كتبت: سمر الخمليشي
منذ إعلان بوتين غزو أوكرانيا يوم 24 فبراير 2022، تدخلت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية ثم اليابان وأستراليا بإعلان حزمة من العقوبات الاقتصادية على روسيا، تلاها بعد ذلك الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا بهدف مواجهة الغزو الروسي ووقفه. ولكن الدعم الغربي المتدرج هذا من شأنه إطالة زمن الحرب. تحتاج أوكرانيا إلى موقف أكثر صرامة من الغرب للضغط على روسيا لايقاف الحرب أو القبول بتسوية تحفظ ماء الوجه.
غتدرُّج التدخُّل الغربي لا يخدم وقف الحرب
مع تلويح روسيا بالغزو العسكري لأوكرانيا كانت الخطابات الغربية خصوصاً الدول الأوروبية تلمّح إلى إمكانية تدخُّلها المباشر من أجل حفظ أمن أوكرانيا وأوروبا. غير أنه مع الانطلاق الفعلي للغزو العسكري الروسي لأوكرانيا لاحظنا تخبُّط الغرب.
هذا التخبط له علاقة بعاملين أساسيين: العامل الأول ذو طابع قانوني ومؤسساتي، فأوكرانيا ليست عضواً بالاتحاد الأوروبي وليست عضواً بمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أي إن مبدأ التدخُّل المشترك لحماية دولة عضو غير وارد هنا. العامل الثاني اقتصادي، خصوصاً في ما يتعلق بدول أوروبا. فالمنطق يقول إن المصالح الاقتصادية الأوروبية ستتأثر، أهمها التبعية الأوروبية للغاز الروسي بنسبة 45 بالمئة، وكذا للنفط الروسي بنسبة 25 بالمئة. ومع بداية الحرب وتعنُّت بوتين، استوعبت الدول الأوروبية أن وقف الحرب أصبح من الأولويات لقرب التمدُّد الروسي نحو حدودها، وعدم وضوح الرؤية حول نيات بوتين تجاه القارة الأوروبية. من هنا جاء تبنِّي حزمة من الإجراءات على المستويين الاقتصادي والعسكري.
استراتيجية العقوبات الاقتصادية على روسيا كانت أول خطوة عملية للتدخل الغربي ضد العمليات العسكرية الروسية بأوكرانيا. في هذا الصدد أهمّ خطوة كانت يوم 27 فبراير/شباط إذ قرّرَت دول مجموعة السبع استبعاد جزء من المؤسسات المصرفية الروسية من نظام سويفت. ويُعتبر نظام سويفت أداة مركزية في تنفيذ المعاملات الدولية.
ومن خلال استبعاد 60 إلى 70 بالمئة من البنوك الروسية من هذا النظام، فإن رغبة الدول الغربية هي عزل روسيا مالياً وصدها عن تمويل الحرب. الخطوة الثانية كانت تجميد أصول البنك المركزي الروسي الموجودة بأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية بناء على قرار المفوضية الأوروبية ومجلس المحافظين لنظام الاحتياطي الفيدرالي للولايات المتحدة الأمريكية.
ويهدف تجميد أصول البنك المركزي المحتفَظ به في الخارج بشكل خاصّ إلى تعطيل التدخلات في سوق الصرف الأجنبي الموجَّهة لدعم قيمة الروبل، وتقليل الواردات من قبل الشركات الروسية، التي ستعاني من نقص السيولة في العملات الأجنبية.
ومن جهة أخرى وإلى جانب وقف ألمانيا خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” مع روسيا،، أعلن الرئيس بايدن حظر استيراد الغاز والنفط من روسيا في خطوات هدفها الضغط على روسيا من أجل التراجع ووقف الحرب. أدّت هذه العقوبات إلى التأثير اقتصادياً في روسيا على الرغم من إجراءات الصد الروسي. من بين التأثيرات الاقتصادية المباشرة لهذه العقوبات انهيار الروبل الروسي، فقد وصل سعره إلى 106.5 روبل للدولار.
بالموازاة مع ذلك تبنت الدول الغربية استراتيجية التدخل العسكري غير المباشر من خلال دعم أوكرانيا بالمعدات العسكرية المتطورة وإرسال المقاتلين. لكن ليس من المرجح أن تتدخل كل من أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية عسكرياً بشكل مباشر لمواجهة روسيا حتى في إطار منظمة حلف الشمال الأطلسي لسبب رئيسي هو امتلاك روسيا أسلحة للدمار الشامل التي من شأنها تدمير العالم. فقد اقتصر ردّ فعل هذا الحلف العسكري الغربي على الدعم العسكري غير المباشر، وعلى نشر عناصر من قوات الرد على طول أراضي الحلف ضمن إطار الدفاع المشترك. هذه الردود تبدو منطقية، فأوكرانيا ليست عضواً بالمنظمة، ومن جهة أخرى روسيا تحمي نفسها بالسلاح النووي.
كان هناك مقترح أوكراني بزيادة الدعم العسكري الغربي عبر فرض منطقة حظر الطيران فوق الأراضي الأوكرانية وذلك لتقليل الضربات الروسية. هذا المفهوم الحديث نسبياً والذي تم تبنيه بداية التسعينيات لإخراج صدام حسين من الكويت يعنى به خلق منطقة محددة لا يُسمح بالطيران فوقها. غير أن هذا المطلب معقَّد وفي نفس الوقت خطير وأيضا مكلّف لقوات الناتو والولايات المتحدة الأمريكية. الأمر مكلّف لأنه من أجل فرض هذا الحظر يجب نشر طائرات المراقبة والطائرات المقاتلة من أجل اكتشاف وتحديد الهدف، وإذا لزم الأمر، إسقاط كل من ينتهك القيود. وكذلك معقَّد وخطير لأنه على عكس العراق والبوسنة وليبيا، فإن منطقة حظر الطيران في أوكرانيا من شأنها أن تضع الناتو في مواجهة قوة نووية ألا وهي روسيا مما قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة ستكون نووية.
مفاتيح وقف الحرب
يبدو أنه على الرغم من الآثار السلبية للعقوبات الاقتصادية على روسيا والمقاومة العسكرية الأوكرانية بمساعدة الغرب، لا تزال روسيا مصممة على عدم وقف الحرب. غير أنه من الممكن أن تلعب دول مقربة من روسيا دور الوساطة، وعلى رأسها الصين الحليف الاستراتيجي لروسيا. تغيير الصين موقفها تجاه رفض الحرب من شأنه أن يؤثر كثيراً في قرار موسكو وقف الحرب.
ما زلت الصين تترقب المشهد، فقد امتنعت عن التصويت خلال الاجتماع الاستثنائي للجمعية العامة للأمم المتحدة الأربعاء الماضي من أجل الوقف الفوري للتدخل العسكري الروسي بأوكرانيا. لكن امتناعها عن التصويت لا يقتصر إلا على تعبيرها عن دعمها للأمن القومي الروسي كحليف استراتيجي.
غير أنه ليس من مصلحة الصين أن تطول الحرب نظراً إلى الترددات الاقتصادية التي ستطالها هي وشركاءها تجارياً، مما يرجح تدخُّلها كوسيط لوقف التدخل العسكري الروسي.
من جهة أخرى يمكن لاحتجاجات الشارع الروسي ضد الحرب أن تتوسع للضغط على بوتين من أجل التوقف. لكن هذا السيناريو غير مرجَّح لأن السلطات الروسية قامت بقمع المتظاهرين بقوة عبر اعتقالهم، على الرغم من انتشارها في العديد من المدن الروسية خصوصاً موسكو وبيتر بطرسبرغ.
غير أن السيناريو الأكثر توقعاً والذي يُعتبر مفتاح وقف الحرب هو الخضوع لشروط بوتين. فما يمكن أن يوقف الحرب هو تغيير النظام في أوكرانيا بعزل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وتأسيس حكومة إما موالية لموسكو كما هو الشأن بالنسبة إلى سوريا، وإما محايدة تماماً حتى يتمّ ضمان عدم انضمام أوكرانيا إلى الحلف الغربي الذي من شأنه عزل روسيا وإضعافها إقليمياً من طرف أوروبا والغرب عموماً. لكن وإن اعتقدنا أن هذا هو مفتاح وقف الحرب، يبقى الأمر معقَّداً وغير ممكن بحيث إن أوكرانيا من الصعب أن تتراجع الآن خصوصاً أنها لا تزال صامدة بفضل الدعم الغربي لها، وبفضل ما قدمته من تضحيات.
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”