كتب: جواد فيروز
أثبتت الخيارات الأمنية التي لجأ إليها النظام في البحرين بعد اندلاع الحركة الشعبية السلمية في 14 شباط 2011، والتي لا يزال متمسّكاً بها وتُشكِّل خياره الوحيد في التعامل مع الشعب، فشَلها في إلغاء تطلّعات البحرينيّين نحو الديموقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، بل ساهمت في تعميق الأزمة السياسية والحقوقية، وفاقمت من الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية.
ومنذ انطلاقة الحركة الشعبية، تمّ سجن أكثر من 20 ألف بحريني، بينهم قيادات في المعارضة ونواب وبلديون سابقون، وعلماء دين وأطباء ومحامون، ورجال أعمال ونشطاء حقوق إنسان وإعلاميون ومصوّرون، ورياضيون وطلاب جامعات ومدارس، وأطفال وكبار سنّ ونساء، خضعوا جميعاً لعمليات اعتقال تعسّفية وتعذيب، ثمّ أحكام قاسية بالإعدام والسجن لمدد طويلة وإسقاط الجنسية، بسبب كفاحهم ضدّ الظلم والاضطهاد والتمييز والفساد، وللحصول على حقوق المواطنة الكاملة.
القتل خارج إطار القانون والإعدام
تؤكد العديد من المصادر الحقوقية أن عدد الذين قُتلوا خارج إطار القانون في البحرين، سواءً تحت التعذيب أو أثناء المواجهات الأمنية مع المتظاهرين السلميّين منذ 2011، يفوق 200 مواطن، العديد منهم أطفال وكبار في السن. أمّا عدد المحكومين بالإعدام في القضايا السياسية فقد وصل إلى 36، وهم كالتالي: خمسة تمّ تنفيذ الحكم بحقّهم في 15 كانون الثاني 2017 (عباس السميع، علي السنكيس، وسامي مشيمع)، واثنان أُعدما في 27 تموز 2019 (علي العرب وأحمد الملالي). حالياً، هناك 12 محكوماً بالإعدام أنهوا جميع إجراءات التقاضي، وهم مسجونون في البحرين، وينتظرون مصادقة الملك. كما ثمّة 9 محكومين آخرين موجودين في الخارج وانتهت مدّتهم للتقاضي والطعن في الحكم. وأخيراً، هناك 10 تمّ تغيير الحكم بحقّهم إلى المؤبّد من قِبَل محكمة التمييز، من ضمنهم أربعة جرت محاكمتهم في محكمة عسكرية. والجدير ذكره، هنا، أنّ جميع أحكام الإعدام، سواءً التي نُفّذت أو قيد التنفيذ، جاءت في أعقاب محاكمات غير عادلة، وانتزاع اعترافات تحت التعذيب.
التمييز والاضطهاد الديني
المواطنون غير متساوين أمام القانون؛ إذ تستخدم الدولة السلطة القضائية ضدّ المواطنين المعارضين لسياساتها الاستبدادية والقمعية، بعد أن عملت على فرز المجتمع واستهداف هؤلاء بشتّى الأساليب القمعية إثر مشاركتهم في الحركة الشعبية، وإصدار أحكام بالإعدام وإسقاط الجنسية والسجن على الآلاف منهم. وفي المقابل، لا تتمّ مقاضاة أفراد الأسرة الحاكمة، على رغم وجود أدلّة دامغة على تورّطهم في جرائم تعذيب، جرى تجاهلها جميعاً، إلى جانب تجاهل الإجراءات غير القانونية كالاعتقال والتفتيش من دون مذكّرة قبض أو ضبط قضائي، فضلاً عن مخالفة الدستور وميثاق العمل الوطني والمواثيق والمعاهدات الدولية. كذلك، ثمّة تمييز فاقع ضدّ المكوّن الرئيس في البلاد، أي المواطنين الشيعة، الذين جرى هدم 37 مسجداً لهم منذ نيسان 2011، ولم يُسمح حتى الآن سوى بإعادة بناء خمسة منها، فضلاً عن حرمانهم من التوظيف في الأجهزة الأمنية والجيش والديوان الملكي إلّا ما ندر، وعدم السماح لهم بالوصول إلى مناصب عليا في الوزارات السيادية للدولة، وممارسة التمييز ضدّهم في الترقيات والبعثات الدراسية والخدمات الإسكانية. يُضاف إلى ما تَقدّم أن مختلف المؤسسات الشيعية الدينية التي أغلقها النظام منذ 2011 لا زالت على حالها، مثل «جمعيتَي التوعية والرسالة»، والحال نفسه ينسحب على أكبر وأهمّ مؤسسة دينية للمواطنين الشيعة وهي «المجلس العلمائي»، ناهيك عن منْع صلاة الجمعة والجماعة في كثير من مساجد الشيعة، ومصادرة أموال الخمس (الضريبة المالية الشرعية التي يدفعها هؤلاء لمراجع الدين)، وإسقاط الجنسية البحرينية عن أكبر شخصية دينية شيعية في البلاد وهي آية الله الشيخ عيسى قاسم، وغيره من كبار علماء الدين مثل الشيخ حسين نجاتي والشيخ محمد سند، ومحاكمة آية الله قاسم بتهمة غسيل الأموال بسب استلامه أموال فريضة الخمس.
إسقاط الجنسية والترحيل القسري
يُعتبر إسقاط الجنسية من الانتهاكات الجسيمة التي مورست ضدّ المواطنين، سواءً عن طريق مراسيم ملكية أو قرارات وزارية أو أحكام صادرة من قضاء مسيّس وغير مستقلّ. ويصل عدد المواطنين المُسقَطة جنسياتهم منذ الدفعة الأولى (31 مواطناً كنْت أحدهم في 7 تشرين الثاني 2012) إلى حوالى 990، بينهم نواب سابقون، وعلماء دين كبار، ومحامون وأكاديميون، وحقوقيون وإعلاميون، وشخصيات سياسية بارزة. وعلى إثر الحملات التي قادتها المنظّمات الحقوقية المختلفة، ومنها «منظّمة سلام للديموقراطية وحقوق الإنسان»، تمّ تثبيت جنسية 551 من هؤلاء بتاريخ 21 نيسان 2019 بمرسوم ملكي، ولكن مع الأسف الشديد لم تُنهِ السلطات إلى الآن الإجراءات المطلوبة لاستلام العديد منهم جوازاتهم وأوراقهم الثبوتية، فيما الكثيرون ممّن أُسقطت جنسياتهم تمّ ترحيلهم قسراً إلى خارج البلاد.
الحرمان من الحقوق السياسية
في 28 كانون الأول 2014، اعتُقل الشيخ علي سلمان، أمين عام «جمعية الوفاق الوطني الإسلامية» – أكبر جمعية معارضة في البحرين -، وأحد أبرز الشخصيات المعارِضة التي قادت المفاوضات مع الحكومة، ومن ثمّ أُعلن حلّ الجمعية وإغلاق مقارّها والتحفّظ على جميع حساباتها وأموالها الثابتة والمنقولة بتاريخ 14 حزيران 2016، عن طريق دعوى رفعها وزير العدل والشؤون الإسلامية في البحرين إلى المحكمة الإدارية وبشكل مستعجل. وبالأسلوب نفسه، جرى حلّ «جمعية العمل الوطني الديموقراطي» (وعد) المعارِضة، وإغلاق مقارّها، والتحفّظ على جميع حساباتها وأموالها الثابتة والمنقولة بتاريخ 31 أيار 2017. وسبق ما تَقدّم حلّ «جمعية العمل الإسلامي» المعارِضة في تموز 2012. وبعد اكتمال إجراءات حلّ كبرى الجمعيات السياسية المعارِضة، صدر بتاريخ 10 حزيران 2018 قانون رقم 25 لسنة 2018، بتعديل المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 14 لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية، عبر إضافة شريحة جديدة تُمنع من حقّ الترشح للانتخابات. وبهذا التعديل، دشّن النظام بداية عهد العزل السياسي، مستبِقاً الانتخابات النيابية والبلدية التي جرت بتاريخ 24 تشرين الثاني 2018، حيث أشارت المعطيات إلى أن المنع لم يقتصر على الحقّ في الترشّح، بل اشتمل أيضاً الحق في التصويت، فيما تمّ رصد شطب ما يقرب من الـ10 آلاف شخص من جداول التصويت. ولم تتوقّف عملية محاصرة المعارضة السياسية على ذلك، إنّما تعدّته إلى منع قيادات وأعضاء الجمعيات المنحلّة من الترشّح لمجالس إدارات الجمعيات الخيرية والمنظّمات الأهلية والأندية الرياضية، كما جرى أخيراً عبر حرمان عدد من أعضاء «الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان» من الترشّح لانتخابات مجلس إدارة الجمعية.
في الختام، لا يوجد أيّ اعتبار لأيّ ادّعاء من قِبَل النظام بأنه يسعى لتحقيق إصلاح حقوقي، من دون أن يتبنّى مشروعاً للإصلاح السياسي الجذري والشامل، ومن ذلك وجود قضاء عادل ومستقلّ، والإفراج عن جميع معتقلي الرأي، وجبر الضرر وتحقيق العدالة الانتقالية بما يؤسّس لإنهاء الانتهاكات كافة على الصعيدَين السياسي والحقوقي، وإطلاق مرحلة جديدة من المصالحة الوطنية، بدءاً بالإفراج عن قيادات المعارضة، ومن ثمّ عقْد حوار وطني موسّع يؤدي إلى توافق على حلّ الأزمات الراهنة، وفي مقدّمتها الأزمة السياسية.
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”