كتب: نواف التميمي
كرّمت ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، بمنحه وسام فارس نظير خدماته التي قدّمها للبلاد خلال توليه منصب رئاسة الحكومة بين العامين 1997 و2007. غير أن كرم الملكة التي شارفت على إتمام قرنها الأول لم يرق إلى نحو 550 ألف شخص وقّعوا على عريضةٍ تطالب بسحب وسام الفارس من السير توني بلير. ويبرّر هؤلاء غضبهم بالأخطاء الجسيمة التي ارتكبها بلير عندما تجاهل الإرادة الشعبية، وقرّر الالتحاق بالعدوان الأميركي على العراق في العام 2003.
ويرى موقّعو العريضة أن: “توني بلير هو الشخص الأقل استحقاقا لأي تكريم عام، ولا سيما أي شيء تمنحه جلالة الملكة .. لقد كان مسؤولاً شخصياً عن التسبب في مقتل عدد لا يحصى من الأبرياء والمدنيين والجنود في نزاعات مختلفة. ولهذا وحده يجب أن يُحاسب على جرائم الحرب”.
وهذا ثاني وسام رفيع يتسلّمه بلير بعد تقليده وسام الحرية الرئاسي من الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، في العام 2009، وهو أعلى وسام مدني أميركي، نظير “جهوده لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والسلام في الخارج”. ووصف بوش حليفه في حرب العراق بأنه “زعيم استثنائي” تعامل مع “التحديات التاريخية بإصرار كبير”.
أعاد التكريم الملكي لتوني بلير فتح الجدل بشأن الدور الشخصي لرئيس الوزراء الأسبق في ملفي زجّ بلاده في غزو العراق في العام 2003، وفشله في مهمة إحلال السلام في الشرق الأوسط، عندما تولّى مهمة مبعوث الرباعية الدولية للسلام (2007- 2015).
أما في الملف الأول، فعلى الرغم من عدم إدانته بشكل مباشر، إلا أن تقرير لجنة السير شيلكوت وجهت انتقادات شديدة لتوني بلير، بوصفه المسؤول الأول عن قرار مشاركة بريطانيا في غزو العراق إلى جانب الولايات المتحدة. وخلصت لجنة التحقيق التي شكّلها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، غوردن براون، في العام 2009، إلى اتهام بلير بسوء التخطيط والتقدير، لا سيما في ما يخصّ إدارة العراق في مرحلة ما بعد سقوط نظام صدّام حسين، و”الكذب” في المعلومات التي قدّمها بلير للشعب البريطاني وممثليه في مجلس العموم، في ما يخصّ أسلحة الدمار الشامل العراقية، وضرورة التحرّك السريع لتدميرها.
أما عن “إنجازاته” خلال عمله مبعوث سلام للرباعية الدولية، فلا يسجّل للرجل أي إنجاز، بل إن مجموعة من السفراء البريطانيين السابقين (منهم السفير السابق في ليبيا، أوليفر مايلز، والسفير السابق في مصر، كريستوفر لونغ)، ومعهم شخصيات عامة، وقعوا في يونيو / حزيران من العام 2015 عريضة دعوا فيها إلى إقالة توني بلير من دوره مبعوث سلام في الشرق الأوسط. وقد وصفت العريضة التي أطلقها سفير بريطانيا السابق إلى إيران، السير ريتشارد دالتون، إنجازات بلير في المنطقة بـ”التافهة”. وتقول العريضة إن غزو توني بلير العراق في العام 2003 هو المسؤول عن ظهور “الإرهاب الأصولي في أرضٍ لم يكن موجودا فيها سابقا .. ووقوفه إلى جانب إسرائيل وإرضاؤها أدّى إلى فشل عملية السلام في المنطقة .. ولذلك يجب تنحيته من منصبه”.
وعلى الرغم من خروجه من رئاسة الحكومة البريطانية في 2007، وتراجع دوره في قيادة حزب العمّال اليساري المعارض، إلا أن نجم بلير لم يغب عن المجال العام، وتمدّد نشاطاه السياسي والتجاري في إمبراطورية خاصة تقدّم الاستشارات في السياسة والاقتصاد عبر العالم.
ومع عدم إمكانية التحقق من إجمالي الأعمال التي تنفذها شركات بلير متعدّدة الأنشطة، إلا أنه بات معروفا أن بلير يعمل مستشاراً لحكومات وجهات رسمية في فيتنام، بيرو، كازاخستان، الكويت، كولومبيا، البرازيل، بورما، جنوب السودان، منغوليا .. إلخ. وعلى سبيل المثال لا الحصر، عمل مستشاراً للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فور تولّيه السلطة، ضمن برنامج دعمٍ موّلته الإمارات، يقدم نصائح للقاهرة في الإصلاح الاقتصادي، بينما يقدّم مستشاره الإعلامي السابق أليستر كامبل، الاستشارة للنظام المصري فيما يتعلق بتحسين صورته في الغرب.
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”