كتب: إياد العنبر
قد يكون التوقيت مصادفة أو من عبثية الأقدار؛ يخرج العراق من الفصل السابع بعد تسديده آخر دفعة من تعويضات الحرب ضد الكويت، وتدخل روسيا في حرب ضد أوكرانيا. (أم المعارك) كما أسماها صدّام حسين كانت تعبيرا عن غرور وطموح شخصي لدكتاتور يريد أن يدخل التاريخ من باب الحروب، وهو الذي قاد العراق إلى أطول حرب في تاريخ القرن العشرين.
وبعد أن تعوَّد العراقيون على الحروب وخيباتهم وخساراتها التي لم يعوضهم أحد عنها، باتوا ينظرون إلى كلّ حرب تحدث في العالَم على أنها ملهاة لا تضاهي شيئاً مِن مأساتهم مع حروب حكّامهم العَبَثية. ولم يكن مستغرباً أن يتفاعلوا مع أخبار الهجوم العسكري الروسي ضد أوكرانيا بنوع من الكوميديا السوداء، وتلك هي الحروب لا تنتج إلا الخواء الروحي وتجعل الضحايا يشابهون جلاديهم. و”قد توجد حروب عادلة، غير أني لم أشهد واحدة لم تنته بآلام مهولة” كما يقول: إيرك دورتشميد في كتابه (دور الصدفة والغَباء في تَغْيير مجرى التاريخ.. العامل الحاسم)
يقارن العراقيون وضعَهم مرة برئيس روسيا وأخرى برئيس أوكرانيا، إذ يرون في بوتين نسخة شبيه بصدام حسين وحماقته التي أسماها (أم المعارك)! أما المقارنة مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، الذي وصل إلى سدة الحكم في انتخابات 2019 ولم يكن سياسياً مشهوراً وإنما ممثلاً كوميدياً مشهوراً! وهنا يتشابه مع الوضع في العراق الذي وصلت فيه الكثير من الشخصيات السياسية إلى الحكم من دون خبرة سياسية تؤهلهم لتولّي المناصب العليا في الدولة، حتى باتت الحكومة الحالية توصف بأنها “حكومة الفيس بوك” كونها تتفاعل مع مواضيع وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من توجهها نحو تطبيق برنامج سياسي واضح.
يفترض بالعراقيين أن يكونوا أكثر شعوب العالم تخوّفاً من حرب روسيا على أوكرانيا، لأنَّ هذه الحرب قد تفتح شهية الكثير من الدول التي تجاور العراق وتريد فرض إرادتها عليه، وربما تتحول الحروب بالنيابة عن طريق الوكلاء والتدخلات في توزيع تشكيل الحكومات وتقاسم السلطة إلى تدخلات بقوة السلاح بحجّة أو بأخرى. فالعراق بات دولة فاشلة ويقودها سياسيون أثبتوا فشلهم في منع التدخلات الخارجية، هذه التدخلات ربما تتحوّل من طرق غير رسمية إلى مباشرة وبالقوة، خصوصاً إذا تشكلت حكومات خلافاً لرغباتها!
أوكرانيا والعراق، يتشاركان في سوء الحظ! إذ تواطأت عليهما الجغرافية والديمقراطية. فالجغرافيا فرضت على أوكرانيا بأن تكون جوارها روسيا بقيادة فلاديمير بوتين الذي يريد أن يتلاعب بالخرائط وتشكيل حدودها وفقاً لما يراه من تلائم لطموحه في استعادة روسيا الاتحادَ السوفياتي في أيّام الحرب الباردة، وهو يريد تقسيم أوكرانيا وفق ما يراه مناسباً لإبقائها ضعيفة ومفككة، ولا يقبل بثورات ملوّنة ولا قواعد لِحلف الشمال الأطلسي في بلدان مجاورة لبلاده.
وفي قضية الجغرافيا، تُعد أوكرانيا أفضل حظاً من العراق، فجيرانها دولة واحدة تبحث عن استعادة أمجادها. أما العراق فجمعته أقدار الجغرافيا بدول تتنافس وتتصارع على النفوذ الإقليمي، تركيا تعتقد أن العراق في أضعف حالاته ويجب أن يبقى هكذا، ولذلك هي تصول وتجول في حدوده الشمالية وتنشر جيوشها من دون أن يعترض عليها أحد! أما إيران، فترى في العراق محطة استراتيجية في (محور المقاومة)، وكلّ سياستها ومواقفها تنظر إلى العراق باعتباره ضمن خارطة أمنها القومي. وأمّا دول الخليج فهي تريد من العراق تارة أن يكون سداً منيعاً ضد التغلغل الإيراني، وتارة أخرى تريده أن يكون نقطة التقاء بينهما! وفي هذه الدوامة يفتقد العراق إلى رجال دولة يعرفون تحديداً ماذا يريدون مِن دول الجوار، وكيف تكون الأولوية لمصلحة العراق.
أما الادعاء بتبني النظام الديمقراطي في بلدان غادرت الأنظمة الشمولية، فلا تقل سوءا عن الجغرافيا، فالانتخابات في العراق وأوكرانيا أوصلت شخصيات مغمورة إلى حكم الدولتين. فالرئيس الأوكراني زيلينسكي وصل إلى السلطة وكل مؤهلاته أنه “ممثل كوميدي شهير”، وبدلاً مِن أن يستعين في إدارة الدولة بشخصيات تملك مؤهلات القيادة السياسية، عَيّن في كثير من المناصب الحساسة بالحكومة ومناصب عليا بالأمن القومي زملاء سابقين له في صناعة الترفيه والكوميديا! أراد الرئيس الأوكراني، الذي فاز في الانتخابات (بسبب حسّه الفكاهي) كما وصفته مجلة فورن بوليسي، أن يلعب لعبة تهديد روسيا بحلف الناتو بعد أن فشل في إقناع الرئيس بوتين بالجلوس إلى طاولة المفاوضات. ومن ثمَّ وجد الحشود العسكرية الروسية تنفذ تهديدها ببدء معركة ضدّ أوكرانيا، ليجد نفسه وحيداً في مواجهة جيوش الكرملين.
في العراق كان الوضع مع الانتخابات أكثر مأساوية، فحكوماتنا رغم أنها تتفاخر بكونها تحكم في نظام ديمقراطي، وتعبّر عن إرادة الشعب، إلا أن وصولهم إلى السلطة هو نتاج توافق بين الزعماء السياسيين، ولذلك هي تعمل ليلاً ونهاراً على نيل رضاهم وقبولهم، ومهمتها إدارة الدولة لتحقيق مصالحهم. أما الشعب فلا يدينون بالولاء لها إلا في الخطابات واللقاءات الصحفية.
إذاً، مأساة العراق وأوكرانيا مع الانتخابات، قد لخّصها آلان دونو في كتابه (نظام التفاهة) بقوله: «لقد تبوّأ التافِهون موقعَ السّلطة. ما هو جوهر كفاءة الشخص التافه؟ إنه القدرة على التعرّف على شخص تافهٍ آخر. معاً، يدعم التافهون بعضهم بعضاً، فيرفع كلٌّ منهم الآخر، لتقع السلطةُ بيد جماعةٍ تَكبُر باستمرار، لأنَّ الطيور على أشكالها تقع».
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”