كتبت: فاتن الدوسري
يحبس العالم حاليا أنفاسه مترقباً غزوا روسيا وشيكا لأوكرانيا. ويرى عدد كبير من المراقبين أن هذا الغزو في حال حدوثه سيشعل حربا عالمية ثالثة. وعالمية أو شاملة من منظورهم؛ لأنها ستكون ضد جبهتين تمثلان القوى العسكرية الكبرى في العالم، الأولى جبهة روسيا – الصين وربما إيران، والثانية جبهة الولايات المتحدة وأوروبا وحلف الناتو وأوكرانيا.
ويوحي التصعيد العسكري الكبير المتصاعد للأزمة الأوكرانية لاسيما من جانب روسيا التي تحشد قرابة المائة ألف جندي على الحدود الأوكرانية؛ بأن احتمالات اندلاع الحرب أو الغزو الروسي لأوكرانيا أضحى وشيكا جدا. ومع ذلك، ففي تقديرنا المتواضع، أن احتمالات اندلاع الحرب بعيدة نسبياً.
وقبل الحديث عن الأسباب الجوهرية التي من شأنها جعل أي حديث عن حرب عالمية ثالثة بسبب أوكرانيا أمرا مستبعدا تماما. يمكن القول ان ثمة بعض التطورات التي حدثت مؤخراً والتي تشير إلى قرب انفراجة في الأزمة. إذ في خضم هذا التصعيد العسكري والكلامي الشديد بين روسيا والولايات المتحدة وأوروبا. صدرت عن بعض المسؤولين الأوروبيين تصريحات تدعو للتهدئة وضرورة تغليب الحوار في إشارة واضحة للرغبة الأوروبية التامة في عدم اندلاع هذه الحرب.
على جانب آخر، ألمح بعض المسؤولين في الناتو إلى إمكانية الاستجابة إلى بعض المطالب الروسية. وعلى نفس المنوال، قال بايدن إن هناك أملا في حل الأزمة دبلوماسيا. وأخيراً، كرر بوتين وعوده بعدم غزو أوكرانيا وقام بسحب قواته من جزيرة القرم.
وحقيقة الأمر، أن كل تلك التصريحات الداعية إلى تهدئة الأزمة لا تنبع فقط من الإدراك التام بالعواقب الوخيمة للغاية للحرب على أوروبا والاقتصاد العالمي، بل أيضا من صعوبة انخراط القوى الغربية في حرب شاملة مع روسيا بسبب أوكرانيا، خاصة وأن روسيا جادة في غزو أوكرانيا. حيث يمكن القول ان بوتين قد انتصر فعليا في هذه الأزمة.
وفيما يتعلق بالأسباب الجوهرية فيمكن القول، إن حربا عالمية ثالثة بسبب أوكرانيا طرفاها الرئيسيان الولايات المتحدة وروسيا، أمر مستبعد للغاية. فمن حيث المبدأ، فالولايات المتحدة القوى العسكرية الأكبر في العالم تشهد حالة من التراجع على كافة المستويات، أي ليس لديها استعداد مطلقاً لخوض حرب لأجل أوروبا عامة وليس أوكرانيا فقط، ستؤدى من ضمن جملة أسباب إلى المزيد من إضعافها وتشويه صورتها الدولية وتقوية القوة الصينية في المقابل.
وعلى الجانب الآخر وهو الأمر الأهم، أن التهديد الرئيسي للولايات المتحدة أصبح الصين بلا أدنى مجال للشك، ومناطق التهديد الرئيسية أصبحت تنحصر في منطقتين رئيسيتين تقريبا: بحر الصين الجنوبي وتايوان. إذ أن هيمنة الصين على تلك المنطقتين تعنى انتزاع الصين للهيمنة الدولية من يد الولايات المتحدة. ومن ثم، من المرجح ألا تتوانى الولايات المتحدة في الدخول في حرب عالمية ثالثة مع الصين وحلفائها لعرقلة الهيمنة العالمية للصين. والتاريخ للأسف يشير بوضوح لذلك، فانتقال القيادة الدولية من القوى المهيمنة إلى القوى الصاعدة يجب أن يحسم بحرب عالمية.
أحد الأسباب الجوهرية أيضا، أن الصين في المقابل من المستبعد للغاية أن تنضم إلى روسيا في أية حرب لها، خاصة في أوروبا. لأنها من أكبر المتضررين في حالة اندلاع أية حرب. والصين على نحو عام لا تحبذ خيارات القوة العسكرية إلا في حالات الضرورة القصوى عندما يتعلق الأمر بمصالحها السيادية الرئيسية (تايوان، بحر الصين الجنوبي، هونج كونج، التبت).
وأخيراً، يجب وضع أوروبا في المعادلة، إذ تعانى من ضعف شديد وهناك شبه فقدان للثقة بين أوروبا والولايات المتحدة. هذا إلى جانب اعتماد أوروبا شبه التام على الغاز الروسي، حيث لا بديل متاحا لديها في الوقت الراهن.
ونخلص مما سبق، أن الحديث عن حرب عالمية ثالثة لأجل أوكرانيا ما هو محض خيال بحت. فمن الوارد حدوث غزو روسي لأوكرانيا، لكنه سيمر دون رد فعل قوى أو عسكري تحديدا من جانب القوى الغربية، مثلما حدث عندما غزت روسيا جورجيا في 2008، في عز غطرسة وجبروت الولايات المتحدة بقيادة (بوش الابن).
اندلاع حرب عالمية ثالثة وارد جدا وإن كان في المستقبل البعيد، وسيكون مسرحه الرئيسي آسيا، وطرفاه الأصليان الولايات المتحدة والصين، وبواعثه الرئيسية حسم القيادة العالمية.
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”