كتب: سامح راشد
كشف تحليل الشواهد واستقراء الدلائل الظاهرة للعيان أن ثورة يناير لم تكن مؤامرة. واتهامها بذلك ليس إلّا للتشكيك فيها وتشويه صورتها الذهنية لدى المصريين. ويمثل هذا التشكيك بذاته إحدى حلقات سلسلة متصلة من الخطوات ضدها، والعمل على تقويضها بشتى السبل والأوجه.
وإذ كان التساؤل عما إذا كانت ثورة يناير مؤامرة جوهرياً في فهم ما شهدته مصر عام 2011 وتوصيفه، ولمّا كانت الإجابة بالنفي، يترتب عليها منطقياً تساؤل يفرض نفسه: هل تعرّضت ثورة يناير لمؤامرة؟
لا تقتصر أهمية الإجابة على تحديد من وقفوا ضد يناير، ومعرفة مسؤولياتهم وأدوارهم، بل الأهمية الأكبر في أن مدخل التآمر على الثورة مفتاح أساسي لفهم (وتفسير) مجرياتها وما آلت إليه، بل وما قد تؤول إليه لاحقاً، على الأقل في المستقبل القريب.
بدأت أولى مظاهر التآمر على يناير من اليوم الأول لها، وكان التركيز فيها على الجانب الأمني، فلعل القارئ لم ينس بعد المداخلة الهاتفية الشهيرة التي فبركها التليفزيون المصري، وعرفت باسم مكالمة “تامر من غمرة”، ثم تلاحقت في الأيام التالية إشاعات وأكاذيب غرضها حثّ المعتصمين في ميدان التحرير على المغادرة، وتخويف المصريين من الانضمام إليهم، ومنها أن أسداً فرّ من حديقة الحيوان وصار طليقاً في شوارع القاهرة.
ثم واجهت ثورة يناير محاولة جريئة وواضحة لإفشالها، بزعزعة أمن المصريين ونزع شعورهم بالأمان، وذلك بتخلي الشرطة عن عملها بشكل كامل مساء يوم 28 يناير “جمعة الغضب”. وبعد أن تمكّن المصريون من تعويض هروب الشرطة بترتيبات أمن ذاتية، استمر الغياب الشرطي عن الشارع المصري حتى 30 يونيو/ حزيران 2012، أي لعام ونصف عام.أما الخطوة الأهم والأخطر في التآمر المبكر على يناير، والعمل على إجهاضها بالقوة، فكانت تعرّض المتظاهرين في ميدان التحرير مساء يوم 2 فبراير/ شباط 2011 لاعتداء منظم بواسطة مجموعات من أصحاب الجمال والخيول، مصحوبين بأعداد من البلطجية المرتبطين بأجهزة الدولة والمدعومين من رجال أعمال.
وكانت أطراف المؤامرة في تلك الواقعة، المعروفة باسم “موقعة الجمل”، واضحة على الشاشات، بدءاً من المنفذين أنفسهم، مروراً بمن موّلوا وخططوا وحرّضوا، انتهاءً بالقوات المسلحة التي كانت تغلق ميدان التحرير، وتمنع دخوله على المواطنين، ثم فتحت الطريق أمام الجمال والخيول.
وبعد تنحّي حسني مبارك، تواترت دلائل كثيرة وشواهد أكثر على تآمرية مؤسسات الدولة أمنياً ضد ثورة يناير وأصحابها. أحياناً بشكل مباشر، كما حدث في سلسلة اعتداءات مسلحة واضحة ومباشرة على المتظاهرين والمعتصمين، من أحداث مسرح البالون بعد أسابيع من تنحّي مبارك، مروراً بمحمد محمود والعباسية وماسبيرو ومجلس الوزراء ومذبحة بورسعيد، وصولاً إلى أحداث قصر الاتحادية في ديسمبر/ كانون الأول 2012.
وكان لافتاً تمسّك المؤسسات والمسؤولين والإعلام الرسمي بخطاب واحد، مفاده أنّ المتهم الرئيس في كلّ تلك الأحداث المفتعلة “طرف ثالث”. أي ليست بقايا نظام مبارك التي كانت لا تزال تمسك بزمام السلطة ومفاصل الدولة، ولا المتظاهرين السلميين، بل هو ذلك الطرف الثالث الغامض أو الشبح المجهول الذي اختفى فجأة ولم يظهر له أثرٌ فور إطاحة الرئيس محمد مرسي.
ويجب هنا التذكير بوجود تقريرين رسميين يُحدّدان، بشكل واضح، جهات وأفراداً متورّطين في “موقعة الجمل”، هما تقرير لجنة تقصي حقائق شكلها أحمد شفيق خلال رئاسته الأخيرة الحكومة أياماً قليلة قبل تنحّي مبارك وبعده. وتقرير لجنة التحقيق التي شكلتها النيابة العامة في عام رئاسة مرسي.
التغييب المتعمد للأمن والأمان فزّاعة كبرى، وأداة رئيسية تستخدمها الأنظمة السلطوية لترهيب الشعب من الاعتراض والثورة. ولشغل الثوريين وإنهاك قواهم في أحداث عنف دموية ترُدّهم وتردع غيرهم عن خوض أيّ مغامرات ثورية.
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”