محمد العمري
تكاد تكون كوريا الشمالية الدولة الوحيدة التي تعترف بكامل التراب الفلسطيني وتكاد تكون دول جنوب أفريقيا التي ترى في إطلاق الصواريخ حق مشروع في الدفاع عن النفس، وأعطى انسحاب الحكومات العربية من المواجهة الحربية الشعوب في تكوين القوى الشعبية وحمايتها والالتفاف حولها والتحلل من الاتفاقيات الانهزامية.
استطاع أهلنا في القدس ضبط محور الاهتمام العالمي وتوجيه نحو القدس وإفشال مخططات دولة الاحتلال.. بل وتهيئة الداخل الفلسطيني للاستنفار والعمل المتزامن الذي يهدد كيان دولة الاحتلال وصناعة الانهيار النفسي وصولا للهزيمة المعنوية لدولة الاحتلال.. وهذه الهزيمة المعنوية تسبق الهزيمة على الأرض ومؤشر حقيقي للانتصار
الانتصار المتمثل بالقدرة على التناغم مع الداخل الفلسطيني وزحف الحشود البشرية من لبنان والأردن، فكرة الحشود على الحدود ربما تكون خيار شعبي في ظل الموقف العربي المتواطئ، المتفحص للشريط الوهمي الأردني الممتد لمئات الكيلومترات، عبارة عن تضاريس سهلة العبور بالنسبة للألاف دون أي عوائق عدى مراكز ونقاط متفرقة لا تستطيع منع زحف الملايين، فهو عمل جديد مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي تنظم المجموعات المهتمة بهذا العنصر الشعبي الذي يصعب على الدول إيقافه ولنا في طريق المكسيك والهجرة السورية إلى ألمانيا خير دليل مع فارق المسافة.
مؤشر ممكن أن يتصاعد في الفترة القادمة وكذلك التضامن العالمي في وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد التعاطف حصر على الشعوب العربية و الإسلامية، إن ظاهرة إقامة المظاهرات في الدول العربية والإسلامية والأوروبية وبقية دول العالم بالتزامن، أمر يدعو لدراستها بتمعن فقد شارك فيها الكبير والصغير والمسلمين وغيرهم والنساء والرجال و تعددت الطرق من مظاهرات راجلة و بالسيارات وشارك التفاعل فنانين ولاعبين ومشاهير من كل مكان، حتى في كثير من المدن الصغيرة في أوربا إقامة مظاهرات بعيدا عن العواصم السياسية، لذلك استطيع أن أقول بكل قناعة أن موقف اليهود في أوروبا أقوى من موقف السعودية الرسمي بكل اسف.
مع انتشار وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي وتحول المواطن إلى إعلامي بما يملك من جوال، أصبح نقل الأحداث في فلسطين على العالم الخارجي بفضل تصوير المشاهد في ساعة حدوث الحدث ببث مباشر أو تصوير عالي الجودة أو صور متعددة أو ملفات صوتية بعدة لغات، يقول على إعادة نشرها طيف واسع من الشباب في كل أصقاع العالم.
ففي كل عملية عسكرية لجيش الاحتلال يفقد معها المبرر الأخلاقي وتعجز الالة الدعائية عن تبرر عمليات القتل، وكل نصر متوهم ينقلب في ظل الإعلام الشعبي لجريمة في نظر العالم الغربي قبل العالم العربي والإسلامي، هذه معادلة جديدة في الصراع، فبقدر الجرائم وتكرارها يتمدد الوعي بحقيقة مشروع الاحتلال وحتمية إنهائه بكل الوسائل المتاحة
محدودية الدعم المقدم للمقاومة بلور استراتيجية مستقلة في قرارها، حجمت دول كانت تتعامل مع القضية الفلسطينية ورموزها وتنظيماتها بوصاية، لذلك شاهدنا مصر السيسي تسارع بتقديم وعد بالمساهمة في إعمار قطاع غزة بخمسمائة مليون دولار في محاولة منها للتأكيد على دورها كوصي وراعي للسلام، رغم أن مصر ليست من الدول المانحة تاريخيا بل من الدول القائمة على الإعانات الأمريكية والعربية، وفي تهميش وإخراج مصر من معادلة الحل فضيلة، فمن باع حقوق الشعب المصري في مياه النيل لا يستحق أن يكون وسيط نزية، فغزة محاصرة من سنين من قبل النظام المصري، فضلا أن يكون عون وسند.
كشفت معركة سيف القدس التباين الواضح بين الأنظمة والشعوب العربية، فالسلطات الرسمية تحفظت عن التعبير عن موقفها بينما شاهد الجميع غضب مواطني هذه الدول وإدانتهم للهجمات الإسرائيلية، ودارت معارك إلكترونية قادها الذباب الإلكتروني السعودي الذي كان له قصب السبق في التصدي لحالة التضامن العربي، فزج بالمشاهير والكتاب السعوديين و روج لمقاطع فيديو لشخصيات محسوبة على المخابرات السعودية قامت خلال الخمس سنوات بمحاولات للتطبيع وفي المقابل لتبشيع وشيطنة الفلسطينيين إلى أن وصل الأمر إلى إطلاق هاشتاج “فلسطين ليست قضيتي” على المنصات الاجتماعية، وأصبح التيار الرسمي السعودي في مواجهة مع الرفض العربي والإسلامي الرافض لكل الجرائم، وتبنى التيار الشعبي السعودي هاشتاقات معبرة عن مشاعر الغالبية ودعم وسم “فلسطين قضيتي” “القدس تنتصر” وغيرها.
انتصرت الشعوب على الأنظمة العربية وترسخت قناعة بوجود انقسام وتباين كبير، وهذا يدلل على دور ومركزية قضية فلسطين وتأثيرها على أوضاع البلدان العربية، برغم محاولة الأنظمة شطب القضية من المناهج والسياسة والذاكرة، انتصرت الشعوب على الأنظمة برفضها للتطبيع واتفاق أبراهام وصفقة القرن وإفرازات اتفاقية أوسلو وفشل استراتيجية إخفاء القضية الفلسطينية خلف عملية السلام واحتكار الوساطة والحل في دول معينة مع زمرة منفصلة عن الواقع الفلسطيني.
السعودية تفقد أحد مصادر شرعية الحكم التي تقوم على دعم كفاح الشعب الفلسطيني لاستعادة أراضيه المحتلة، ما تقوم به عبر قنواتها وإعلامها من تجريم لفلسطين و أنسنة (دولة الاحتلال) يؤكد على السير عكس التيار وأن الرياض أصبحت مركز الليكود العربي بكل وضوح، فقناة العربية السعودية وضعت حماس و دولة الاحتلال على قدم المساواة في إطلاق الصواريخ، من دون أي اعتبار لمحتلّ أو حتى لقدرات جيش مقابل فصيل فلسطيني، ونقلت في تقاريرها بفخر تدمير أنفاق المقاومة الفلسطينية، بالرغم من طردها من غزة منذ زمن، هذا التغطية المنحازة تصنع رأي عام في السعودية ودول الخليج ينذر بربيع مشرقي كما تنبأ بذلك وزير الخارجية العماني السابق، فلا استغرب من مفاجأة قادمة من ارتفاع مستوى الوعي واستمرار استفزازات الأنظمة عبر إعلامه وذبابه.
يحذر الاحتلال من دخول مصيدة الاستنزاف المالي بحسب تقديرات خبراء اقتصاد وبيانات رسمية وإعلامية للاحتلال عن حجم الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد الإسرائيلي بسبب صواريخ المقاومة، تقدر الخسائر اليومية للاحتلال بنحو 250 مليون دولار (أي ما يعادل ٢.٥ مليار دولار في 10 أيام، وهو رقم قابل للزيادة مع كل يوم من العدوان) كما أعلن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، أن إجمالي عدد الصواريخ التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية منذ بدء الحرب بلغ 4000 صاروخ، فيما يقدر جيش الاحتلال عدد الصواريخ التي يتم إطلاقها من غزه باتجاه إسرائيل نحو 500 صاروخ يوميا، هذا يدفع حكومة الاحتلال لسرعة إيقاف الحرب واستجداء المقاومة الفلسطينية للتسوية السريعة، وهي ورقة تدعم المفاوض السياسي تمكنه من اختيار الوسيط وأرض التفاوض بخلاف المرات السابقة التي يفرض على المفوض الوسيط والأرض و شروط التسوية.
اتصالات مكثفة من عدة جهات دولية وجهود إقليمية للتوصل إلى وقف إطلاق النار، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي لا يرغب بالاعتراف بالهزيمة، لذا يريد وقف إطلاق النار من قبل المقاومة في البداية كما يرغب بأن تبقى المفاوضات سرية، بينما المقاومة تريد ربط التسوية بسبب التصعيد، وهو وقف الاعتداءات الإسرائيلية في مدينة القدس المحتلة، ووقف تهجير الفلسطينيين من حي الشيخ جراح.
التحرك المدني الميداني في الداخل الفلسطيني معامل جديد ضاغطـ، نجح من خلال المظاهرات من تشتيت قوى الاحتلال وأعاد اللحمة الفلسطينية رغم انقطاع الروابط التنظيمية والسياسية بفعل العزل، الدعوة للنفير العام في مدن وبلدات وقرى الضفة الغربية وغزة والقدس والأراضي المحتلة وإعلان ونجاح الإضراب العام، إعلان بدخول القوى المدنية الصراع بجانب المقاومة المسلحة و مكاتبها السياسية، مكسب جديد وجود القوة الثلاثية في صناعة انتصارات قادمة.