كتب: د. أحمد القديدي
هي كما نعلم جميعا ثلاث قوى تريد تقاسم مناطق النفوذ والطاقة والأمن الجيوستراتيجي في العالم وكما تعلمنا أيضا فإن تعملقها تم بالتدريج منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حيث عوضت الإمبراطوريتين الآفلتين فرنسا وبريطنيا اللتين قامتا على الاحتلال الاستعماري ونهب الأمم المستولى عليها في إفريقيا وآسيا ثم وبداية من 1910 شرعتا في تنفيذ خطة مشتركة تمثلت في القضاء على العدو القوي اللدود وهو الخلافة العثمانية لأنها تشكل خطرا مستمرا على مصالح فرنسا وبريطانيا وتبشر بوحدة المسلمين الذي كان وما يزال الى اليوم الهاجس الكبير للعالم المسيحي. وطبعا أعطى السلطان العثماني حجة قوية لعدوتيه حين شارك كحليف للألمان ضد فرنسا وبريطانيا في الحرب العالمية الأولى 1914-1918 كما ظلت الخلافة العثمانية مستهدفة بالتفكيك حتى تنفرد القوتان الاستعماريتان بكل دولة “مستقلة” مسلمة على حدة وينحسر نفوذ السلطان في تركيا، أما اليوم فتطرأ قضية توزيع القوة الاستراتيجية بين حلف الناتو (أي الغرب بقيادة أمريكية) وروسيا التي قرر بوتين إعادة هيبتها (القيصرية) وكان استقلال أوكرانيا عن اتحاد الجمهوريات الروسية أخطر ضربة لروسيا حينما نعرف أن ستالين كان يقول عام 1940 بأن روسيا بدون أوكرانيا لا شيء! ومن آخر الأنباء سقوط قذيفة لأول مرة على الأراضي الروسية جهة دمباز يم السبت الماضي مما يجعل الوضع الحدودي منذرا بكل المخاطر ولكن الحلول الدبلوماسية ما تزال تشكل البديل خوفا من الجميع أن تنفلت الأحداث نحو الحرب بين العملاقين وفي هذا الصدد اعتبرت روسيا انه من الممكن حصول تسوية دبلوماسية بشأن الأزمة الروسية-الغربية المتعلقة بأوكرانيا وأعلنت عن انتهاء بعض المناورات العسكرية في وقت بلغت فيه المخاوف من غزو محتمل ذروتها وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ردّاً على سؤال من الرئيس فلاديمير بوتين بحسب مشاهد بثت على التلفزيون “بصفتي وزير خارجية يجب أن أقول إن هناك دائماً فرصة لحلّ المشكلات التي تحتاج إلى حلّ” وتابع لافروف أنّ فرص الحوار “لم تُستنفد”، مقترحاً حتى “تمديد وتوسيع” الحوار وهي تصريحات أقلّ حدّة من تلك التي صدرت عن موسكو في الأسابيع الماضية وفي هذا السياق أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو عن انتهاء بعض المناورات العسكرية فيما أثارت التدريبات البرية والبحرية على الحدود الروسية-الاوكرانية وفي بيلاروسيا مخاوف من تصعيد عسكري وتنفي موسكو التي ضمّت شبه جزيرة القرم في عام 2014 أن تكون لديها أي نية عدوانية تجاه أوكرانيا لكنها تشترط لوقف التصعيد مجموعة من المطالب بينها ضمان عدم انضمام كييف إلى حلف الأطلسي وسحب بنى تحتية عسكرية للحلف الأطلسي من أوروبا الشرقية وهو ما يعيد لأذهاننا أزمة الصواريخ الروسية في كوبا عام 1962 والسجال المخيف بين كيندي وخروتشوف حول سحب الصواريخ المهددة للولايات المتحدة وانفرجت تلك الأزمة الأخطر في التاريخ الحديث. أما اليوم فنسجل أن الصراع ليس روسيا -أمريكيا بل روسيا -غربيا حيث يتقاسم الأدوار كل من شولتز المستشار الألماني وماكرون الفرنسي وبوريس جونسون البريطاني بآليات زيارات الى أوكرانيا وتصريحات متفق على محتواها بينهم أغلبها يهدد موسكو بعقوبات وهو ما قال عنه لافروف بأنه هراء وثرثرة لأن روسيا ليست دويلة متخلفة مغمورة يهددها من هو أكبر منها” وكتب شولتس الإثنين على تويتر قبل وصوله الى اوكرانيا “ننتظر من موسكو إشارات فورية لخفض التوتر”، محذّراً من أنّ “عدواناً عسكريا جديدا سيؤدي إلى عواقب وخيمة على روسيا وفي كييف حضّ شولتس موسكو على اغتنام “عروض الحوار” الهادفة إلى وقف تصعيد الأزمة الأوكرانية متعهدا في الوقت نفسه بمواصلة المساعدة الاقتصادية الألمانية من جهته أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي “سيضمن أمننا” وقال إن بلاده تعتبر خط أنابيب الغاز المثير للجدل “نورد ستريم 2” الذي يربط بين روسيا وألمانيا “سلاحاً جيوسياسيا” هنا يتساءل الكاتب عمر عليمات في موقع (إيلاف) قائلا: “ولعل السؤال المهم هنا ماذا لو أبقت موسكو على الوضع الحالي لشهور مقبلة، دون أي تحرك عسكري سواء تراجعاً أو تصعيداً، هل ستتحمل كييف كُلفة هذا الأمر؟ وهل اقتصادها يتحمل البقاء تحت التهديد العسكري المباشر خاصة فيما يتعلق ببقاء الاستثمارات الأجنبية أو تحويل الأموال إلى الخارج؟، أسئلة عديدة تطرح في حال تبني موسكو لمثل هذا السيناريو والذي تعززه واشنطن بحملتها الإعلامية الرامية إلى توتير الأجواء ودفع المنطقة إلى حرب لا يعرف أحد إلى أين قد يصل مداها” وعلى صعيد متّصل تهاوت الأسواق المالية العالمية الاثنين الماضي بشدة على وقع المخاوف من اجتياح روسي وشيك لاوكرانيا وسجلت خسائر في معظم البورصات الأوروبية كما اعتبرت روسيا انه من الممكن حصول تسوية دبلوماسية بشأن الأزمة الروسية-الغربية المتعلقة بأوكرانيا وأعلنت عن انتهاء بعض المناورات العسكرية في وقت بلغت فيه المخاوف من غزو محتمل ذروتها وقد طلبت السلطات الأوكرانية رسميا بأن تبرّر روسيا نشر عشرات آلاف الجنود على الحدود مع أوكرانيا وفقا لالتزاماتها في إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. من هنا نفهم لماذا كان هذا الملف هو الطاغي على كل أشغال المؤتمر الراهن للأمن العالمي في ميونخ واستحوذ على 80% من خطاب الأمين العام لحلف الناتو في افتتاح المؤتمر يوم الجمعة الماضي أعقبه يوم السبت تهديد نائبة الرئيس بايدن روسيا بالعقوبات “القاسية”!
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”