التفاعل الكبير الذي أبدته الجماهير العربية والإسلامية مع ما يحدث بالأرضي الفلسطينية المحتلة، وقلوبهم وجلة على ما يحدث في قطاع غزة تحديدًا من جرائم صهيونية بحق الشعب الفلسطيني، كانت تغمره أيضًا الفرحة وهي ترى نضالات هذا الشعب دفاعًا عن المسجد الأقصى وعن بيوتهم التي يريد الصهاينة انتزاعها منهم عنوةً، وما تلاها من ردٍ عسكري مُشرف لفصائل المقاومة الفلسطينية على تلك الاعتداءات.
مع ذلك، نجد أن هناك من يتاجر بالشعارات التي تدعو لنصرة الفلسطينيين، ويدَّعون أنهم من مقاومي الكيان الصهيوني، ويزايدون على الأحرار من العرب والمسلمين في وطنيتهم وولائهم العربي والإسلامي، ويدلسوا على العالم بأنهم الوحيدون الذين يقفون لجانب نضال الفلسطينيين، رغم أن الجميع يعلم، بأن تلك الجهات ومن يرعاها في طهران، لم تطلق رصاصة واحدة ضد المحتل الصهيوني، وكل الشعارات التي رفعوها ضد الكيان الصهيوني، لم تتجاوز حناجرهم، بل أنهم قاموا باضطهاد الفلسطينيين الساكنين في العراق.
هذا المحور الذي تقوده إيران والذي يدَّعي مقاومة الكيان الصهيوني، ثبت بالدليل القاطع على تعاونه مع الكيان المحتل أيام حرب الثمانينات بين العراق وإيران، وساعدته إسرائيل عسكريًا على ضرب العراق، في فضيحة سميت حينذاك بـ”إيران كيت”، لكنه مع ذلك ما زال يتاجر بهذه القضية بسبب حساسيتها لشعوب المنطقة.
شبهة الدعم الإيراني ومحوره لفصائل المقاومة الفلسطينية
وإمعانًا في تضليل الرأي العام، قام الحرس الثوري الإيراني، بتسمية ذراعه العسكري للعمليات القذرة خارجيًا، بفيلق القدس، ومن اسمه كان يفترض أن يكون عمله هو تحرير القدس والمسجد الأقصى وكل فلسطين، لكن ومنذُ تأسيسه، لم نرى له نشاطًا عسكريًا يُذكر ضد الكيان الصهيوني، سوى نشاطاته الإجرامية على شعوب البلدان العربية والإسلامية، فنجده يقود عمليات القتل في العراق وفي سوريا وفي لبنان واليمن، بل إن النظام الإيراني، يحاول الادعاء، أنه وحده من يقوم بمساندة الفصائل المقاومة الفلسطينية، وهو كلام عار عن الصحة، فالنضال الفلسطيني، ساهمت جميع الشعوب العربية والإسلامية في دعمه ومنذُ عشرات السنين ولا زالوا.
لم تتخلف عن ذلك سوى الأنظمة التي اتخذت من طريق التطبيع مع الكيان الصهيوني سبيلًا لها.
ففي هذا الشأن، قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج خالد مشعل: “إيران تقف مع الحق الفلسطيني وتُشكر على ذلك، لكننا لسنا جزءا من أجندتها في الساحات الأخرى”.
أما بخصوص الأسلحة التي تستخدمها حماس وادعاءات المحور الإيراني بأنه هو من يقوم بتوريدها، أوضح مشعل: “إن تصنيع الأسلحة يتم في قطاع غزة، ولا يجري تزويد الحركة بأية صواريخ من خارج القطاع”، والأكثر من ذلك، رد على من يدعي أن حماس قامت بضربتها لأجل إيران، فقال، “قرار المقاومة لا يخضع لتدخل من قبل أي من الأطراف الإقليمية أو الدولية”.
ثم عاد وأكد على أن السلاح المستخدم من قبل الحركة، هو سلاح الحركة ولم يأتي من أحد، حينما قال: “الإسرائيليون والأمريكان والدول الإقليمية والعالمية يعلمون أن طريق تهريب السلاح قد توقف منذ سنوات، والسلاح في غزة هو من صنع غزة”، ثم أضاف، “نعم استفادت المقاومة من مبادرات أحرار الأمة الذين قدموا خبراتهم العسكرية والتكنولوجية لحركة حماس وباقي فصائل المقاومة، وصنعنا سلاحنا وتغلبنا على مسألة تهريب السلاح”.
وعلى هذا فلا تزايد إيران على أنها هي الوحيدة التي تساند حركات المقاومة الفلسطينية، وأن لا دور إسلامي وعربي في نصرة المقاومة الفلسطينية، والجميع يعرف، أن إيران لم تكن لتدعم بعض الفصائل الفلسطينية إلا لأغراض سياسية ومقابل أثمان باهظة في مواقفها السياسية بعد أن تخلت عنها الأنظمة العربية، مع ذلك، فقد فشلت إيران حتى الآن في فرض أجنداتها على أكبر فصيل مقاوم هي حركة “حماس”.
تأثير سياسة إيران الملتوية على شعوب المنطقة
إن مساندة إيران “الإعلامية” لنضال الشعب الفلسطيني، ما هي إلا بروبجندا تريد من خلالها التقرب للشعوب العربية والإسلامية، لتسويق نفسها عندهم، لأنها تعرف، أنها مرفوضة بأفكارها الطائفية والتوسعية من قبل هذه الشعوب، لكنها بنفس الوقت تعرف، مدى تأثير القضية الفلسطينية ومقدساتها على تلك الشعوب، وبالتالي فهي تهدف الاستفادة من تلك المساندة “الإعلامية” للفلسطينيين، أن تجني ثمارها بزيادة نفوذها بالمنطقة العربية.
وقد انطلت تلك الأساليب المخادعة على شريحة ليست بالقليلة من شعبنا العربي والإسلامي، وظنوا أن المحور الإيراني، هو بالفعل ضد الكيان الصهيوني، ومع حقوق شعبنا الفلسطيني العادلة.
لكن وبعد اندلاع ثورة السوريين، وانحياز المحور الإيراني وميلشياته العراقية واللبنانية لدعم نظام الأسد ضد شعبه، ومن قبلها حربهم الطائفية التي أشعلوا نارها في العراق، أنكشف زيفهم، للدرجة التي لم يعد يجدون من يتبنى أراءهم وأكاذيبهم، سوى من يقوم بأمر الدعاية لهم من الجيوش إلكترونية الناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن بالمقابل، جاءت الدعاية الإيرانية ومحورها الميلشياوي، بنتائج سلبية على شرائح أخرى من المجتمع العربي والإسلامي كنا نُحسن الظن بهم، فقاموا بربط بغضهم للنظام الإيراني ومشروعه التدميري في المنطقة، مع كراهية جديدة ومفتعلة لفصائل المقاومة الفلسطينية، على اعتبار أنها تابعة لإيران، فأصبحوا يتكلمون سلبًا على حركة حماس وباقي فصائل المقاومة.
وذهب بعضهم وبوحي من دول التطبيع، على اتهام فكر حماس، بأنه مرتبط بالأساس الفكري لنظرية ولي الفقيه الخمينية، وهو اتهام باطل لا يوجد عليه دليل، إنما هو فقط ترديد لمقولات الأنظمة العربية المطبعة، التي اتخذت من كل من يعادي “إسرائيل” عدوًا لها.
وتتهم هذه الأنظمة حركة حماس وباقي فصائل المقاومة بالإرهاب رغم أنهم لا يمتلكون دليل واحد على استخدام الفصائل الفلسطينية لسلاحهم ضد أي إنسان أخر سوى الصهيوني المغتصب لأرضهم.
واجب الوقت للشعوب العربية والإسلامية
إن الشعوب العربية والإسلامية التي تعيش في ضيمٍ وقهرٍ واستبداد، لا يقل في قسوته عن ما يعانيه شعبنا الفلسطيني تحت الاحتلال الصهيوني، وإذا ما أرادت تلك الشعوب مساندة القضية الفلسطينية ونضال شعبها، فالساحة أمامهم كبيرة وواسعة.
فبإمكان الشعوب العربية والإسلامية تنظيم المسيرات المؤيدة للفلسطينيين إذا سمحت الأنظمة الحاكمة بذلك، ويمكنهم إبداء تعاطفهم ومساندتهم المعنوية للفلسطينيين، واستنكار ما يفعله العدو الصهيوني من جرائهم، على شتى مواقع التواصل الاجتماعي أو في الوسائل الإعلامية المستقلة.
لكن ما هو أكثر أولوية وأكثر أهمية، لنصرة القضية الفلسطينية، هو أن تقوم طلائع الشعوب وفي كل دولة عربية أو إسلامية بالعمل على استبدال أنظمة الحكم الجاثمة على صدورهم، والتي تدَّعي زورًا بأنها تعادي الكيان الصهيوني، لكنها تواليه في حقيقة الأمر في الباطن، لأنها هي السبب في بقاء الكيان الصهيوني صامدًا حتى يومنا هذا، وكانت عائقًا بين شعوبها وتطورهم، وسببًا في تخلفهم.
فمن أراد نصرة شعب فلسطين، فعليه استعادة حريته وكرامته المسلوبة أولًا، لان فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف يفكر العربي الرازح تحت هذه الأنظمة، أن يقوم بمساعدة الفلسطينيين لنيل حريتهم واستقلالهم، وهو بالأصل لا يتمتع بحرية ولا استقلال؟ وهذا هو فقه الأوليات الذي يجب على المواطن العربي أن يفهمه جيدًا.
أما العراقيون، فإن نصرتهم للشعب الفلسطيني تأتي عبر إنهاء الاحتلال الإيراني لبلدهم، واستعادة سيادته، حتى يكون بلدًا حرًا داعمًا لنضال الشعب الفلسطيني كما كان طيلة تاريخه.