامة النزلاء، لافتة إلى عدم وجود أي نظام أو إجراءات خاصة بالتدخل العاجل عند تعرض نزيل لطارئ صحي.
ولا يسع السجناء سوى اللجوء إلى الصراخ والطرق على أبواب زنازينهم حتى يسمعهم أحد الحراس ويتمكن من التواصل مع ضابط لديه المفاتيح، الأمر الذي يتطلب ساعات عدة، قد يفقد فيها نزيل السجن المريض حياته.
ومن تلك الحالات، المعتقل سالم حسان، بسجن وادي النطرون، والذي وافته المنية نتيجة الإهمال الطبي، في أبريل/نيسان 2021، حيث كان مريض قلب، ولم توليه إدراة السجن الرعاية الصحية اللازمة وفق مركز الشهاب لحقوق الإنسان.
وتوفي المعتقل طلعت عبد الحكيم الخولي، في سجن المنيا بصعيد مصر، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، جراء الإهمال الطبي، وسبقه المعتقل السياسي ناجي صبح السيد، الذي توفي في محبسه بسجن شبين الكوم بمحافظة المنوفية، لذات السبب.
كما أعلنت منظمة “نحن نسجل”، خبر وفاة نصر الغزلاني، بسجن العقرب “سيء السمعة”، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد تعرضه طوال سنوات احتجازه الثمانية إلى الإهمال الطبي، ومع تدهور حالته نقلته إدارة السجن للمستشفى لإجراء جراحة بالمخ، دون إخبار أسرته.
وفي مطلع سبتمبر/أيلول 2021، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، إن السلطات المصرية تستخدم الإهمال الطبي والتعذيب وإجراءات مكافحة الإرهاب المسيئة بشكل ممنهج، لسحق المعارضة السلمية، مضيفة أن مصر تشهد أسوأ أوضاع حقوقية.
ونقلت المنظمة عن أسرة عبد المنعم أبو الفتوح، زعيم حزب مصر القوية، والمعتقل منذ عام 2018 في سجن طرة بالقاهرة، أنه عانى من أعراض تشبه نوبة قلبية حادة في محبسه الانفرادي، وطرق أبو الفتوح، باب زنزانته طوال الليل طالبا المساعدة من حراس السجن دون أن يسعفه أحد.
وانتقدت المنظمة، الحكومة المصرية ووصفتها بـ”المستبدة” لما تمارسه من حرمان انتقامي وغير قانوني لحقوق السجناء في الحصول على رعاية طبية، مؤكدة أن ما يحدث للمعارضين السياسيين بالسجون يرقى إلى القتل البطيء وجرائم ضد الإنسانية.
فيما نشرت منظمة العفو الدولية، تقريرا بعنوان “ما تموتوا ولا تولعوا”، في يناير/كانون الثاني 2021، يرصد شهادات احتجاز 67 شخصا في سجون مختلفة، قالوا إن “مسؤولي السجن يبدون استهتارا تاما بحياة السجناء وسلامتهم”، وأن السلطات تتعمد حرمان معتقلي الرأي من الرعاية الصحية والطعام والزيارات العائلية الكافية.
وفي أغسطس/آب 2021، تغزل الداعية خالد الجندي، المحسوب على نظام الانقلاب العسكري في مصر، بالسجون عقب زيارته لها بمناسبة السنة الهجرية الجديدة، زاعما أنها “لم تعد مؤسسات عقابية وتتمتع بكافة الأنشطة، وأصبحت على غرار الفنادق والمنتجعات”.
لتثير تصريحاته السخرية بين نشطاؤ وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة أنها جاءت بعد مرور أيام من تسجيل حالتي وفاة جديدتين داخل السجون، جراء الانتهاكات المتكررة ونقص الرعاية الصحية، مؤكدين أن مقرات الاحتجاز في مصر أبعد ما تكون عن الحياة الآدمية.
وكان رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، أعلن في سبتمبر/أيلول 2021، افتتاح أكبر مجمع سجون في البلاد، متفاخرا أنه سيكون على الطراز الأمريكي، وسيوفر “إعاشة محترمة ورعاية طبية وإنسانية وثقافية وإصلاحية محترمة جدا”، وفق قوله.
وفي مارس/آذار 2021، أدانت أكثر من 30 دولة انتهاك الحقوق والحريات في مصر أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مستنكرة إجراءات السلطة المتمثلة في حرمان السجناء السياسيين من الرعاية الطبية والتعذيب وإبقاء المعتقلين في الحبس الاحتياطي، بغرض تكميم أفواه المعارضة.
وأشارت المنظمات الحقوقية، إلى افتقاد السجون المصرية، لمقومات الصحة الأولية من الغذاء الجيد والمرافق الصحية، ودورات المياه الآدمية التي تلائم أعداد السجناء، وأيضا الإضاءة والتهوية، لافتة إلى أن أغلبها يشهد اكتظاظا شديدا بالسجناء، إذ تشير الإحصاءات إلى وجود أكثر من 100 ألف سجين، بينهم نحو 65 ألف معتقل سياسي.
وطالبت بضرورة فتح تحقيق في وفاة كل معتقل أو سجين داخل أي من مقرات الاحتجاز أو السجون المصرية، مشددة على أهمية تسهيل الإجراءات اللازمة لتلقي الرعاية الصحية بالسجون وتخصيص ميزانية لتحسين البنية التحتية فى أماكن الاحتجاز، وتوفير الأجهزة الطبية اللازمة.
وتناولت الصحافة العالمية ملف انتهاكات النظام المصري لنزلاء السجون والمعتقلات، حيث نشرت صحيفة نيويورك تايمز، مقالا في ديسمبر/كانون الماضي للأكاديمية ليلى سويف، والدة الناشط المعتقل علاء عبد الفتاح.
وذكرت سويف، ما يتعرض له علاء من انتهاكات في محبسه، حيث جرى تجرديه من ملابسه وتعرّض للضرب في مشهد يسميه السجناء حفل الترحيب.
كما نشرت صحيفة واشنطن بوست في مايو/أيار 2020، مقالا بعنوان “وفاة معارض آخر في سجون مصر بينما يواصل دكتاتورها سجن المزيد”، بعد وفاة المخرج شادي حبش.
وقالت الصحيفة، إن “لا سجنه الظالم ولا وفاته المفاجئة فريدة من نوعها لأنه بحسب بيان صادر عن ائتلاف من جماعات حقوق الإنسان المصرية هو ثالث سجين سياسي يموت في ملابسات مريبة في الزنزانة رقم 4 من سجن طرة بالقاهرة الأشهر العشرة الماضية”.
أما صحيفة التايمز، نقلت في فبراير/شباط 2016، عن السجين الإيرلندي من أصل مصري إبراهيم حلاوة، قوله إن “الجلادون في السجون المصرية يستخدمون أساليب الإعدام الوهمية، والضرب بالصعقات الكهربائية”.
وأضاف أنه “وزملاءه السجناء تعرضوا للضرب المستمر من حرس السجن، واضطروا لأكل الدود حتى يحصلوا على البروتين الذي يفتقدونه بسبب سوء التغذية، وأنه جرد من ملابسه وانتهك جنسيا، وتم الدوس على جسده وهو عار”.