كتب: كمال عبداللطيف
تعرضت فلسطين والأردن، منذ مطلع العام الحالي، إلى عشرات الهزات الأرضية، بين خفيفة ومتوسطة، كانت آخرها هزتان ليلة وصباح الأربعاء 16/2، ما أثار من جديد المخاوف من حدوث زلزال قوي يؤدي إلى سقوط آلاف الضحايا وإلى انهيار عشرات آلاف المباني، ويعرض المسجد الأقصى للخطر، وقد يؤدي إلى تفجير فرن ديمونا الذري، بكل ما يعنيه ذلك من دمار إقليمي رهيب.
وإذ يجمع المختصون على أن الزلزال القوي مقبل لا محالة، وعلى أن الأضرار ستكون فظيعة، فإن هناك الكثير مما يمكن فعله للتقليل منها ولحشر إسرائيل في الزاوية، في أكثر القضايا حساسية بالنسبة لها: قدس أقداسها القائم في ديمونا والحفريات تحت المسجد الأقصى، الذي لم تعد تخفي مطامعها ومآربها فيه.
زلزال كل مئة عام
يستدل من مراجعة تاريخ الهزات الأرضية، التي ضربت فلسطين على مرّ التاريخ، أن زلزالا قويا يجتاحها كل مئة عام بالمعدل، وكان الزلزال الأخير بقوة 6.2 في سلم ريختر وحدث عام 1927، وأدى إلى مقتل حوالي 600 شخص وإصابة الآلاف، وإلى هدم عشرات الآلاف من المنازل. وقد ضرب هذا الزلزال مناطق القدس ورام الله وبيت لحم والجليل، ودمر أجزاء من طبريا وصفد وبيسان ونابلس والناصرة والرملة واللد، وحدثت انهيارات في عدد من مباني الحرم القدسي الشريف، وقام المجلس الإسلامي الأعلى بترميمها. قبل ذلك حدث زلزال عام 1837، أدى إلى تدمير صفد بالكامل، وإلى هدم أجزاء من طبريا وإلى مقتل نحو 800 شخص. وسبقته عام 1759 هزة أرضية قوية تركزت أغلب أضرارها في منطقة غور الأردن، وتحديدا في بيسان ومحيطها. وتلتها أمواج تسونامي عاتية خرجت من بحيرة طبريا، واجتاحت بلدة طبريا نفسها، وأدت إلى دمار شامل لنحو 20 قرية فلسطينية حول البحيرة وإلى مقتل الآلاف.
وكان من أشد الهزات الأرضية، التي تعرضت لها فلسطين، زلزال عام 1033، الذي أدى إلى انهيار أجزاء من سور القدس، وإلى دمار شبه كامل لأريحا والرملة وطبريا، وخراب واسع النطاق في عكا ومينائها. وقد تهدمت جراء هذا الزلزال أجزاء كبيرة من المسجد الأقصى، وقام الخليفة الفاطمي الظاهر بن منصور بإعادة تشييده وبناء سبعة أروقة، كما هو اليوم. وقبل ذلك حدثت هزة أرضية عام 774 وانهارت أروقة المسجد الأقصى الخمسة وقام الخليفة العباسي المهدي بترميمها وبإصلاح الأضرار كافة في المباني المجاورة. وأدت تلك الهزة أيضا إلى خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات، من الصعب تقديرها لانعدام التسجيلات التاريخية الموثوقة.
الأقصى في خطر
لقد ألحقت الزلازل القوية التي اجتاحت فلسطين أضرارا متباينة بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة والمباني المحيطة بهما، لكنها لم تؤد إلى انهيار شامل، وكانت الأضرار، منذ زلزال 1033، محدودة، نظرا لمتانة البناء وحسن صيانته وتقويته ولثبات قاعدته وأسسه. لكن الوضع اليوم مختلف تماما، بسبب الحفريات الإسرائيلية تحت سطح المسجد وباحاته والمباني المحيطة به. من هذه الحفريات ما هو معروف، لكن معظمها مجهول وسري، وهي كلها تشكل خطرا على المسجد الأقصى. من نافل القول إن مبنى بقدسية ومكانة ورمزية المسجد الأقصى، بحاجة إلى تدعيم وصيانة وإلى طمأنة أصحابه المسلمين والعرب والفلسطينيين، بأنه لا يتعرض لأي خطورة. إسرائيل من جهتها تفعل العكس تماما، فهي نفذت وتنفذ حفريات تحت سطح المسجد، وتقوم بتفريغ باطن أرضه من الطمم والأتربة، ما يبقي الأعمدة التاريخية القديمة، التي يقف عليها عرضة للانهيار حتى في الأحوال العادية، ويتضاعف هذا الخطر أضعافا مضاعفة في حال حدوث هزة أرضية قوية. هناك صمت إسرائيلي مريب حول ما يجري في باطن الأرض تحت المسجد الأقصى، وقد شذ عن قاعدة الصمت الإسرائيلية، قائد الجبهة الداخلية السابق في منطقة القدس، حين ليفني، الذي توقع انهيار المصلى الإبراهيمي، وكذلك خبيرة الآثار إيلات مازور، التي قالت: «من الممكن ألا ينهار المصلى المرواني وحده، بل المسجد الأقصى برمته».
تنكر إسرائيل الرسمية، أن حفرياتها تحت المسجد الأقصى تعرضه للخطر، وعند طرح أسئلة حول هذا الموضوع، يجيب المسؤولون الإسرائيليون «الحفريات التي نقوم بها نحن ليس فيها خطر» في إشارة خبيثة إلى أنه إذا حل زلزال وحدثت كارثة انهيار في المسجد الأقصى فإن إسرائيل «بريئة» من الذنب والمسؤولية تقع على الأوقاف وعلى «حفرياتها». إسرائيل تقول ذلك وهي تعلم جيدا أن الأوقاف والفلسطينيين عموما لا ينفذون أي حفريات، ويقومون فقط بتنظيف مباني الحرم القدسي الشريف ومصلياته، ولا يسمح لهم بتاتا الولوج إلى باطن الأرض حتى لمشاهدة ما يحدث هناك.
كارثة فرن ديمونا العجوز
بعد أحداث انهيار وانفجار أفران ذرية في الصين واليابان في أعقاب هزات أرضية قوية، أصبحت قضية صمود هذه الأفران أمام الزلازل مسألة مهمة جدا للناس جميعا، خصوصا في المناطق المتاخمة لها. وهناك عدد من الأسباب والمؤشرات التي تدل على أن الفرن الذري الإسرائيلي في ديمونا هو مصدر خطر رهيب لكل المنطقة المتاخمة له، بالأخص في الأردن وعموم فلسطين، وتعود الخطورة الكبيرة للفرن الذري الإسرائيلي إلى ما يلي:
أولاً: يقع الفرن الذري الإسرائيلي على بعد 25 كم من غور الأردن، المركز التاريخي للهزات الأرضية، التي اجتاحت فلسطين، ما يجعله عرضة لارتجاجات قوية وخطيرة. وللمقارنة فإن الأفران الذرية التي فجرتها الهزات الأرضية في الصين واليابان تبعد أكثر من 100 كم عن مركز الهزات. وهناك همس في إسرائيل حول ضرورة نقله إلى منطقة أكثر أمانا، لكن القيادة الإسرائيلية ترفض ذلك بعناد خشية فتح ملف النووي الإسرائيلي.
يحق لنا أن نتساءل عن مستقبل الديمقراطية ونحن نُعاين اليوم، هنا وهناك، في المجتمعات الصانعة لكثير من مآثرها في عالمنا، ظواهر كثيرة تهدد النظام الديمقراطي. وما يجري اليوم في فرنسا وتونس والمغرب، على سبيل المثال، يكشف صعوبات الركون إلى نمط نظام الحكم الديمقراطي في الصيغ التي استقرّ عليها، فقد أصبحت آليات العمل الديمقراطي، المتمثِّلة في القوانين والإجراءات والتوافقات الحاصلة داخل المجال العام مُهدَّدة بجملة من العوائق التي نشأت وتنشأ في قلبها، ففي فرنسا التي تتهيأ لاستحقاق الانتخابات الرئاسية، في 23 إبريل/ نيسان المقبل، يدور نقاش داخل القنوات الإعلامية بشأن برامج المرشّحين وكيفيات مواجهتهم التحدّيات الكبرى في المجتمع الفرنسي، إلّا أنّ المثير في كثير مما تتداوله وسائل الإعلام هو التخلي عن قيم كثيرة ترتبط بالتاريخ الفرنسي. وبدل أن يتجه الحوار إلى النظر في إشكالات الحاضر الفرنسي في الاقتصاد والسياسة، يُعَمَّم الحديث بلغةٍ محافظةٍ عن الهُوية والنقاء الهويات .. فنصبح أمام ديمقراطيةٍ تمتلك القدرة على محاصرة ذاتها، تُغْفِل الثورات والتحولات الكبرى التي يعرفها العالم، وما ترتَّب عنها من تزايد في التفاوت الاجتماعي بين مختلف فئات المجتمع. كما تُغْفِل المراجعات المطلوبة للإرث الاستعماري ومخلفاته، ويتم الانتصار فيها لأسئلة الهوية والهجرة والمهاجرين، على حساب تغييب القيم الكبرى التي أنتجتها الثورة الفرنسية ومواثيق حقوق الإنسان .. انتصرت العنصرية وعاد اليمين، بمختلف أطيافه، إلى الحديث بلغةٍ لا علاقة لها بمكاسب التاريخ والسياسة في العالم. ومن يتابع النقاشات الجارية اليوم في فرنسا، يجد نفسه أمام فرنسا أخرى، مهووسة بالإسلام ولون البشرة وتتغنَّى بالفرنسي الكاثوليكي الأبيض!
ولنأخذ، كمثال ثانٍ على ما نحن بصدده، بعض إشكالات الانتقال الديمقراطي في المغرب، إذ نُعايِن أنّنا أمام قضايا ترتبط بالنظام السياسي، كما ترتبط بالأحزاب والمؤسسات الديمقراطية. وإذا كان النظام السياسي المغربي يحرص، منذ عقود، على مختلف الإجراءات المعزِّزة لمساره في التمرُّس بآليات العمل الديمقراطي، حيث تتعاقب الدورات الانتخابية، وينتج عن تعاقبها أغلبية تُكلَّف بتشكيل الحكومة، من دون أن يحصل أي تغيُّر في مردودية العمل السياسي، ومن دون أن يحصل أي تقدّم في تقليص درجات التفاوت الاجتماعي وفي وتيرة التنمية. ومن اليسار إلى اليمين إلى الإسلام السياسي إلى الأحزاب التي تقوم اليوم بتدبير السياسات العامة، إلا أن ما يستقر في ذهن الملاحظ غياب التحوُّل المطلوب في المسار السياسي للمجتمع، فلا شيء تغيَّر في المشهد السياسي المغربي منذ أزيد من عقدين، يتواصل العمل بالوسائل والآليات نفسها التي اشتغلت بها الأغلبيات السابقة، وكل ما جرى ترديده من شعارات في الزمن الانتخابي الأخير 2021 تَبخَّر!
لا نتردَّد في القول إنّ الديمقراطية اليوم محاصرةٌ بمختلف الفاعلين في قلبها بصور مختلفة، فهل أصبح الانتقال الديمقراطي في المغرب مُحاصَرا بنظامه وأحزابه؟ إنه اليوم مُحاصر بشبكة حزبية متآكلة ومحاصرة بشبكة عنكبوتية تقول كلمتها بطرقها الخاصة في كل ما يجري من دون أن تساهم في إضاءة الطريق الديمقراطي ولا في التغيير المطلوب.
يحق لنا أن نتساءل أي مستقبل للديمقراطية في عالمنا؟ وعندما نفكّر في هذا السؤال في سياق ما جرى ويجري في المغرب، نواجه ظواهر جديدة من قَبِيل عزوف الشباب ونفور المثقفين، وكثير من نخب المجتمع المدني من العمل السياسي. ومقابل ذلك، نلاحظ نوعاً من صناعة أحداث في الإعلام وفي فضاءات التواصل الرقمية بأحجام مُكَبَّرَة، مع عناية ببعض أبعادها الوجدانية وتجنُّب الخوض في الأبعاد الكاشفة عن أسئلة وقضايا كثيرة مرتبطة بها، حيث تعمل فضاءات التواصل الاجتماعي على تضخيم الأحداث وإبرازها، بل وصناعتها. يحصل ذلك بمحاذاة الضمور واللامبالاة الحاصلين في كثير من مؤسسات العمل السياسي القائمة في المجتمع، وقد يكون هذا الأمر وراء الانكماش والتراجع الحاصلين في أغلب الأحزاب السياسية المغربية، الأمر الذي يدفعها إلى إشراك نخب المال والأعمال والدين، بديلاً للشباب والنخب الجديدة الصاعدة، وهي نخبٌ لم تعد تثق في العمل السياسي القائم ومؤسساته، ولا يعرف أحدٌ ماذا تريد بالذات؟ فقد بلغت سيولة المجال السياسي حدودها القصوى.
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”