كتب: عزام التميمي
“يستحق 40 سنةً سجن وليس 4 سنوات”.. هذا ما علق به أستاذ العلوم السياسية الإماراتي عبد الخالق عبد الله في تغريدة له على الحكم الذي أصدره قضاة الطاغية قيس سعيد في تونس غيابياً على الدكتور المنصف المرزوقي.
يستحق المرزوقي أن يسجن أربعين سنة، وليس أربع سنوات فحسب، من وجهة نظر الإماراتي لأسباب وجيهة لديه، وذلك أن رئيس تونس الأسبق إنسان مزعج، فهو من النوع الذي لا يخشى في الله لومة لائم، فلا يتردد لأي سبب، ولا تمنعه أي حسابات سياسية أو براغماتية، عن الصدع بالحق والوقوف مع المستضعفين في الأرض ضد الطغاة بكل ألوانهم، وتلك صفة لا يتحملها أمثال المفكر السياسي الإماراتي لأنها تؤرق من يمثلهم من حكام الإمارات ومن على شاكلتهم من مستبدين في الجوار بل وفي سائر أرجاء العالم العربي.
عرفت الدكتور المرزوقي منذ أن كان معارضاً من منفاه في باريس لنظام المقبور بن علي، وكان أحياناً يزورنا في لندن، ثم زرته في تونس في الأيام الأولى من حقبة ما بعد فرار الطاغية بعد عودته إلى الوطن، ثم زرته في بيته في سوسة بعد أن عاد مواطناً عادياً وسجلت معه سلسلة من برنامج مراجعات لقناة الحوار حول سيرته وتجربته، وطوال كل تلك المراحل، عندما كان معارضاً، ولما أصبح رئيساً، وبعد أن خرج من قصر الرئاسة، لم يغير ولم يبدل، وكان حقاً نموذجاً فريداً للسياسي الملتزم أخلاقياً، فلم يغير قيد أنملة أياً من مواقفه المبدئية تجاه قضايا بلده تونس ولا تجاه قضايا أمته، وعلى رأسها قضية فلسطين، ولم يتنكر لأحد من شعوب العرب المتطلعة نحو الحرية والكرامة، وعلى رأسها شعب سوريا المظلوم، الذي تجاوزت نكبته كل نكبات العرب منذ أكثر من قرن من الزمان، ولم يتردد في الانتصار للرئيس الشهيد محمد مرسي رحمه الله ولجماعة الإخوان المسلمين المظلومة بعد أن تنكر لها من تنكر وتبرأ منها من تبرأ عقب الانقلاب العسكري الغاشم الذي أطاح بتجربة التحول الديمقراطي في مصر.
ما يراه خصوم الحرية وأعداء الحق في الدكتور المرزوقي من ثبات على الحق ونصرة للمظلومين يمثل نموذجاً مزعجاً بالفعل، وهو بالتأكيد نموذج فريد، خاصة في زمننا هذا، الذي كم شهدنا فيه من تقلبات، وتبدلات، وتنقلات من قبل بعض ضعاف النفوس والمتعجلين قطف الثمار بين المعسكرات، تارة باسم المصلحة ونزولاً عند أحكام الضرورة، وتارة تحت شعار “بلدنا أولاً” أو “قضيتنا أولاً” أو بذريعة العمل بقاعدة “أخف الضررين”.
ولئن كان نموذج الدكتور المرزوقي فريداً في كل جيل وفي كل أمة، فليس جديداً في مجتمعات البشر هذا الإزعاج الذي يشعر به الطغاة ووكلاؤهم من مواقف الثابتين على الحق، الذين وصفهم الله تعالى في كتابه العزيز بقوله ” مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا”، والذين قدم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة عنهم في الحديث المشهور: “سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله.” وذلك أن هؤلاء الصادقين، الذين لا يبدلون تبديلاً، وإن كان مصيرهم النفي أو السجن أو القتل، فإنهم هم الذين تتحول سيرهم إلى ما يشبه مصابيح الهدى التي تنير طريق الشعوب نحو الحرية والكرامة والانعتاق من أغلال الظلم والاستبداد والفساد.
يكفي الدكتور المرزوقي شرفاً وعزة وفضلاً أن المرسلين والنبيين كانوا يؤرقون الطغاة ويسببون لهم إزعاجاً، حتى قال قائلهم في لوط ومن معه من المصلحين: “أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ”، وعلى نهج النبيين والمرسلين لم يزل المصلحون في كل زمن مصدر إزعاج للمفسدين في الأرض، إذ يكرسون حياتهم وكل ما أوتوا في توعية المضللين وتنبيه الغافلين وتحرير المكبلين. وذلك تالله لهو الشرف العظيم.
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”