تحدثت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بشكل علني عن استخدام المساعدات الإنسانية لغزة لتقويض حركة حماس، وهو نهج يقول الخبراء إنه قد يعيق جهود الإغاثة دون تحقيق هدفه المعلن المتمثل في إضعاف الحركة الفلسطينية.
وقال وزير الخارجية أنطوني بلينكين بعد لقائه الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم الثلاثاء “إذا فعلنا هذا بشكل صحيح، وإعادة الإعمار والإغاثة لشعب غزة، وبعيدًا عن تمكين حماس، أعتقد أن لدينا القدرة على تقويضها”.
وأضاف “أقول ذلك لأن حماس تزدهر، للأسف، على اليأس، على البؤس، على نقص الفرص”
وقبل أيام، تحدث مسؤول أمريكي عن استخدام وتوزيع المساعدات بطريقة مدروسة، ليس فقط لإضعاف حماس، ولكن لفعل ذلك لصالح خصومها الفلسطينيين في السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة فتح.
وقال المسؤول نفسه في إفادة صحفية إن واشنطن على اتصال بالسلطة الفلسطينية ودول الخليج والأمم المتحدة لتوجيه المساعدات إلى غزة دون مشاركة حماس.
وأضاف المسؤول، وفق وزارة الخارجية الأمريكية، “نحاول هيكلة الأمور بطريقة تقلل من قدرات حماس وتقوي سكان غزة وتبدأ عملية على أمل إعادة إدخال السلطة الفلسطينية وإعادة دمجها في غزة بالشراكة مع الأمم المتحدة”.
وقال خليل جهشان، المدير التنفيذي للمركز العربي في واشنطن دي سي، إنه إذا كانت المساعدات الإنسانية تستهدف حماس، فإنها “ستضعف” أي نوايا حسنة محتملة لمساعدة الفلسطينيين.
وأضاف جهشان “إنه نهج غير حكيم في الأساس سينتهي به الأمر إلى إبطال الهدف. إذا كان هدفنا هو تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، فلا يمكننا إملاء القيادة الفلسطينية”.
وتابع “يمكننا أن نملي من هم قادتنا؛ يمكننا أن نملي ما هو جدول أعمالنا؛ يمكننا أن نملي من يمثلنا في هذه المحادثات. ولكن مثلما نسمح للإسرائيليين باختيار قادتهم – سواء كانوا على صواب أو خطأ، في الغالب على خطأ- فنحن لسنا في موقف لتحديد ما إذا كانت حماس أم لا”.
وأمس الأربعاء، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن واشنطن تزيد من مساعداتها للفلسطينيين إلى 360 مليون دولار، معلنة عن أكثر من 100 مليون دولار من الأموال الإضافية لحزمة المساعدة البالغة 250 مليون دولار التي تم الكشف عنها في وقت سابق من هذا العام.
ولا تزال المساعدة للفلسطينيين جزءًا صغيرًا من 3.8 مليار دولار من المساعدات العسكرية السنوية للكيان الإسرائيلي، وهي الأموال التي تعهد بايدن باستئنافها دون شروط.
وعلاوة على ذلك، فإن 360 مليون دولار مخصصة لمناطق ووكالات ومشاريع إغاثة مختلفة من غير المرجح أن تؤثر في فاتورة إعادة إعمار غزة.
وتواجه الإدارة الأمريكية عقبات قانونية في الداخل، بما في ذلك قانون تايلور فورس، الذي يحظر تقديم المساعدة للسلطة الفلسطينية.
وقال جهشان إن واشنطن تريد “تخصيص أموال لحل المشكلة” دون تخصيص أموال كافية حتى للمساعدة في تخفيف الأزمة الحالية في غزة.
وأضاف أنه حتى مع التمويل الكافي، فإن الإدارة الأمريكية تضيع وقتها في محاولة التعامل مع القضية السياسية في الكيان الإسرائيلي وفلسطين كقضية إنسانية.
وقال جهشان: “مشكلة الفلسطينيين ليست الجوع؛ ومشكلة الفلسطينيين ليست إعادة الإعمار. لقد فعلوا ذلك مرارًا وتكرارًا على مدار السبعين عامًا الماضية، وتمكنوا من التعافي من أزمات سيئة مثل هذه وأسوأ”.
وأضاف “لكنهم لم يُمنحوا قط الفرصة لإيجاد حل سياسي لمعضلتهم، أي بإنهاء الاحتلال وإتاحة الفرصة لهم لممارسة حقهم في تقرير المصير”.
بينما تحدث بايدن عن المساعدة في إراحة الفلسطينيين من “البؤس” الذي يعانون منه، فقد فشل في النطق بكلمة واحدة عما يقول الفلسطينيون إنه مصدر هذا البؤس، الاحتلال والممارسات الإسرائيلية التمييزية التي تقول الجماعات الحقوقية إنها ترقى إلى مستوى الفصل العنصري.
وقال جوش روبنر المحاضر المساعد في جامعة جورج تاون: “إن إدارة بايدن تتبع نفس الإستراتيجية التي اتبعتها إدارة أوباما، وهي تزويد إسرائيل بالأسلحة التي تستخدمها لهدم منازل الفلسطينيين والبنية التحتية الفلسطينية في غزة، فقط لتدخل المساعدات الأمريكية وتعيد بناء ما تقوم به إسرائيل من تدمير”.
وأضاف أن الإدارة الأمريكية كانت تحاول دعم السلطة الفلسطينية بالمساعدة أثناء الانخراط في إدارة الصراع، بدلاً من الضغط لحل القضية بطريقة عادلة.
وقال روبنر :”تريد الإدارة العودة إلى الوضع الراهن، وهذا يعني استمرار وإدامة الحصار الإسرائيلي والاحتلال العسكري الإسرائيلي والتطهير العرقي الإسرائيلي والفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني”.
وقال إن جهود المساعدة قد تؤدي إلى بعض الاستقرار على المدى القصير، ولكن مع تضامن متزايد عبر قطاعات مختلفة من المجتمع الفلسطيني، في كل من الكيان الإسرائيلي والأراضي المحتلة، وتغيير الرأي العام في الولايات المتحدة، “على المدى الطويل هذه السياسة سوف تفشل “.
أزمة القيادة
كما شدد جوناثان كتّاب، المحامي الفلسطيني الأمريكي المتخصص في القانون الدولي، على أن نهج استخدام المساعدة كأداة لتمكين السلطة الفلسطينية على حساب حماس محكوم عليه بالفشل.
وقال كتّاب لموقع “ميدل إيست آي”، “إنها ساذجة. لقد جعلوا كلمة” حماس “مسمومة. كل ما تسمعه في الأخبار هو “حماس، حماس، حماس، وليس غزة، وليس الشعب الفلسطيني”.
وأضاف “نحن بحاجة إلى التخلص من هذا النموذج والاعتراف بحماس كحركة سياسية. صحيح أن لديها جناحًا مسلحًا، لكن لديها أيضًا برنامجًا سياسيًا – وهو ما لا أتفق معه بالمناسبة”.
ولا تستطيع الولايات المتحدة التعامل مع حماس بشكل مباشر لأنها صنفت الجماعة على أنها جماعة إرهابية في عام 1997، لكن مسعى واشنطن لتجنب حماس والتعامل مع السلطة الفلسطينية يسلط الضوء على أزمة القيادة بين الفلسطينيين.
وانتخب الرئيس عباس لولاية مدتها أربع سنوات في عام 2005 لكنه ظل في منصبه بعد اثني عشر عاما من انتهاء ولايته.
وفازت حماس في الانتخابات التشريعية الأخيرة في عام 2006، لكن حكمها اقتصر على غزة بينما تتمتع السلطة الفلسطينية بحكم ذاتي محدود تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية.
وتم تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية التي كان من المقرر إجراؤها هذا الصيف من عباس إلى أجل غير مسمى مع تبرير بأن الاحتلال لن يسمح للفلسطينيين في شرقي القدس بالمشاركة في التصويت.
وتساءل جهشان “لماذا لا تدعم الولايات المتحدة- كقائد ديمقراطي في العالم- فكرة انتخابات فلسطينية حرة وديمقراطية في جميع أنحاء فلسطين وتسمح للفلسطينيين باختيار قادتهم واحترام النتائج؟”.