كتب: المهدي مبروك
عندما قدم ما يناهز 55 قائداً أفريقياً إلى القمة، كان الشرط الأوروبي واضحاً، وقد بلّغ لهم: لن نعينكم، حتى حلّ مشكلات الانقلابات التي عادت بقوة في أفريقيا بالذات: مالي، بوركينا فاسو، السودان، غينيا .. إلخ، إلى جانب القرصنة والإرهاب .. إلخ، لكنّ الأفارقة يدركون أنّها أمراض مزمنة، لا ينكرون أنّ الأوروبيين أنفسهم ساهموا فيها. حرب الإبادة التي شهدتها رواندا هي حالياً موضوع تهم خطيرة سيحاكم من أجلها مسؤول الخارجية الفرنسية، هوبرت فيدرين، قريباً. لقد نشر مؤرّخون عديدون وثائق تفيد تورّط الرئيس الراحل ميتران، بشكل أو بآخر، في تلك الحرب الذي ظلت وصماً مؤلماً في جبين الإنسانية.
لم يشارك الرئيس التونسي قيس سعيّد في أغلب القمم الدولية التي انعقدت، بما فيها القمة الأفريقية، واكتفى لا سيما، لانتشار الوباء، وأسباب أخرى، بالمشاركة عن بعد، أو بإيفاد وزير الخارجية حيناً ورئيس الحكومة حيناً آخر. لذلك، تطلع كثيرون إلى حضوره هذه المرّة. من خلال التصريحات والخطاب الذي وصل إلى الإعلام، كان محاصراً بعقدةٍ ذاتية، لم ينجح في تجاوزها، وقد لازمته منذ انقلاب 25 يوليو (تموز 2021)، وقد عبّر عنها حين التقى عضو الكونغرس الأميركي كريس مورفي، ونشرها في الحين على حساباته في مواقع التواصل: “لست دكتاتوراً ..”، وكرّر العبارة تقريباً، عندما التقى أيضاً أربعة صحافيين من “نيويورك تايمز” كان الأمن التونسي قد أوقفهم، بعد أقل من أسبوع على الانقلاب .. “لقد تصرّفت وفق الدستور، ولست دكتاتوراً”.
ذهب الرئيس سعيّد، هذه المرّة، إلى هذه القمة، بعد أقل من أسبوع من حلّه المجلس الأعلى للقضاء، وما أثاره من ردود أفعال، حادّة أحياناً من سفراء دول نافذة في الاتحاد الأوروبي أو مسؤول العلاقات الخارجية فيه، جوزف بوريل، الذي لمح، صراحةً، في لقاء له مع قناة تلفزيونية أوروبية إلى إمكانية تعليق المساعدات المالية إلى تونس. لذا كان هاجس الرئيس التونسي مزدوجاً: نفي تهمة الدكتاتورية، والحيلولة دون أيٍّ من أشكال العقاب الاقتصادي، ولو المحدود، على البلاد. لذا لم يتردّد لحظة حينما وجهت له دعوة الحضور، فيما فتورٌ رسميٌّ بينه وماكرون. ومع ذلك، لم يفوّت سعيد، كعادة الشعبويين، الفرصة للظهور بمظهر وريث زعماء الستينيات في معركة التحرّر الوطني، حينما نفخ في هذا الخطاب “الأفريقاني” الذي يؤكد أنّ أفريقيا للأفريقيين .. ثمّة صوت العقيد معمّر القذافي يتردّد متخفياً في ما قال سعيد، وهو بهذا لا يوجّه رسائله إلى الأفارقة، بل إلى أنصاره في تونس الذين يرونه وريثاً لزعماء أفارقة، حرصوا على تأكيد “وطنيّتهم العالية ضد أي تدخل أجنبي”.
أما الرسالة الثانية فهي موجهة إلى الاتحاد الأوروبي، وقد أزعجته بيانات الاتحاد التي تحثّه على استئناف المسار الديمقراطي، والتركيز على الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تهدّد تونس بأزمة حادّة.
ومع كلّ هذا الصخب، لن تكون لهذه القمة آثار ملموسة، مثلما تعودنا، خصوصاً أنّ فرنسا لم تعد اللاعب الوحيد في القارّة الأفريقية. ثمة منافسة شرسة تقودها الصين والولايات المتحدة، والقادم أخيراً، لكن متسرّعاً، روسيا، فضلاً عن قوى أخرى تبحث بدورها عن موطئ قدم في القارّة؛ تركيا وإيران، وغيرهما.